لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أسرار في بحر الخزر..!

محمد أحمد فؤاد

أسرار في بحر الخزر..!

01:04 م الإثنين 29 ديسمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

تخم لا يبتعد كثيراً عن عمق الأراضي العربية، ربما سيشهد قريباً مراسم استعداد لانتزاع جزء من مكانة عريقة طالما استحوذ عليها العرب لعقود طويلة دون غيرهم، إنه بريق الذهب الأسود السحري لدى ممالك الغرب المستعمر! الشواهد تبوح بانتقال ساحة الصراعات إلي هناك إن أجلاً أو عاجلاً، ربما حسب توجه بوصلة التوازنات الاستراتيجية، وأيضاً حسب قدرات الربابنة الكبار على الخوض في بحر الخزر تجاه مياه يحيطها الغموض..! بلاد الخزر تقع في شمال القوقاز بين أسيا الصغرى وأوروبا، وقد استوطن تلك المنطقة شعوب همجية ذات أصول تركية، كونت بين القرنين السابع والعاشر الميلادي مملكة تسمى مملكة الخزر، وقد نشبت بين هؤلاء وبين الفرس والأرمن والعرب نزاعات عدة على احتكار النفوذ التجاري، لكنهم نجحوا من ناحية أخرى في توطيد علاقة ودية مع الامبراطورية البيزنطية، واستعانوا بهم في التصدي للعرب، لكن على إثر نزاعات داخلية هناك، استطاع سيفياتوسلاف الأول (دوق كييف) هزيمتهم وتقويض مملكتهم للأبد عام 965 ميلادية! ويقال أن الخزر كانوا وثنيين في الأصل، ثم اعتنقوا الديانة الشامانية ثم أخيراً اليهودية، وهناك بعض الروايات تقول بأن اعتناق اليهودية لم يكن إلا لسبب سياسي وليس لقناعة دينية، حيث يظل ملك الخزر اليهودي ملكاً متوجاً على المملكة اليهودية بدلاً من أن يصبح مجرد والي تابع لإحدى الديانتين الأقوى والأوسع انتشاراً حينها وهم الإسلام والمسيحية.

منطقة بحر ''قزوين'' (الخزر) تمتد غرباً حتى حدود البحر الأسود، وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تلك المنطقة بالكامل تخضع لنفوذه كقائد للمعسكر الشرقي، وكانت القوى القريبه من المنطقة متمثلة في إيران لا تتجاسر على محاولة تغيير ميزان القوى هناك وإلا كان مصيرها الندم، ولهذا ظلت العلاقة بينها وبين الاتحاد السوفيتي هناك تخضع لمعاهدتي 1921 و1940 لتنظيم شروط الملاحة والصيد في بحر قزوين، ولكنهما لم تتطرقان إلى مسائل حماية البيئة أو استغلال موارد الأعماق..!

في 18 إبريل 2011 انعقد بموسكو المحفل الاقتصادي الدولي ''حوار بحر قزوين''، وكانت الموضوعات الرئيسية المطروحة هي وضع بحر قزوين، وتطوير بنية النقل في المنطقة، ومجال موارد الخامات المعدنية. وفي فاعلية منفصلة تم مناقشة مسالة التنقيب عن النفط واستخراجه وتوريد المحروقات والطاقة الكهربائية في المنطقة، احتدمت الحوارات، وأصبح بحر قزوين مقسماً جغرافياً على الأقل بين خمس دول، هي روسيا وإيران وتركمانستان وكازاخستان وأذربيجان، وهنا وجب التنويه أنه مع اكتمال تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 بدأ بريق بحر قزوين يلمع في عيون الولايات المتحدة وروسيا وإيران كل حسب طموحه وقدراته! لم لا، والبحر يعد كنز استراتيجي تحوي أعماقه ثالث أكبر احتياطي عالمي من نفط وغاز، ويمثل نحو 6 إلى 7 في المائة من الاحتياطيات العالمية للغاز، وقد قدرت أبحاث شركات النفط العالمية وجود حوالي 80 مليار برميل نفط قابلة للاستخراج هناك! ربما كان هذا كافياً لتحريك بوصلة اهتمام عصابات سادة العالم إلى تلك المنطقة، بعد أن كان سهمها يشير دائماً نحو الشرق الأوسط فقط..

لا شك أن روسيا والولايات المتحدة طرفان رئيسيان في التنافس على احتواء المنطقة، ومن خلفهما يأتي النمر الصيني، الذي بدأ مبكراً في تأمين حصصه من نفط وغاز بحر قزوين عبر خطط طويلة الأمد، وبتعاقدات سارية حتى عام 2039 تقضي بتصدير تركمانستان 30 مليار متر مكعب من غازها إلى الصين عن طريق خط أنابيب للغاز بفرعين يبدأ من حقل ''سمان-داب'' في تركمانستان ويمتد عبر كازاخستان وأوزباكستان، وأيضاً خط أخر لنقل النفط من كازاخستان إلى الشانكو في شينجيانج (تركستان الشرقية) بالصين، وقد اكتملت تلك الخطوط وبدأت عملها بالفعل منذ عام 2009 ، أما الولايات المتحدة ومن خلفها الاتحاد الأوروبي وإسرائيل فقد سارعوا لخوض المنافسة على هذا الإقليم، ومحاولة السيطرة على ثرواته من نفط وغاز عن طريق بناء خطي أنابيب غاز وبترول لا يمران بالأراضي الروسية، على أن تبدأ الخطوط من باكو أذربيجان مروراً بتبليسي جورجيا لينتهي إلى المصب في ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، وقد بدأ العمل بالفعل عام 2006، وهناك مساعي لتوسيع شبكة الأنابيب هذه لتصل إلى ميناء أكتاو في كازاخستان من خلال خط يمر تحت بحر قزوين، الأمر الذي يستلزم قانوناً موافقات روسيا وإيران على المشروع، وبالطبع هناك صعوبات أو ربما استحالة لأن هذا سيقلص من النفوذ الروسي، وربما يفتح المجال لمزيد من التوتر بالمنطقة.

موسكو تعتبر الحضور الأمريكي والغربي في منطقة نفوذها بمثابة تهديد صريح لمكانتها وأمنها، وأيضاً محاولة تطويقها وحصارها اقتصادياً إذا لزم الأمر، لهذا فهي دائماً ما تدعم المواقف الخلافية بين اذربيجان وكازاخستان مع إيران، وفي نفس الوقت تحتفظ بعلاقات متميزة مع الأخيرة على كافة الأصعدة، ومن جهة أخرى نجد للولايات المتحدة حضور مباشر هناك عبر بناء تحالفات مع الدول الثلاث المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي، وهي تدعم محاولات تلك الدول الخروج من دائرة الهيمنة الروسية، وتستفيد على صعيد أخر من خلافات تلك الدول مع إيران، فطهران دعمت أرمينيا في خلافها مع أذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ، وبالمقابل ضخت واشنطن استثمارات تعدت 20 مليار دولار في قطاع النفط في أذربيجان ببحر قزوين حتى تحثها على الاستمرار في موقفها المضاد لإيران حول تقسيم ثروات بحر قزوين! ولا يخفى أن لأميركا قواعد عسكرية ممتدة في المنطقة، تم زراعتها تحت المسمى المفضل للولايات المتحدة وهو ''مكافحة الإرهاب''، وتلك القواعد تمتد ما بين البحر الأسود مروراً ببحر قزوين وصولاً إلى الحدود الغربية الصين! أما الإيرانيون فيراهنون على موقعهم الحيوي بين مناطق بحر قزوين والخليج العربي، والدور الذي قد تلعبه المصالح الاقتصادية للكبار في منع شن أي هجوم محتمل على أرضهم، وهم يعلمون جيداً أن جام اهتمام اللاعبين الأساسيين في المنطقة هو التحكم في طرق وشبكات انابيب تصدير الغاز والنفط، وعلى الرغم من الخلاف الواضح بين طهران والغرب ودول الخليج بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن طهران تظل مطمئنة نوعاً لإن أي اعتداء عليها قد يمثل توتراً شديداً في دول المسار حيث تمر ثروات بحر قزوين عبر شبكة انابيب الغاز والنفط ، وربما هذا هو ما يفسر سر التقارب الأخير بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى..
والسؤال: متى سيفصح بحر الخزر الغامض عن هويته..!؟

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان