الإرهاب في 2015.. المُنتهك الأول للحق في الحياة
كتبت ـ هاجر حسني:
"تم تذكيرنا مرارا بأن الإرهاب لا يزال يلحق الألم والمعاناة بحياة الناس في جميع أنحاء العالم"، كان ذلك وصف الأمم المتحدة للإرهاب على موقعها الرسمي، فهي ترى أن مكافحة هذه الآفة مصلحة مشتركة لجميع الأمم، ولذلك أصبحت هذه القضية مُدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ عقود، ولا أحد يُنكر ذلك فحتى أكثر الدول سلمية وهدوء ذاقت ويلات العمليات الإرهابية وخاصة خلال الآونة الأخيرة مع وجود تنظيمات تمارس ذلك علنًا إيمانًا منها بأنها تنفذ حدود الله على الأرض.
ولم تكن مصر بمنآى عن ذلك، فخلال السنوات الأخيرة تعرضت لعدة عمليات إرهابية راح ضحيتها أبرياء كُثر، فعانت عائلات وأسر ألم الفقدان لذويهم، الذي انتقل تدريجيًا وأصبح قلق من تكرار مثل هذه الأعمال خاصة بعد انتشاره بين المدنيين خلال عام 2015، ولم يكن هذا الانتشار بشكل طبيعي بل تكررت العمليات بتشابه كبير في الترتيب لها وتنفيذها وأيضا اختيار الأهداف وهو ما جعل 2015 عامًا مختلفًا عما سبقه.
قانون مكافحة الإرهاب
صادق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، في أغسطس الماضي، على قانون مكافحة الإرهاب، وجاء في تعريف القانون للعمليات الإرهابية أنها "كل جريمة منصوص عليها في هذا القانون، وكذا كل جناية أو جنحة ترتكب باستخدام إحدى وسائل الإرهاب أو بقصد تحقيق أو تنفيذ غرض إرهابي أو بقصد الدعوة إلى ارتكاب أي جريمة مما تقدم أو التهديد بها وذلك دون إخلال بأحكام قانون العقوبات".
عامٌ مختلف
بحسب أحد الباحثين بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية فإن العمليات الإرهابية خلال العام الجاري أخذت أنماطًا وخصائص مختلفة عما كانت عليه في العام الماضي من حيث دقة العمليات الإرهابية والمستهدف من العمليات وارتفاع نسبة سقوط ضحايا.
ويقول أحمد كامل البحيري، الباحث بالمركز، إن عدد العمليات الإرهابية التي شهدها عام 2015 بلغت 437 عملية، كان شهر مارس هو الأعلى من حيث عدد العمليات على مستوى العامين بواقع 125 عملية، فيما يُعد الربع الأول من عام 2015 الأكثر عرضة ووقوعًا لأعمال العنف المسلح شهريًّا، لا سيما شهري يناير بـ 124 ومارس بـ 125 عملية، بينما حل شهر سبتمبر أقل الأشهر في أعمال العنف المُسلح، حيث لم يشهد سوى 12 عملية فقط، وهو ما يُشير إلى وجود حالة من الانخفاض التدريجي في معدل العمليات، علمًا بأنه لم يمر شهرٌ خاليًا من عمليات العنف المسلح طوال الأشهر التالية لـ30 يونيو 2013 حتى أول أكتوبر 2015، كما أن ضحايا الشرطة هم الأكثر بين من سقطوا جراء أعمال العنف المسلح.
وتابع إن أعمال العنف المسلح انتشرت في كل محافظات الجمهورية تقريبًا، حيث شهدت 26 محافظة عمليات عنف مسلح، وهو ما يعني أن العمليات غطت مساحة ما يزيد على مليون كم، حيث إن بعثرة تلك العمليات جعلت مسألة التعامل معها من قبل الأجهزة من الصعب بمكان، وحمَّلت أجهزة الأمن مجهودًا أكبر، بالإضافة إلى ذلك وجود تنوع كبير في الأهداف التي تم استهدافها لتشمل خطوط الغاز، والبنية التحية، خاصةً أبراج الكهرباء والضغط العالي التي كانت الأكثر استهدافًا من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة خلال الفترة من بين الأول من يناير 2015 وحتى أول أكتوبر 2015، فضلا عن حدوث تطور كبير وهو استهداف شخصيات ومسؤولين كبار في الدولة، على غرار حادث استهداف ومقتل النائب العام من خلال استهداف موكبه بسيارة مفخخة. ولعل تلك العملية كان لها أثر كبير.
أكثر الأماكن تعرضًا للإرهاب
وعن أكثر الأماكن التي تعرضت للأعمال الإرهابية أوضح البحيري، إن محافظتا القاهرة والجيزة جاءتا في مقدمة محافظات الجمهورية التي تعرّضت لعمليات العنف المسلح، حيث جاءت القاهرة في المقدمة بـ91 عملية، بما يُوازي 15,15%، ثم الجيزة في المرتبة الثانية بـ 84 عملية بما يقرب من 13,97%، فيما جاءت سيناء بنسبة 12,98% تقريبًا من مجمل أحداث العنف بالمحافظات.
وبحسب الباحث في المركز فإنه استحدثت نوعيات جديدة من العنف في عام 2015، لم تكن موجودة من قبل، لا سيما الاستهداف بـالقذائف سواء الهاون للمنازل والأسواق، أو الآر بي جي للمعدات العسكرية، مما يحمل في طياته دلالات أهمها أن التنظيمات الإرهابية أصبحت على استعداد لتطوير أساليب هجومها أكثر من السبل التقليدية، كما أنه يقدم جرس إنذار للقوات الأمنية بأن تكون مستعدة للمواجهات الأكثر عنفًا، والتي يُمكن أن توقع نسبة أكبر من الضحايا، كما تزايد معدلات الاستهداف بالاعتماد على العبوات الناسفة والهيكلية، وذلك منذ بداية عام 2015، وذلك لكونها الأسهل في عمليات الزرع، مما يعطي فرصة أكبر لهرب واضعيها، كما أنها سهلة الحمل والتداول، والتصنيع أيضًا.
استهداف القيادات
توالت الحوادث الإرهابية خلال هذا العام وكان معظمها يتم تنفيذه عن طريق العبوات الناسفة، فشهدت القاهرة والجيزة معدل مرتفع من العمليات الإرهابية وكذلك سيناء عن طريق استهداف أكمنة التأمين لقوات الجيش، بمنطقتي رفح والشيخ زويد بوجه خاص، ولكن ما ميز عام 2015 هو عمليات استهداف القيادات الأمنية والقضائية، فكانت أبرز الحوادث الإرهابية تفجير القنصلية الإيطالية في أول يوليو الماضي عن طريق قيام مجهولين بوضع عبوة ناسفة أسفل إحدى السيارات المتواجدة بمحيط القنصلية والذي أدى لمصرع شخص وإصابة 9 آخرين، حادث اغتيال النائب العام هشام بركات في يوليو الماضي والذي أدى لمصرع النائب العام إثر إصابات بالغة، وإصابة عدد من مساعديه.
كما تم اغتيال 2 من المشرفين على الانتخابات البرلمانية في فندق بالعريش، وهما وكيل النائب العام ووكيل مجلس الدولة، بجانب 4 شرطيين من قوات التأمين، إثر انفجار سيارة مفخخة أمام فندق القضاة المشرفين على الانتخاب فى العريش، وتلاها إطلاق النار من جانب مسلح على القضاة.
الحق في الحياة
ومع تتابع العمليات الإرهابية خلال العام كانت تنتهك باستمرار الحق الأول لكل شخص وهو الحق في الحياة كما نصت عليه المواثيق الدولية، فنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 3 منه أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه، كما عرفه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمى هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.
وقال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن اختلاف عام 2015 عن الأعوام السابقة من حيث العمليات الإرهابية يرجع لنوعية هذه العمليات وليس لعددها، فهو يرى أن العمليات تحولت من عمليات تستهدف رجال الشرطة والجيش بشكل عام، إلى استهداف القيادات مثلما حدث في حادث اغتيال النائب العام، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية.
وعن استهداف المدنيين في هذه الحوادث، أكد أبو سعدة، أن ووقوع ضحايا مدنيين دائمًا ما يكون متوقع حتى إذا لم يستهدفهم الإرهابيون بشكل مباشر، فزرع قنبلة أو عبوة ناسفة في مكان عام لاستهداف شخصية معينة يضع المدنيين دائما كهدف ثانوي في هذه الأحداث.
ورأى أبو سعدة، أن تكرار الحوادث بشكل متشابه يرجع لعدم تقييم كل حادث ومعرفة أوجه القصور التي أدت لحدوثه، لافتًا إلى أهمية التعاون الدولي في هذا الصدد والالتزام باستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتي تساعد على تمرير المعلومات بين الدول عن الشخصيات الإرهابية والعمليات التي تتم، قائلًا أن هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن بتجريم التسليح والتمويل للإرهابيين وهي ملزمة لكل الدول، بالإضافة إلى حزمة القوانين الموجودة في القانون الدولي والتي تُجرم ارتكاب جرائم في حق المدنيين.
فيما أوضح مختار نوح، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن الحوادث الإرهابية تنتهج نفس الطريقة منذ أن بدأت، فعام 2015 لا يختلف عما سبقه من أعوام في الكيف، لأن الإرهاب في وجهة نظره واحدًا، مضيفا أن تكرار الحوادث خلال العام بنفس الأسلوب يرجع بالطبع لعدم قدرة الأمن في مصر على التطور مع الأحداث، وهو ما يجعلها متشابهة وتكررت أكثر من مرة في بعض الأماكن.
ويلات الإرهاب
ومن واقع التجارب المؤلمة التي عاشها أهالي الضحايا المصابين والذين سقطوا قتلى جراء الممارسات الإرهابية، رأى هؤلاء الأهالي أنهم أكثر من لحق بهم الضرر من هذه الحوادث.
فيقول محمد أحمد، والد الطالب محمود والذي أُصيب في حادث تفجير كارفور السيوف بالإسكندرية، إن ابنه فقد إحدى ذراعيه بسبب تواجده في مكان تم زرع قنبلة فيه مما أدى لإصابته "ابني حصله بتر في الذراع الأيسر وتهتك في الكلى علشان كان في مشوار وراكب المشروع وقت ما القنبلة انفجرت"، الحالة النفسية للأسرة لم تعد على مايرام مثلما أكد الرجل الخمسيني، بالإضافة إلى الأدوية والرعاية الطبية التي تحتاج لإنفاق يفوق دخل الأسرة "ابني أصبح عاجز ومعاش التضامن 323 جنيه واحنا بنصرف علاج في الشهر حوالي 1300 جنيه".
لم تقتصر معاناة أهالي الضحايا على وجود فرد مصاب أو شهيد بين أفراد الأسرة، ولكن التقصير الذي يواجهونه من الدولة يزيد من العبء على كاهلهم "تقدمنا بشكاوى كثيرة لمجلس الوزراء ومفيش أي حاجة بنشوفها من التأمينات، أنا صارف في المستشفى الجامعي وقت الحادث أكثر من 15 ألف جنيه، مفيش حد بيسأل فينا"، الحديث يكثر حول وجود صندوق لضحايا العمليات الإرهابية ولكن والد محمود لم يرى أية مساعدة له ولابنه من هذا الصندوق، على عكس القوات المسلحة التي وقفت بجانبه وساندته "ابني اتعالج خلال 3 شهور بـ 400 ألف جنيه القوات المسلحة مخلتنيش أدفع منهم مليم".
الوضع لم يختلف كثيرًا بالنسبة لعائلة شريف محمد حسين، والذي لقى مصرعه في حادث قضاة رفح حي كان يعمل سائق لديهم، فالأهالي في شمال سيناء أصابهم الإحباط بعد تكرار العمليات الإرهابية "الأحداث مبتقلش بالعكس بتزيد حتى لو التأمين بيزيد برضه الأحداث مبتأثرش"، هكذا يقول أحمد بحري ابن شقيق السائق الشهيد.
"بعض الأهالي مقدروش يكملوا في شمال سيناء وسابوا البلد، بس طبعا معظم الناس لسه موجودة لأن مفيش قدامهم حل تاني"، يقولها أحمد بحري، ويضيف أن "الأوضاع بالطبع تختلف في شمال سيناء عن معظم المحافظات نتيجة تكرار الحوادث الإرهابية فالحياة بأكملها تتأثر حتى في الفترات التي لا تشهد مثل هذه الحوادث، الشغل طبعا بيتعطل لما بيكون في حادث بنتعرض لأكمنة كتير وده بيخلينا نتأخر على أشغالنًا وأحيانًا بنقعد فترة منروحش الشغل".
بحري يؤكد أن "الطرق لم تعد آمنة في سيناء ومجرد المرور بها أمر يحتاج لتفكير، أغلب الطرق مقفولة ومفيش غير 3 أو 4 طرق بس هما اللي شغالين ولازم نعدي عليهم وبرضه الطرق دي هي اللي بيحصل فيها الحوادث الإرهابية"، وعلى الرغم من ذلك فإن الحياة لابد أن تسير كما هي فيذهب أحمد إلى عمله يوميا في جامعة سيناء مؤمنا بما هو مكتوب له.
سيناء قلب الحدث
يقول شريف محي الدين، مسؤول ملف الإرهاب بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن "القاهرة والجيزة خلال عام 2015 شهدت انخفاض غير مسبوق في الأحداث الإرهابية مقارنة بما يحدث في محافظة سيناء، فبحسبه الأوضاع هناك سيئة على عكس ما تنقله وسائل الإعلام"- على حد تعبيره.
وعن استمرار الوضع هكذا، قال إن "الطريقة التي تنتهجها الدولة للرد على العنف تزيد من رد الفعل العنيف من الطرف الآخر، وإذا استمرت هذه السياسية فربما يستمر الوضع أيضا هكذا بحلول 2016"، مقترحًا أن يتم الاستعانة بقيادات الجيش الموجودة في سيناء والتي تمتلك فكرًا مختلفًا لتحقيق نتائج أفضل في مكافحة الإرهاب، فبحسب آخر تقرير لوزارة الداخلية قالت إنه تم القبض على حوالى 11 ألف إرهابيًا وهو عدد ضخم بالطبع، ويستلزم طرق أخرى للتغلب عليه.
فيديو قد يعجبك: