على أبواب "الثانوية العامة".. الامتحان لا يُفرق بين المرء وأمه (معايشة)
كتب- محمد مهدي:
أمام أبواب مدرسة السعيدية للثانوية العامة بنين، وصل عدد من السيدات برفقة أبنائهن، قبل موعد الامتحان بساعة أو أقل، دخل الطلاب لبدء أول امتحاناتهم-اللغة العربية- بينما قلوب أمهاتهم تخفق وتدعو الله أن ينجي أولادهم من التجربة الصعبة. مصراوي قضى معهن ساعات الانتظار المريرة واستمع لأحاديثهن حول معاناتهن مع كابوس الثانوية العامة.
لم تَنم "أم عبدالعزيز" ليلة أمس، الأجواء داخل المنزل "متكهربة" الابن يخرج من غرفته باكياً "نسيت كل حاجة" تهدأ الأم من روعه، تُعيده إلى غرفته وتجلس بجانبه حتى الصباح، ليتحركا سوياً إلى مدرسة السعيدية بالجيزة "مقدرش أسيب ابني لوحده، اتعودنا على كدا، أمي كانت بتروح وتيجي معايا".
يرفض عبدالعزيز بحُكم السِن أن يذهب برفقة والدته، لكنها تصر "لازم نطمن على عيالنا، ولو احتاجوا حاجة يلاقونا جنبهم" يصطحبه حتى البوابة الرئيسية، ثم تقف خلف الأسوار الحديدة للمدرسة، تلتصق به، تنظر لابنها مشدوهة ثم بكت "ربنا يكون معاه، ويارب تعبنا يجي بفايدة في الأخر".
بعد دقائق يصل طالب إلى المكان، يقترب بخطوات مترددة "رجل ورا ورجل قدام" يدخل إلى المدرسة ثم يخرج لأكثر من مرة، تتابع السيدات الواقفات في انتظار أولادهم المشهد، تتبادل النظرات فيما بينهن، قبل أن تقترب أم عبدالعزيز برفقة سيدة أربعينية-أم شهاب- من الشاب الصغير، تقول الأخيرة: "كان خايف، قولتله سلمها على الله، لحد ما دخل" فيما تؤكد أم عبدالعزيز إنها "شخطت فيه، دا مش لعب عيال".
تمسك أم شهاب بالقرآن الكريم بين يديها، تقف بالقُرب من السور الحديدي، هي والآخريات بجانب شجرة كبير تضمن لهم شرور الشمس "بنقضي وقتنا بنقرا قرآن، وبندعيلهم، نعيط شوية ونتكلم شوية" يسألهم موظف "يعني مبتتكلموش عن المسلسلات؟" لا يبدو أن الدعابة أعجبتهم "مسلسلات ايه؟ مش فاضيين.. إحنا من أول رمضان مش متابعين حاجة، معسكر مغلق عشان عيالنا".
تتداخل والدة الطالب "أحمد خالد" في الحديث، تقول إنها تتمنى أن ينظر لهم وزير التربية والتعليم باهتمام "يعني إحنا واقفين متعذبين، ما يخصصولنا مكان نقعد نستنى فيه ولادنا" تقاطعه سيدة آخرى "هيقولك وأنا هأفضى للعيال ولا ليكم؟" تبتسم أم أحمد موضحة أن المنظومة بأكملها تعاني من الارتباك وعدم النظر بعين الاعتبار إلى أولياء الأمور.
تُشير أم أحمد إلى سوء موعد الامتحانات في شهر رمضان الكريم "فيه أولاد مبيقدروش يصوموا بسبب الإرهاق والضغط، وحقهم، دول من 9 لحد 2 بيمتحنوا" تتمنى لو أُتيح لها الدخول في هذا المعترك لوضع توقيت أفضل. تتوقف عن الحديث حينما يقترب أحد رجال الأمن مطالبًا منهن الابتعاد قليلاً عن سور المدرسة بسبب مرور قيادة أمنية لمتابعة تأمين الامتحانات والطلاب.
تجلس السيدات قليلاً من أجل الراحة، قبل أن يُسمع صوت أحد الطلاب، تهرول سيدة ناحية الباب، تنظر عبر فتحة صغيرة "يا واد عملتوا إيه في الامتحان كان كويس" فتركض الباقيات إلى الباب، وتبدأ نداءات متعددة وأحاديث متبادلة قصيرة سريعة بينهن والطلبة "يا هشام؟ أيه اللي جيه في القصة؟.. لقيتوا موضوع القدس؟" يعلو صوت إحداهن "بقولك يا ابني شوف مصطفى رفعت، قوله يجي يكلمني عشان أطمن".
تحاول إحدى الأمهات الوقوف على حجر للوصل إلى يد ابنها في الداخل "يا عبدالرحمن، مذكرة الدين أهيه، اقراها بسرعة" فيما تنادي آخرى "أقعد في حتة ضِل يا بسام عشان الشمس حامية" يُسمع أصوات الطلاب قبل أن يذهبوا لامتحان مادة التربية الدينية "الامتحان كويس، الحمدلله، تمام، متقلقوش" فتعلو ابتسامة على وجه السيدات. ابتسامة لا مثيل لها.
فيديو قد يعجبك: