لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المجتمعات الخليجية تفقد هويتها الثقافية

عبد الله رشيد

المجتمعات الخليجية تفقد هويتها الثقافية

عبدالله رشيد
08:15 م الأحد 14 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كشفت أزمة تفشي جائحة فيروس "كوفيد- 19" حجم المأساة التي تعيشها مجتمعات واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، ومرارة الاعتماد الكلي على العمالة الأجنبية الوافدة إلى تلك الدول خلال العقود الخمسة الماضية.. وكشفت أزمة تفشي "كورونا" أن الوجود الأجنبي لا يشكل خطرا على الهوية الثقافية فقط، بل أصبح يشكل خطرًا جسيمًا على مستقبل وجود الكيان الخليجي بأسره!

المشهد مرعب ومخيف؛ فبنظرة إلى الشارع وإلى قطاع المال والأعمال والتجارة والخدمات والسياحة وأنواع التأشيرات والإقامات والتجمعات العمالية في هذه البلدان - يتضح أن هناك عمالة تعتبر نفسها "عمالة مهاجرة" من أكثر من 200 دولة تعج بهم مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة، بحيث تكاد تفقد كل صور وأشكال وأنماط هوياتها الثقافية!

ومؤخرا كشف تقرير حديث صادر عن "أورينت بلانيت للأبحاث"، استند فيه إلى بيانات صندوق النقد الدولي - أن مجموع تعداد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي بلغ حوالي 56 مليون نسمة، وذلك بحلول عام 2020.

وتضم السعودية التعداد الأكبر للسكان على مستوى الخليج (34.2) مليون نسمة، تليها الإمارات (9.7) مليون نسمة، والكويت (4.7) مليون نسمة، وسلطنة عمان (4.6) مليون نسمة، وقطر (2.8) مليون نسمة والبحرين (1.5) مليون نسمة.

وارتفع عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي التي تشكل شريحة الشباب النسبة الكبرى من سكانها؛ حيث تصل لأكثر من 50% خلال العقد الماضي، وذلك بحسب الأرقام الصادرة عن "ذي إيكونوميست".

هناك اليوم حوالي 30 مليونا و750 ألفَ وافدٍ من غير المواطنين في بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة، ومن المرشح أن يصل إلى 45 مليونا في عام 2025، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى أكثر من 50 مليون أجنبي بحلول العام 2030 إذا استمر المعدل الحالي في الزيادة!

حسب إحصائيات وأرقام رسمية صدرت عن مجلس التعاون الخليجي وعن الدول الأعضاء بالمجلس عامي 2006-2007، تصل نسبة العمالة الأجنبية في (الكويت إلى 71%)، (البحرين 53%)، (السعودية 39%)، (سلطنة عُمان 42%)، (قطر 89%)، (الإمارات 89%)

يبلغ عدد سكان الإمارات 9.7 مليون شخص، ويبلغ عدد الأجانب من بينهم حوالي 8.6 ملايين أجنبي، وتشكل نسبة الهنود 55% من مجموع تعداد السكان في دولة الإمارات، أي قرابة أربعة ملايين، مقابل مليون و100 ألف مواطن فقط!

تمثل الإمارات وقطر الحلقتين الأضعف في المنطقة، تليهما الكويت والبحرين.. والسعودية وسلطنة عُمان بدرجة أقل خطورة قياساً للبقية.

الخلاصة هي أننا أمام مأزق تاريخي كبير؛ فالهجرة الأجنبية تهدد وجودنا.. وإذا لم يتحقق هذا التهديد اليوم، فسيتحقق في الجيل القادم.. ويتمثل الخوف من الآتي:

الوجود الأجنبي ينخر في الجسم العربي الخليجي.. لم تقتصر الهجرة على العمال، بل شملت مهنيين وحرفيين في مختلف المجالات. كما ضمت التجار من كل المستويات.. وقد تمكنت شرائح واسعة من الأجانب، وخاصة الهنود والباكستانيين والصينيين من الإمساك بمفاصل الاقتصاد!

فهم اليوم مديرو البنوك وشركات التأمين والسياحة وقطاع الفنادق وتجارة التجزئة والخدمات العامة.. وهم التجار المتربعون على كل أنواع التجارة الكبيرة منها والصغيرة، ومنها تجارة الأغذية (الرز واللحوم والدواجن والفواكه والقمح)، والأدوية والملابس والإلكترونيات وغيرها. وأخيرا، فُتِح لهم مجال تملك العقارات في أغلب دول مجلس التعاون الخليجي!

هذا الوضع سوف يفتح قريبا أبواب النقاش حول مطالبة الأجانب بالبدء دوليا بإجراءات دعوتهم للاستيطان الدائم!.. ووضع الأسس لضمان مستقبل أجيالهم القادمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، خاصة جيلًا من أبناء الأجانب الذين وُلدوا في هذه الدول!

إن الذي يساعد على مطالبة الأجانب قريبا بالاستيطان الدائم في هذه المنطقة عنصران رئيسان: الاقتصاد والتجارة؛ فهما من شرايين الحياة، ولهما منطقهما ونفوذهما وجبروتهما وتأثيرهما المباشر وغير المباشر.. فمن بيده مفاتيح الاقتصاد يملك، بالضرورة تأثيرا مباشرا على أي قرار يحدد مصير المنطقة ومستقبلها، وهو بالتأكيد قادر على تحديد مسار المستقبل.

ماذا لو تقدم هؤلاء المهاجرون الذين يشكلون الأغلبية السكانية في دول مجلس التعاون إلى الأمم المتحدة وطالبوا بحق التجنيس؟!

من الذي يستطيع إقناع المنظمات الدولية بأن هؤلاء ليسوا جزءًا من النتاج السكاني والديموغرافي لمجتمعات هذه الدول؟!

ما الذي يمنع الأمم المتحدة من منح هؤلاء حق الاستيطان والتجنيس؟!

السيناريوهات التي يمكن أن يتم من خلالها تحريك المهاجرين للمطالبة بالاستيطان والتجنيس وبحقوق المواطنة - موجودة، وتم وضعها، ولم يبق إلا أن يتم تحريكها في المنظمات الدولية وأهمها:

السيناريو الأول هو حقوق العمال والمهاجرين، وفعلا طرحت الهند ذلك في أكثر من مناسبة.. فإعطاء المهاجرين حق التجنس ومن ثم فرض "الديمقراطية" سيفضيان حتما إلى حكم الأغلبية. إنها معادلة حسابية لا تقبل المكابرة أو الإنكار.

أما السيناريو الثاني، فالجيل الحالي من أبناء المهاجرين والعمال الأجانب الذين وُلدوا في دول مجلس التعاون الخليجي، ويكاد عددهم يصل إلى أعداد السكان الأصليين من أبناء المنطقة- هؤلاء يرون أنفسهم أن لهم حقوقًا شرعية وإنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية وأنهم جزء من حاضر هذه المجتمعات ومستقبلها!

وإن شاءت الولايات المتحدة والمنظمات اليهودية والغرب والأمم المتحدة أن تحدث هذا التغيير، فإنها اليوم مقتنعة بأن الوقت قد حان لغربلة المجتمعات الخليجية وإحداث زلزلة اجتماعية فيها، وسوف تجد الأرضية البشرية والثقافية جاهزة ومهيأة!

سوف أورد لكم مثالين فقط:

عندما أراد الاستعمار البريطاني والمنظمات اليهودية في الإمبراطورية البريطانية العظمى تفتيت الدولة الماليزية، انتظرت حتى تزايدت الهجرة الهندية والصينية إلى سنغافورة.. وعندما نضجت الأمور في سنغافورة عام 1964، فصلتها بريطانيا عن ماليزيا، وسلمتها للأغلبية الصينية المهاجرة إليها تحقيقًا لرغبة اليهود في تفتيت دولة إسلامية.

وبنفس الأسلوب الخبيث، فرضت بريطانيا المهاجرين الهنود على جزر فيجي، التي يحكمها اليوم هنود جلبتهم بريطانيا للعمل فيها، وهم بالمناسبة لا يشكلون إلا 50% من تعداد السكان الأصليين. أي أقل من هنود الخليج!

منظومة مجلس التعاون الخليجي تكاد تحتضر، ودول الخليج العربية أمام أزمة تاريخٍ خطير ومصيري ومعقد، يهدد جذورها من الأعماق.

فإما أن نكون، أو لا نكون..! ولا بُد أن نكون.

****

إعلامي وصحفي إماراتي

مدير مكتب جريدة Gulf News- أبوظبي

إعلان

إعلان

إعلان