إعلان

الدراسات الإعلامية بين البدايات والمطبات والمتطلبات

د. سامي عبد العزيز

الدراسات الإعلامية بين البدايات والمطبات والمتطلبات

د.سامي عبد العزيز
07:26 م السبت 15 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بداية.. تحقيقا للقوة والتميز عام 1970، حينما أعلن معهد إعلام جامعة القاهرة عن فتح باب القبول لأول دفعة، لم يكن المجموع معياراً أو على الأقل المعيار الوحيد، فقد كان القبول رهنا باختبار لقياس الثقافة والمعرفة، يعقبه ما هو أصعب وأشد: مقابلة شخصية مع أسماء وشخصيات ترعبك قبل أن تدخل إليها، أ. هيكل، د. جمال العطيفي، أ. جلال الدين الحمامصي، د. إبراهيم إمام، د. عبد العزيز شرف، وغيرهم من قمم الإعلام والتخصصات المباشرة وغير المباشرة.

كانت مقابلة عصر واختبار للشخصية والانضباط العصبي وقياس درجة الإصرار على دراسة الإعلام، فأصبح معهد الإعلام المصنع الأول لخريج دخل بإرادته وإصراره، وكافح، وتعلم من أساتذة وخبراء المهنة حتى إننا كنا نوزع صوت الجامعة بأيدينا على كافة الجامعات المصرية.

النتيجة قبول 200 طالب وطالبة من 2500 ممن تقدموا، معهد فريد، الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، بعد أن كان قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة هو القبلة الأولى لدارس الصحافة بصفة أساسية والإعلام بصفة ثانوية.

معهد يضم ثلاثة أقسام صحافة ونشر، وإذاعة وتليفزيون، وعلاقات عامة وإعلان، كان سابقا لزمنه أو على الأقل كان مناسباً لزمنه بحكم طبيعة الوسائل الإعلامية المرئية ومستوى صناعة الإعلام والإعلان ومفهوم العلاقات العامة في ذلك الوقت.

خريجوه شغلوا مناصب قيادية من رئاسة تحرير، ورئاسة قنوات أو قطاعات إعلامية، دراسة علمية صاحبها تدريب مهني وتحديداً في مجال الصحافة ليصدر طلاب المعهد ومن خبراء مهنيون أول صحيفة جامعية، صوت الجامعة، ويرأسها أستاذ جلال الدين الحمامصى.

ومن الخبراء، الحديدي، فاروق شوشة، عبد الوارث عسر، أ. سعد لبيب، مع نخبة من علماء السياسية في التاريخ والجغرافيا، وعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد.

وأمام العدد المحدود الذي يقبل كل عام، كان الخريج ملماً ومتدرباً في حدود مراحل تطور علوم الإعلام والإمكانات التكنولوجية المحدودة للغاية في ذاك الوقت، ما جعل الخريجين يجدون أمامهم فرص عمل في مصر وخارجها، بل إنهم أسسوا صحفا وإذاعات وقنوات خارج مصر.

وأمام الالتزام كان يتم اختطاف خريجي الإعلام. ومرت الأعوام، العلوم تطورت، والتكنولوجيا الإعلامية حققت قفزات هائلة، في المقابل ظلت التخصصات ومسميات الأقسام تقليدية، ومع مرور الوقت كان لا بد من التطوير والتغيير ولكن هذا للأسف لم يحدث، وزاد الأمر تواضعاً في مسمى خريجي الإعلام ذلك التتابع غير المدروس والمحكوم أو المنطق من مفاهيم تغيرت، وقدرات ومهارات أصبحت حاكمة في قيمة ومحتوى الخريج، كليات تم استنساخها حرفياً من كلية الإعلام الأم، نفس المسميات للأقسام، بل نفس مسميات المواد وبعضها أكل عليها الزمن وشرب.

وكانت الكارثة في عشرات المعاهد العليا للإعلام أن بعضها قبل ما يزيد على مئات من الطلاب، وليس بها سوى أستاذ، هذا إذا كان موجوداً، أو كان وجوده مزعوماً، والأغلبية مدرسون أو هيئة معاونة يغلب عليهم طابع الكشكول الذي يدرس كل المواد. النتيجة تراجع في مستوى خريجي الإعلام، وهذا أمر طبيعي؛ فمسمى الإعلام هو الغالب ولم يرقَ الفهم إلى "الاتصال"؛ فالفرق كبير، فالإعلام يظل وسائل، أما الاتصال، فأصبح وسيستمر المجال الأوسع والأشمل الذي يلحق به التطوير؛ لأنه يركز على المحتوى والتناول الإبداعي، ومن ثم تتحدد قنوات الاتصال، ما يجعله سوقاً تزداد فيها الطلب وليس العكس، فأصبح لزاماً أن يتخرج طالب يجيد فنون الاتصال، ومن ثم تنفتح أبواب ومجالات تتعدى حدود الصحافة، والإذاعة والتليفزيون أو العلاقات العامة والإعلان.

فعلى سبيل المثال، هل هناك مؤسسة- من أول مؤسسة الرئاسة إلى أصغر شركة- لا تحتاج إلى من يجيد مهارات الاتصال بخلفية علمية متطورة ومن ثم فإن فرص العمل تظل في عطش، هذا على مستوى مرحلة البكالوريوس، وبالمناسبة مرحلة الدراسات العليا لا يبتعد واقعها وحالها عن مرحلة البكالوريوس، دراسات ماجستير ودكتوراه في أغلبها تقليدية، والأقلية وإن كانت متطورة، فإن مكانها هو الرفوف في المكتبات.

قواعد الترقية غاية في التقليدية، فاختلط الحابل بالنابل، من هنا انطلق مفهوم أن خريج الإعلام لا مكان له وأنه من قال إن الإعلامي يجب أن يكون خريج الإعلام، وهذا أمر تختلف حوله الآراء، نعم، للموهبة والقدرة دور ولكن بلا ثقافة وتطور عقلي، فهذا أمر يخل بالمهنة.

وخريج إعلام تقليدي من قسم تقليدي في مناهجه ومستويات تدريبه لا يكون مطلوباً.

وفى أكتوبر 2018 أطلقنا أجراس الخطر أمام التدهور في الدراسات الإعلامية من خلال لجنة قطاع الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات، ومن خلال مؤتمرات وحلقات نقاشية في جامعاتنا الحكومية والخاصة، شخّصنا الحالة وقارنا بيننا وبين اتجاهات الدراسات الإعلامية في كافة المراحل في دول العالم.

وبإقرار من الكل، تم الاتفاق على أنه من الصعب أن نترك الأوضاع على ما هي عليه في كلياتنا وأقسامنا ومعاهدنا الإعلامية، وبمساندة حقيقية وجادة من وزير التعليم العالي أ. د. خالد عبد الغفار ودعم الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات أ. د. محمد لطيف، أعيد اختبار القدرات في العام الماضي، واستمر في العام الحالي مع تطويره وإخضاعه لتكنولوجيا الاتصال، ويتم ولأول مرة في مصر وضع إطار مرجعي استرشادي أقرته اللجنة، وأقره المجلس الأعلى للجامعات، وأرسل لكافة كليات الإعلام حكومية وخاصة وإلى المعاهد العليا، وأهم ما جاء به:

-إلغاء وإزالة المسميات التقليدية للأقسام.

-إعادة النظر في المقررات والمناهج واللوائح.

-حتمية ألا يقل عدد الساعات المعتمدة المخصصة للتدريب العملي عن 50% من المقررات، بشرط أن تقوم الكليات القائمة بتطوير استديوهاتها ومعاملها، ومراكزها التدريبية، لتواكب احتياجات السوق المحلية والإقليمية.

-التركيز على المناهج التي تحقق وتعمق القدرات والمهارات الاتصالية ولا أقول الإعلامية.

وتأكيداً للجدية أعلن وزير التعليم العالي أنه مع نهاية عام 2020 ورغم أزمة كورونا فإن الكليات أو المعاهد التي لا تلتزم وتحقق عمليا هذا الإطار المرجعي سيتم عدم معادلة شهاداتها بل سيتم إعادة النظر في استمرارية ترخيصها من عدمه، مع الحفاظ على حقوق الدارسين الحاليين حتى نهاية عام 2020. وتم الأمر نفسه على مستوى الدراسات العلا بكل درجاتها.

هذه وبتركيز شديد قصة واقع الدراسات الإعلامية، التي أؤكد أنه مع حدوث التطوير وفق ما تم وضعه من معايير وأطر وقواعد ملزمة، فإننا لن نسمع عن بطالة في خريجي الإعلام مهما يزِد عددهم؛ فمن البداية هناك دراسات جدوى - شرط تم إقراره لأي جامعة تريد أن تؤسس كلية للإعلام، وأهم ما فيها هيئة التدريس كماً، وكيفاً، وقدرات حقيقية.

وللأمانة، مع القيادات الأكاديمية الجديدة من عمداء ورؤساء أقسام، بدأت رحلة التطوير، ومن الطبيعي أن يمر بعض الوقت لكي تظهر نتائج التطوير، ومع التشكيلات الجديدة للمجالس الإعلامية نأمل أن تفتح الحوار مع اللجان العلمية المتخصصة من بداية تحديد الاحتياجات ونهاية بالتشاور حول شروط الترخيص للعمل الإعلامي.

هذه المسيرة عايشتُها من بدايتها كطالب وأستاذ ورئيس قسم وعميد، ثم تشرفي برئاسة لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات، والتي تضم أساتذة وخبراء حازوا أفضل أداء لجان المجلس الأعلى للجامعات أمام المبادرات والمعايير والجدية والالتزام والتقييم الدائم، إما بزيارات ميدانية أو من خلال الفحص الدوري لقطاع الدراسات الإعلامية.

هذه القصة أكتبها بكل موضوعية وتوثيق، ولا أستهدف بها الرد على حالات اليأس أو التيئيس التي تنتاب طلاب الإعلام أو من يكتبون انتقاداً أو قذفاً تقليلاً من شأن كليات ومعاهد الإعلام؛ فكثير مما كتبوه صحيح، وكثير أيضاً مما كتبوه عن غير دراية بما يحدث من تطوير حقيقي.

تبقّى أن أقول إنه بالوثائق والخطابات الرسمية خاطبت اللجنة كافة المجالس والتنظيمات القائمة على الإعلام في مصر لنعرض عليهم، وننسق معهم فيما نتخذه من مقترحات وتوصيات ولنسمع منهم ما يرونه مطلوباً من دراسات ومناهج وبرامج في مجال الاتصال والإعلام، ولكن لم نجد استجابة حتى هذه اللحظة. وعبر فيسبوك تحاورت مع أ. كرم جبر، ووعدني باجتماع- لم يتم حتى الآن.

وأخيراً، بالنيابة عن زملائي في لجنة الدراسات بالمجلس الإعلامي للجامعات أدعو إلى مؤتمر أو حلقة نقاشية نتبادل فيها الآراء، ونكمل ما بدأناه من حوارات لنضمن تعليماً إعلامياً متطوراً، ومؤسسات إعلامية تنظيمية أو مهنية تدعم، وتساند ما بدأناه من تطوير؛ فالكل من التجديد يستفيد، والله من وراء القصد.

هذا أول مقال وتتوالي الفصول....

إعلان

إعلان

إعلان