إعلان

"اعتقدوا أنها ميتة".. رحلة 35 يوما لإنقاذ حياة سلحفاة نادرة في الغردقة

01:59 م الإثنين 25 يوليه 2022

سلحفاة نادرة

- مارينا ميلاد:

سلحفاة طافية على سطح المياه في وضع يشير إلى أنها ميتة. يصادفها أفراد من جهاز محميات البحر الأحمر، فيسارعون بنقلها إلى المعهد القومي لعلوم البحار بالغردقة، المكان الذي يمكنه التعامل مع تلك الكائنات.. استقبلتها نهلة حسام، وهي دكتور باحث في معمل أمراض الأسماك، فوقعت المفاجأة.

لازالت السلحفاة على قيد الحياة، كما أنها من نوع نادر.. ليتحول مصيرها من الموت وربما التحنيط لوضعها في متحف بحري، إلى رحلة علاج وتأهيل لتعود للبحر ثانية.

صورة 1_1

الآن؛ تستقر السلحفاة في حوض يحمل 8 طن من المياه لتستعد إلى عودتها إلى بيئتها الأصلية مرة أخرى خلال الأيام المقبلة.. تبدو مُنطلقة، تلعب مع السلاحف الأخرى وتتحرك بسهولة.

لكن لم يكن هذا أداءها أو شكلها قبل 35 يوما.

ففي أول لقاء جمعها بـ"نهلة"، وجدتها تعاني من شلل ناحية اليسار، لا تستطيع الحركة، ولا يمكنها الغَطس. لذا كان سهلا عليها أن تكتشف أن هذه السلحفاة لم تأكل منذ فترة طويلة ظلت فيها على سطح المياه حتى تشققت صدفتها. كما كان جسمها مليء بالكدمات نتيجة اصطدامها بكائنات أخرى.

صورة-2

من هنا بدأت مرحلة إنعاش السلحفاة "صقرية المنقار" بوضعها في المياه وتقديم الطعام لها وإعطائها فيتامينات للتقوية. تقول "نهلة"، التي تولت مسؤوليتها من بين 6 يشاركونها العمل بمعمل أمراض الأسماك: "نوعها يكاد يكون انقرض.. لذا بذلنا كل ما في وسعنا للحفاظ عليها".

ربما جاء ذلك الإصرار من "نهلة" بعدما صادفت سلحفتين من نفس نوعها العام الماضي وكانتا ميتتين".

فتلك السلحفاة صغيرة الحجم ذات الرأس الرفيعة هي نوع نادر بين 7 أنواع سلاحف بحرية في العالم، منها خمسة في مياه البحر الأحمر، وهي: الخضراء، وصقرية المنقار، وضخمة الرأس، والزيتونية، وجلدية الظهر.

تحافظ هذه السلاحف على توازن النظام داخل البحر مع دورها المهم في السياحة، حيث أنها عامل جذب للغواصين. لكن رغم ذلك؛ تتعرض للتهديد من الإنسان من خلال الصيد والتلوث – وفقا لموقع CMS (اتفاقية حفظ الأنواع المهاجرة من الحيوانات البرية)، الذي يستعرض مذكرة تفاهم دولية بشأن السلاحف البحرية المصنفة من جانب "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" أنها "مهددة بالانقراض حول العالم".

ويذكر الموقع نفسه أن في مصر ما لا يقل عن 453 سلحفاة خضراء تستخدم 13 خليجا ضحلا كمناطق تغذية.

صورة 3_1

حَددت "نهلة" عمر السلحفاة الواقعة بين يديها بفوق السبعين عامًا، وهو ما توضح أنه "عِز شبابها"، حيث أن متوسط عمر هذا النوع 179 عاما.. ثم جاءت مرحلة تشخيصها؛ فكانت الأصعب بالنسبة لـ"نهلة".

ثمة احتمالات عدة لحالة هذه السلحفاة، لعل واحد منها هو تناولها لشيء بلاستيكي من البحر، المشكلة التي تعاني منها الكثير من الكائنات البحرية التي تفحصها.. لكن مع مرور الوقت؛ استبعدت هذا الاحتمال، وانتهت بأن السبب هو مشكلة في عصب بالأمعاء.

اتبعت "نهلة" معها بروتكولًا علاجيًا استمر لمدة 28 يوما، ثم تطلب الأمر تدخلا جراحيًا في الأمعاء.. تتحدث "نهلة" عن تكنيك لأول مرة يتم استخدامه في تلك الحالة، لكنها لن تفصح عنه حتى يتم نشره في دورية علمية.

طوال أيام تنفيذ هذا النوع من العلاج، ترى "نهلة" استجابة سريعة من السلحفاة، التي كونت صداقة معها، فصارت السلحفاة تعرفها فور اقترابها من الحوض أو وضع يدها.. فتصفها بأنها "ذكية جدًا".

ذلك الذكاء ما كان يدفعها لتتجه سريعًا نحو "نهلة" حين تأتي بالطعام، وتهرب عندما يأتي ميعاد دوائها، وهو ما جعل "نهلة" تستعين بمساعد من البَحارة ليسيطر عليها ويفتح لها فمها بالقوة.

صورة 4_1

"نهلة" المولودة في الغردقة، والمرتبطة بالبحر وساكنيه منذ صغرها، اتجهت إلى مجال علوم البحار قبل 14 عامًا، وتعمل بالمعهد في واحد من أقدم فروعه الأربعة، والذي يرجع إلى عام 1932.

وتتلخص مهام المعهد القومي لعلوم البحار في "حماية وتنمية البيئات المائية المصرية ومواردها الطبيعية، وإصدار التقارير والبحوث".

صورة 5_1

وصلت السلحفاة إلى مرحلة التأهيل، التي قاربت على الانتهاء هذه الأيام. فبعدما انتهى علاجها؛ لاحظت "نهلة" أنها اكتسبت ما أسمته "عادات سيئة"، حيث باتت تُفضل وضع الطعام جاهزًا لها دون أن تذهب بنفسها إلى الكائنات التي تتغذى عليها، كما أنها لم تعد تشعر بالأمان الكافي أثناء الغطس.

لذا تركز تأهيلها على وضعها في بيئة مشابهة لبيئتها البحرية، نقلها لأحواض للتعامل مع كائنات أخرى، وترك الكائنات التي تتغذى عليها أمامها كالقنديل والإسفنج وخيار البحر.

أيام وتعود السلحفاة إلى مكانها، لكن قبل ذلك على "نهلة" التأكد أكثر من مرة من جاهزيتها – وفقا لحديثها. كما تم وضع "كود" (ترقيم) لها يشبه "الحلق"، وفائدته التعرف عليها وتوفير بياناتها وحالتها من جانب المعهد حال العثور عليها مجددًا.

كانت محميات البحر الأحمر أعلنت عن مبادرة لحماية السلاحف البحرية عام 2015، أشارت إليها وزارة البيئة في بيان عام 2017، محددًا عدد السلاحف التي استطاعوا انقاذها واعادتها لبيئتها بـ20 سلحفاة من نوعي (الخضراء وصقارية المنقار).

وبنهاية رحلتها مع أحدث سلحفاة تم إنقاذها تشعر "نهلة" أنها أدت دورها كما يجب وهذا ما يهمها؛ فتقول: "تصلني تعليقات ساخرة من الناس من نوع (عالجونا بدل من السلحفاة)، لكنني لا أهتم وأمضي في عملي، الذي لا يعرفه سوى العاملين في نفس المجال فقط".

كانت "نهلة" تتمنى لو دائرة العارفين بعملها زادت، لا ليمتنعوا عن تعليقاتهم تلك، إنما ليصبح لديهم وعي بالحفاظ على البحر.

فالبحر الأحمر، الذي تجاوره طوال حياتها؛ تريد من القادمين إليه أن يقدروا أهميته للاقتصاد والسياحة وأن يحترموا كائناته بعدم تلويثه وإلقاء البلاستيك فيه.. ذلك السلوك تعلمته من والدها، الذي كان يعمل مدرسًا للعلوم، ونقلته إلى بناتها، فتجعلهم يجمعون كل المخلفات التي يجدونها: "ما يحدث في الكائنات البحرية جريمة.. الكثير منها يموت دون أن نعرف به".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان