إعلان

من سيناء وسيوة وأسوان.. حِرفيو مصر يقاومون ارتفاع الأسعار

04:13 م السبت 25 فبراير 2023

- مارينا ميلاد:

في أحد "مولات" القاهرة الجديدة التي تلمع بمحال الماركات العالمية، انتزعت منتجات القاهرة القديمة مكانًا على مساحة ٢٨٠٠ متر مربع، حيث معرض "ديارنا"، المعرض الأكبر للحرف اليدوية والتراثية في مصر.. صانعون جاءوا من أزقّة القاهرة، أسوان، سيوة، وسيناء لعرض أعمال تقاوم الاندثار وغلاء الأسعار في آن واحد.

الإرث الباقي من رحلة طويلة، شكلت فصلاً من تاريخ مصر وسيرة تحاكت بها أعمال فنية، يتراص على جانبي الممرات الطويلة: فنون الأرابيسك والنحاس والزجاج والسجاد اليدوي.. هكذا ظهر مشهد النسخة الـ65 للمعرض كما أراده القائمون عليه: "مستوحاة من القاهرة القديمة".

4

لتسع سنوات تقطع فؤادة سماحة مسافة تتخطى المائتي كيلو متر للمشاركة في هذا المعرض كرئيس لجميعة المرأة السيناوية ببئر العبد. تلك الجمعية التي تأسست منذ عام 1995 بغرض دعم السيدات السيناويات في صناعة المشغولات اليدوية التي يجدونها.

تتحدث "فؤادة" عن أهمية مشاركتهم لأسباب تعددها: "مدته الطويلة وإقبال الناس عليه وضمه لحرفيين من كل أنحاء مصر في مكان واحد".

كما أن المعرض هو إحدى الوسائل التي تقرب منتجاتهن إلى العاصمة، بجانب "السوشيال ميديا" بالطبع، التي ترى "فؤادة" أن لها الفضل في تعريف الناس بهن وتوصيل منتجاتهن إليهم.

وحين كانت "فؤادة" تخطط لمعرض هذا العام، اختلفت حسبتها قليلا، إذ اضطرت لفرض زيادة في الأسعار بنسبة تتراوح بين 10 – 15%. فالسيدات اللاتي يعرضن منتجاتهن في هذا الركن، زادت أجورهن الفترة الماضية، بعدما اشتكى بعضهن من "أن هذا العمل برمته؛ لا نربح منه ثمن زجاجات الزيت"، كما تحكي.

لكنها لم تجد تفهمًا لتلك الزيادة من زوار المعرض، حسبما تقول، "على الرغم من أن الغلاء ضرب العالم كله، إلا أن الناس تعتقد أن المنتج السيناوي سيظل رخيصًا، ولا تعرف كم أنه منتج صعب".

6

أكثر من 400 عارض من نحو 20 محافظة يجاورون "فؤادة". تعلو أركانهم أسماء مؤسسات مجتمعية، مبادرات لمساعدة ذوي الاحتياجات، وجمعيات مثل جمعية "جنات الخلود" التي تساند نحو 500 سيدة بمنطقتي "الدويقة والأسمرات".

تجلس إيمان القلش (مدير إدارة معارض بجمعية جنات الخلود) داخل الركن الخاص بهم والحاصلين عليه من وزارة التضامن الاجتماعي بإيجار 6000 آلاف جنيه. تسعى "إيمان" أن تعوض المبلغ خلال مدة المعرض بل وتكسب أكثر، فكما تقول: "صارت تلك الفعاليات هي سبيلهم الأساسي إلى الربح".

فكانت الجمعية تستند على التبرعات قبل أن تقل كثيرًا عما كانت عليه بعد الأزمة الاقتصادية، بحسب "إيمان"، التي تعتمد الآن على بيع المنتجات من خلال مقرهم أو الفعاليات المختلفة مثل هذا المعرض.

حاولت "إيمان" قدر المستطاع تثبيت أسعار بعض السلع المعروضة، لكن مفروشات السرير على سبيل المثال اجبرتها على زيادة سعرها، كما توضح، لارتفاع أسعار كل خاماتها كالأقمشة والخيوط، مثلها مثل جميع السلع في مصر تقريبًا.

وقد علت الأسعار مرات متتالية منذ العام الماضي بعدما انخفضت قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وما لحقها من أزمة في الاستيراد، لذا تعتبرها "إيمان"، "فرصة لابد أن تغتنمها الصناعة المحلية".

2

لم يكن الأمر كذلك في الماضي. ولطالما كانت الحرف التقليدية إحدى دعائم الصناعة الوطنية في مصر دون منافسة، حيث كانت تشكل القوة الإنتاجية الثانية بعد الزراعة، وإنتاجها يلبي احتياجات المواطنين من ملبس ومعمار ومشغولات نحاسية وخيامية، بحسب تقرير للهيئة العامة للاستعلامات، الذي قدر حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية الآن بـ‏100‏ مليار دولار.

تدرك روحية محمد، السيدة الستينية، تلك القيمة التي تمثلها المنتجات اليدوية، وتفضلها عن الأخرى. وقد جاءت لزيارة هذا المعرض على أمل أن تجد أسعارها معقولة. فتقول: "كانت بيوتنا لا تعرف سوى هذه الأشياء، وهي أجود كثيرًا مما نجده الآن".

وبعيدًا عن مسألة الأسعار، فجذب "روحية" ضم المعرض لعارضين من أماكن يصعب عليها السفر إليها كواحة سيوة، وهي ضيف شرف هذه النسخة. فتحي محمد، واحد من هؤلاء القادمين من الواحة لعرض سجاده اليدوي، وهي المشاركة الأولى له.

وقبل أيام من مجيئه، استعد وجمع منتجاته وحدد أسعارها بعد إضافة تكلفة الشحن دون مبالغة، كما يحكي، وكان هدفه ليس البيع فقط، إنما "أن تعرف الناس سيوة وأهلها ومنتجتها أكثر".

5

ولـ15يومًا، يستمر معرض "ديارنا" الذي تطلقه وزارة التضامن الاجتماعي تحت شعار "مصر بتتكلم حرفي"، بالشراكة مع عدة مؤسسات والاتحاد الأوروبي في مصر.

ويقول توبياس كراوس (نائب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي لدى مصر) أن "الاتحاد الأوروبي فخور بكونه جزءًا من معرض ديارنا الذي يعكس غنى و تنوع التراث المصري، فإننا بدعم المعرض ندعم عمل المجتمع المدني، والنوع الاجتماعي، والبيئة".

وسيقام على هامش المعرض عدد من الورش لتعليم الحرف اليدوية كالزخرفة، النحاس، المكرمية، الفسيفساء، وغيرها. كلها بغرض الحفاظ على بقاء هذا التراث المصري، حسبما ذكر بيان وزارة التضامن الاجتماعي.

لكن تلك الحرف جاءت لتبقى ولن تندثر. هكذا ينظر إليها فتحي محمد (العارض من واحة سيوة). فكما يقول، "نحن نقدم منتجات عالية الجودة وصارت أقل سعرًا من المستورد الآن بعد الأزمة الأخيرة".

هكذا ترى فؤادة سماحة (رئيس جمعية المرأة السيناوية) أيضًا. فرغم كل التحديات التي تواجه النساء العاملات معها، لكنها تقول: "لن نتخلى عن تراثنا أبداً، لأنه حين نعمل في مهنة نحبها ولدينا إصرار على استمرارها سيكون حتمًا الأمر مختلفًا".

فيديو قد يعجبك: