أيام الفزع والبطولة داخل السفارة المصرية بأفغانستان (حوار)
حوار- محمد مهدي:
خفق قلب الدكتور شوقي أبوزيد، رئيس البعثة الأزهرية بأفغانستان، عند وصوله إلى مطار القاهرة الدولي رفقة أكثر من 40 شخصا من رجال الأزهر والسفارة المصرية على متن طائرة عسكرية، ابتسامة كبيرة علت وجهه لعودته إلى أرض الوطن بعد أيام صعبة مرت عليهم خلال تواجدهم في العاصمة الأفغانية كابول "كنا نشعر في البداية بالقلق نظرا لسوء الأوضاع في أفغانستان، لكن رسالة القيادة السياسية إلينا منحتنا الاطمئنان" يقولها أبوزيد في حواره مع مصراوي.
كانت الأمور مستقرة قبل منتصف الشهر الجاري، لم يكن لدى رئيس البعثة الأزهرية بأفغانستان إحساس بالقلق تجاه الأوضاع الراهنة في البلد التي يعمل داخلها منذ سنوات "كان فيه اتفاق بين طالبان والحكومة إنهم هيستلموا كابول بعد 3 شهور" لكن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب بصورة غير متوقعة "حدث كل شيء بشكل مفاجيء، أدى إلى حالة من القلق والخوف والاضطراب النفسي عند الجميع سواء الشعب الأفغاني أو بعثتنا الأزهرية".
وتمكن مقاتلو حركة طالبان من دخول القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية في 15 أغسطس الجاري، وانتشر رجالهم في أنحاء الطرق والميادين العامة والأماكن الحيوية في الوقت الذي فر فيه رئيس البلاد أشرف غني بطائرة خاصة، وهرب جميع المسؤولين من المصالح الحكومية لتصبح البلاد في مهب الفوضى "لم تتركنا بلادنا، على الفور تواصل معي القنصل العام المصري، وجرى الاتفاق على التوجه إلى مقر السفارة بكابول" حاول أبوزيد بث الاطمئنان في قلوب أفراد البعثة وابلاغهم بسرعة الانتقال إلى السفارة.
قضت البعثة ساعات قليلة في السفارة قبل أن ينطلقوا إلى مطار كابول لسرعة إجلائهم من الدولة المضطربة "ذهبنا إلى المطار في هذه الليلة المليئة بالأحداث" حالة من الفوضى العارمة في كل مكان، مقاتلي طالبان ينتشرون في الشوارع "فضلا عن قطاع الطرق" يحمل الجميع أسلحة مختلفة الأنواع "من بينها الأسلحة الثقيلة" لم يكن هناك مفر من استكمال مشوارهم الصعب "لكن حصل تبادل إطلاق نيران في محيط المطار" هنا جاءت التعليمات بالعودة إلى السفارة منعا لوقوع أزمات.
لعدة أيام عاش أفراد البعثة داخل مقر السفارة المصرية في كابول "وسط تأمين شديد من رجالنا البواسل" الاتصالات لا تنقطع من القيادة السياسية والجهات السيادية والأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية "تحية وتقدير إلى الجميع، أشيد بدورهم، كان هناك تخطيط على أعلى مستوى حتى نصل إلى بلادنا سالمين رغم صعوبة الأجواء" كان هناك صعوبة لوصول طائرة خاصة لاستلامهم نظرا لسوء الأوضاع الأمنية داخل المطار غير أن الشيخ الجليل كان يعلم بأن الفرج قريب.
كأن الحياة تحولت إلى فيلم سينمائي، نحو 44 مصري يقضون ساعات يومهم داخل السفارة المصرية ومن حولهم في أنحاء العاصمة كابول تعج الاضطرابات، حشود ضخمة في المطار للمغادرة، البعض بتعلق بعجلات الطائرة قبل أن يسقط في الهواء فيما أعلنت الولايات المتحدة نجاح 17 ألف شخص في ترك البلد التي تُرفرف فيها أعلام حركة طالبان، فترة قاسية سعى رئيس البعثة الأزهرية من تخفيف وطأتها "تعاملت مع زملائي معاملة الأخ الأكبر، تحدثنا عن أهمية التزام الهدوء، وأن دولتنا تهتم بإنقاذنا، وأننا نرضى في كل الأحوال بما كُتب لنا".
الاتصالات الهاتفية من مصر التي تحمل أصوات أهالي المصريين في أفغانستان كانت بردا وسلاما على قلوب المتواجدين في السفارة المصرية، حاول ذويهم تقديم كافة سبل الدعم والمساندة والدعاء ومنحهم رسائل الأمل وسط أجواء الخطر "التواصل مع الأهل ساعدنا كثيرا خلال الأزمة، وكنا نشرح لهم الظروف وأن عودتنا قريبة إلى الوطن الغالي" وهو ما جرى سريعا لتظهر السعادة على الجميع عند علمهم بموعد خروجهم من أفغانستان.
مغامرة طويلة خاضها المصريين في أفغانستان من بينهم البعثة الأزهرية داخل شوارع كابول، اخترقوا الجماعات المسلحة "تمكنا من المرور بسلام من وسط هؤلاء المدججين بالأسلحة الثقيلة" دب القلق في قلوبهم طوال الطريق حتى دلفوا إلى المطار "عندما رأيت الطائرة المصرية انتهت الأحزان فجأة" في وقت قياسي جلسوا في مقاعدهم، ألقوا النظرة الأخيرة على أفغانستان "عشنا فيها سنوات نقدم العلم والدعوى بقدر استطاعتنا" ثم حلقوا في السماء لتهدأ أرواحهم في تلك اللحظة.
بعد فترة وجيزة هبطت الطائرة في مطار إسلام أباد بدولة باكستان "كان في استقبالنا الملحق العسكري تحدث إلينا للتأكد من توافر كافة سبل الراحة لنا" ثم أقلعت الطائرة في اتجاه مطار أبوظبي بالإمارات "حصلنا على استراحة قليلة واستقبال أيضا من المسؤولين المصريين" ومن بعدها جاءت الخطوة الأخيرة "أخيرا وصلنا مصر ، إحساس لا يوصف بالفخر والسعادة لتسخير دولتنا لكافة الإمكانيات لنا والطريقة الحرفية التي تمت بها العملية".
فيديو قد يعجبك: