صفعات علنية.. سقوط ورقة التوت عن أسطورة إسرائيل
كتب- عبدالله عويس:
غلاف- أحمد مولا:
بعد ساعات طويلة من الإحراج والقلق، اللذان مُني بهما الاحتلال الإسرائيلي، تمكنت قواته من القبض على أربعة من أصل ستة من الفارين من سجن جلبوع. لكن ذلك لا يحفظ للمحتل ماء وجهه. وإن حاول مغازلة مواطنيه على لسان وزير الأمن الداخلي «عومير بار ليف» بأن عليهم «الثقة في الأجهزة الأمنية من أجل ضمان أمنهم».
لكن هذه الثقة تزلزلت، بعد أن تمكن 6 فلسطينيين، من حفر نفق في الأرض، ليصنعوا منه سلما للسماء. بعد شهور من الصبر والتخطيط، وكثير من الإرادة، سعيا إلى الحرية، هاربين من قضبان سجن هو «الأشد حراسة». ليمثل المشهد صفعة على وجه المحتل.
ولطالما تفاخر الاحتلال الإسرائيلي، عبر أذرعه الإعلامية، بامتلاكه قدرات أمنية وتكنولوجية واسعة ومتطورة. غير أن هروب الأسرى فجر الاثنين الماضي، لم يكن التشكيك الأول في تلك القدرات. سبقه محطات أخرى أظهرت زيف ادعاءات إسرائيل، التي تملك معدات متطورة، لا يملك الفلسطينيون منها شيئا، لكنهم مستمرون في المقاومة، ولو بأدوات بسيطة.
طيور الحرية
في عام 2004، بنت إسرائيل سجن جلبوع، واعتبرته آمنا للغاية وشديد الحراسة. لذلك كان هروب الأسرى منه أشبه بالمعجزة، ويلامس خيالات أفلام هوليوود. فيما وصفه قائد بمصلحة السجون الإسرائيلية بـ«الخطير والمعقد». وعده رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت «حادثا خطيرا».
عملية الهروب الأخيرة، صدمت المجتمع الإسرائيلي، الذي ردد قادته كثيرا بأن السجن مبني وفق مفهوم أمني حديث وصارم. فيما كانت الفرحة والاحتفاء الشعبيين والرسميين في فلسطين سيدا الموقف.
خلَّف ذلك الهروب تخبطا وحيرة كبيرين لدى القيادة الإسرائيلية، فاعتقلت أقارب الهاربين، ودفعت بجيشها في عملية البحث عن الفارين الستة. وقامت إدارة السجن بنقل 400 سجين من جلبوع إلى سجون أخرى خوفا من أنفاق إضافية في السجن، بحسب ما قالته إذاعة الجيش الإسرائيلي.
حفر الستة نفقا أسفل فتحة معدنية بحمام زنزانة، تاركين تساؤلات عدة لأفراد الأمن الإسرائيليين، عبر عنها أحدهم حين قال لموقع «والا» العبري «لا يمكن وضع ملعقة بالزنزانة، لحظر المعادن. كيف حفروا؟ أين اختفى التراب؟ وكيف أجروا الاتصالات الهاتفية من داخل السجن؟».
تساؤلات ربما قد تظهر لها إجابات في الفترة المقبلة، لكنها على كل حال لا تتسق مع المفاخرة التي تتحدث بها إسرائيل على الدوام. فيما ألقت قوات الاحتلال القبض على أربعة من الأسرى بعد 5 أيام من عملية الهرب وهم محمود العارضة، ويعقوب قادري، وزكريا زبيدي، ومحمد العارضة. فيما يستنشق مناضل النفيعات وأيهم كممجي، نسمات الحرية إلى أجل غير مسمى.
لعبة الأنفاق
وإذا كان الأسرى قد صنعوا نفقا للخروج من السجن، فإن أنفاقا أخرى صنعت لعمليات عسكرية. تجيد المقاومة الفلسطينية لعبة الأنفاق تلك. استخدمتها غير مرة. لعل أشهرها لدى أسر الجندي الإسرائيلي «جلعاد شليط»، والتي كانت سببا في إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، فيما عرف باسم عملية «وفاء الأحرار».
في عام 2006 نفذت المقاومة عملية أسمتها «الوهم المتبدد»، اعتمدت بشكل رئيسي على الأنفاق الأرضية، التي طالما سعت إسرائيل لهدمها. وكان النفق يمتد من شرق رفح جنوب قطاع غزة وصولا إلى ما بعد موقع كرم أبو سالم العسكري. وفي تلك العملية أُسر جلعاد شليط وقتل وأصيب جنود آخرين، ودمرت دبابة إسرائيلية وناقلة جنود.
وشنت إسرائيل عمليات عسكرية استهدفت تدمير شبكة الأنفاق، على أنها لم تنجح تماما في ذلك. وهي شبكة تعتمد عليها المقاومة في التخفي والمباغتة العسكرية، ويسميها الإعلام العبري بـ«شبكة مترو حماس».
ولم تستطع إسرائيل بقدرتها الاستخباراتية والعسكرية، ووجود عملاء لها، من الوصول إلى مكان أسر شاليط خلال سنوات احتجازه الخمس. ووصف إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن الصفقة التي سبقت الإفراج عن شاليط «مصدر عز وافتخار للفلسطينيين».
وجرت الصفقة في عام 2011. واعتبرته المقاومة انتصارا كبيرا، بتحرير 1027 أسيرا من سجون الاحتلال في مقابل الإفراج عن شاليط. ويقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 5 آلاف أسير بحسب نادي الأسير الفلسطيني. وتحتفظ حماس بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان تم أسرهما في الحرب على غزة، عام 2014.
أرقام تعيد للأذهان عملية المفاوضات التي تلت وقف القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، في مايو الماضي، إذ طلبت إسرائيل إعادة المحتجزين في قطاع غزة، مقابل السماح بإعادة الإعمار، لكن حماس رفضت ربط الملفين، فيما أبدت استعدادا لبدء المفاوضات لإتمام صفقة تبادل الأسرى.
وكانت إسرائيل في إبريل من عام 2020، قد أبدت لأول مرة رغبتها في الحديث حول مفقوديها كما صرح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء آنذاك، الذي دعا إلى إجراء حوار فوري عبر وسطاء لبحث أزمة المفقودين.
وفيما بدا أنه رد على تصريحات قادة إسرائيل بشأن المحتجزين في غزة، دون يحيى السنوار على مواقع التواصل «سجلوا على مقاومتكم رقم 1111، ستتذكرون هذا الرقم» وهو ما فسره البعض بأعداد الأسرى الذين تنوي حماس طلب الإفراج عنهم.
غير أن الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، قال في السبت الماضي، إن «أبطال نفق الحرية، سيخرجون رافعي الرأس(...) وقرار قيادة القسام بأن صفقة الأسرى القادمة لن تتم إلا بتحرير هؤلاء الأبطال».
صواريخ رغم الحصار
كان للصراع الأخير الذي جرى في مايو الماضي، أن يوضح مدى التقدم الذي وصلت له فصائل المقاومة، من خلال صنع صواريخ بعيدة المدى. أرقت الاحتلال الإسرائيلي، ودفعته إلى تعليق حركة الملاحة الجوية في مطار بن غوريون، وإيقاف المدارس ودعوة السكان لدخول الملاجئ. لكن لهذه الصواريخ قصة تعود إلى سنوات مضت.
في الـ26 من أكتوبر عام 2001، أطلقت كتائب القسام أول صاروخ تجاه مستوطنة إسرائيلية. أطلقت عليه اسم «قسام 1» كان الصاروخ بدائيا، يتراوح مداه بين 2 و3 كيلو مترات، برأس تفجيري ضعيف.
وعلى مدار سنوات طويلة، طورت حماس من صواريخها، فصنعت صاروخ قسام 2 و3، ويصل مدى الأخير لـ17 كيلو مترا. ثم صنعت صاروخا أطلقته تجاه إسرائيل في 2012، يصل مداه إلى 80 كيلو مترا، وكان أول صاروخ يصل إلى مطار بن غوريون.
توالت عملية التطوير حتى صنعت حماس صاروخ «j80» واخترق هذا الصاروخ القبة الحديدية، في 2014، إبان حرب العصف المأكول. وكان أول صاروخ يصل إلى تل أبيب، من المقاومة الفلسطينية، ويصل مداه إلى 80 كيلو مترا. ثم صنعت صاروخا وصل لأول مرة إلى حيفا، في 2015، بمدى يصل إلى 160 كيلو مترا.
لكن وفي مايو الماضي قصفت كتائب القسام تل أبيب بـ130 صاروخا، بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي عمارات سكنية في غزة، وكانت أكبر عملية قصف تشنها المقاومة. ثم تلتها رشقات صاروخية أخرى استهدفت عسقلان وأسدود.
ثم برز خلال أيام الصراع، أحدث صواريخ حماس، وأطلقت عليه اسم عياش 250، بمدى يصل إلى 250 كيلو مترا. وبعدما كانت الصواريخ تصل إلى مناطق بعينها، صار بإمكان المقاومة توجيه الصاروخ لأي مكان تريد.
يحدث كل هذا في ظل حصار محكم على القطاع، وغياب الخدمات الأساسية عن المواطنين، وانقطاع متكرر للكهرباء. وظروف معيشية صعبة فرضها الاحتلال الإسرائيلي.
القبة الحديدية
رغبة في تعزيز دفاعاتها، ضد أي عدوان صاروخي محتمل، بدأت إسرائيل في عام 2010 بتشغيل منظومة القبة الحديدية. وهي مخصصة لاعتراض الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. وتتكون من رادار لاكتشاف الصواريخ، وصواريخ للدفاع الجوي، يكلف كل واحد منها 40 ألف دولار على الأقل.
كانت المقاومة، قد نجحت في أعوام 2012، و2014، و2019 في إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، نجح بعضها في الوصول للأراضي التي تسيطر عليها قوات الاحتلال. وفشلت الأخرى في الوصول، إما لاعتراض القبة الحديدية لها أو لمدى الصواريخ نفسها.
على أن اعتراض القبة للصواريخ تضاءل في الصراع الأخير في مايو 2021. وسقطت عشرات الصواريخ في تل أبيب مسببة مقتل البعض، بعد تطوير حماس لصواريخها، لتفتح بذلك بابا كبيرا للتشكيك في فعالية القبة.
أكذوبة التعايش
كان للصراع الأخير بين غزة وإسرائيل، أن يكشف كذب ترويج إسرائيل نجاحها في خلق جو من التعايش المشترك، بين الإسرائيليين والعرب في الداخل المحتل، إذ انتفض كافة الفلسطينيون، متعاطفين مع أبناء جلدتهم.
العنصرية والتمييز اللذان يمارسان بحق عرب الداخل، والقوانين التي تسلب الفلسطينيين حقوقهم، ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أشعل الأجواء المتوترة، التي برزت خلال المواجهات العنيفة والمتكررة في مايو الماضي.
في مدينة اللد على سبيل المثال، يعيش 70 ألف نسمة، 47 ألفا منها من اليهود، و23 ألف عربي. وبات التعايش بين سكانها مستحيلا، على إثر حالة القلق التي أججتها الأحداث في القدس والقصف الإسرائيلي لقطاع غزة.
على إثر تلك المواجهات المتكررة، فُرضت حالة الطوارئ في اللد، لأول مرة منذ عام 1966. كما نشرت قوات من الشرطة الحدودية فيها لأول مرة أيضا. وأخلت السلطات عشرات المنازل التي يسكنها المستوطنون. وأحرقت سيارات وممتلكات، وأطلق الرصاص على مراكز الشرطة، ووقعت إصابات في الجانبين.
أمور وصفها رؤوبين رفلين رئيس دولة الاحتلال بأنها «تنذر بحرب أهلية أخطر وأبشع من الحرب مع حماس». كما وصف رئيس بلدية اللد ما حدث بأنه «حرب أهلية». لتسقط مزاعم العيش المشترك وإلى غير رجعة.
فيديو قد يعجبك: