إعلان

أشراف الجنوب.. مغامرة طلاب إعلام لتوثيق حياة بدو مرسى علم

12:05 م الجمعة 09 يوليو 2021

كتبت-إشراق أحمد:

أمام لجنة التحكيم، وقف 11 طالبًا بالفرقة النهائية بكلية الإعلام لعرض مشروع تخرجهم. سبق أن اجتمعوا على ألا بديل عن حصد المركز الأول، فيما كان يغمر نورهان نبيل مشاعر إضافية "كان نفسي اللي شوفته في مرسى علم عن البدو اللي هناك يتحول لفيلم". في 29 يونيو الماضي تحققت الأمنية؛ عُرض فيلم "أشراف الجنوب" ضمن 4 أفلام وثائقية مقدمة من طلاب إعلام القاهرة وحصد جائزتي أفضل إخراج وتصوير.

1

بحماس قرر طلاب قسم الإذاعة والتليفزيون- الشعبة الإنجليزية- أن يمضوا نحو مشروع تخرجهم في الكلية؛ أكتوبر الماضي فاجأوا مشرفتهم بعرض نحو 40 فكرة "كل حد فينا طرح فكرتين قابلة للتنفيذ" كما يقول عمر هشام مخرج الفيلم المصنف بأنه وثائقي، تم تصفية القائمة ورجحت كفة "بدو قبيلة العبابدة" كونها تتطلب السفر لخارج القاهرة وبها من التفاصيل الإنسانية المشوقة لمعرفتها.

سافرت نورهان منتصف عام 2020 في رحلة مع أصدقائها إلى مرسى علم. رغبت طالبة الإعلام في السياحة لكنها وجدت ضالتها أثناء جولتها مع مرشدهم بالمكان، مجرد سؤال طرحته "أنت منين هنا؟"، كانت إجابته "من العبابدة". زاد فضولها للحديث والتجول. وجدت أنه كلما تعمقت نورهان في الصحراء والجبال لاقت من ينتمي لتلك القبيلة، ويخبرها أنهم ذات عادات وتقاليد مختلفة عن بقية أهل مصر، انجذبت الشابة لتسجيل حياة بدو مرسى علم، حتى أنها أخبرت العديد منهم "لو جيت تاني هترضوا تصوروا معانا".

لم تكن عرضت نورهان الفكرة بعد على زملائها، لكن ما رأته ووثقته من صور ومقاطع فيديو على هاتفها دفعها لاقناع رفاقها ليكون الفيلم الوثائقي المطلوب منهم للتخرج عن "قبيلة العبابدة في مصر" الذين يتواجدون في جنوب الجمهورية لكن لأن مرسى علم أصبحت وجهة معروفة فكانت الأقرب للطرح.

تأكد حماس فريق الطلاب للفكرة مع سؤال العديد حولهم "تعرف مين هم العبابدة". كان النفي حاسم دائمًا، لكنه ليس كافيًا وحده لتنفيذ الفيلم، كان لابد من السفر لمعاينة المكان والحديث أكثر إلى الأهالي المقيمين في جنوب مصر. في فبراير الماضي سافر عدد من الفريق إلى مرسى علم وعادوا بمعلومات يمكن الاعتماد عليها لتسجيل شيئًا عن حياة مَن تعود أصولهم للصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام، ولهذا جاء الفيلم بعنوان "أشراف الجنوب".

كان كل شيء يسير على ما يرام في الإعداد، لكن عقبة كبيرة وقفت بطريقهم "كنا معتمدين إن الكلية بتطلع لنا تصاريح عشان التصوير واتفاجأنا إنه لا أحنا بنعمل كل حاجة". يقول مخرج الفيلم إنهم أصبحوا بين خيارين إما تغيير الفكرة لتناول شيء في القاهرة أو المغامرة بالسفر والتصوير.

2

الوقت يداهم فريق العمل لتسليم مشروع التخرج، رمضان على الأبواب وعليهم الحسم؛ "اختارنا إننا نغامر ونسافر". مع الثامن والعشرين من مارس المنصرف، تواجد 6 من الفريق بمرسى علم بعد معاناة أخرى قبل الذهاب "بقية الفريق كان عنده كورونا"، الربكة التي حلت بالطلاب دفعتهم للسفر دون تنسيق مسبق مع الأهالي كما يقول عمر "طلعنا على باب الله. قلنا هنروح أسبوع أول تلات أيام نجهز كل حاجة وبقية الأيام للتصوير"، أما المعدات فاقترحت نورهان، مديرة الإنتاج بالفيلم أن تتفق مع مكان الاسئجار بأن تلحق بهم الكاميرات وما يحتاجونه في اليوم الرابع من السفر.

14 دقيقة مدة الفيلم الحائز على جائزين من كلية إعلام القاهرة، لكن وراءه أسبوع كان الأصعب في رحلة الطلاب الستة؛ مع طلوع الصباح حتى المغيب يواصلون العمل، يقطعون أحيانًا ثلاث ساعات للوصول إلى أحد المصادر داخل الجبال، يبذلون قصارى الجهد للتواصل مع لهجة الأهالي البدوية، يكسرون الجليد بينهم "كان في كتير متوخفين أحنا بنعمل ليه ويعني ايه مشروع تخرج"، فضلاً عن الانبهار المتبادل فيما بينهم كما تقول نورهان "أحنا كنا منبهرين إزاي ناس معدومة الإمكانيات راضية بعيشتها وهم منبهرين إزاي احنا 5 بنات وولد واحد قاطعين المسافة دي كلها عشان نعمل عنهم حاجة".

3

سهل الوسطاء من "العبابدة" مهمة الفريق، ومع مجالستهم للأهالي والحديث معهم، ذابت كل الحواجز وحظي الطلاب بأكثر مما توقعوا كما يحكي، مخرج الفيلم "ستات كتير اتكلمت معانا في أمور زي التعليم والختان". تفاجأ عمر بسيدة تسمى أم حسن، رغم عدم ذهابها للمدارس والتعلم إلا أن لديها من الثقافة الفطرية يجعلها تعرف كيف تتعامل مع كل ما حولها كما يصف الشاب.

التقى فريق الفيلم بالعديد من الأهالي، الصغار والأكبر عمرًا مثل السيدة صبراتة البالغة من العمر قرابة المائة عام. تحدثوت للعاملين في السياحة، وأصحاب المهن القديمة كالعلاج بالكي، مروا بعاداتهم في الأفراح والأحزان، سجلوا ارتباطهم بمكانهم الذي لا يعرف أي معنى للرفاهية.

4

انتاب نورهان مشاعر مختلفة في زيارتها الثانية لمرسى علم "حسيت أني جيت مكان تاني غير اللي كنت فيه". زادت التفاصيل من ارتباطها بالجانب القاصي من المدينة، عايشت مع رفاقها شيئًا من حياة أبطال فيلمهم "قعدنا في أقل الفنادق ووفرنا في مصاريفنا عشان الميزانية"، خاضت نورهان تجربة لم تحظ بها من قبل، تحملت مسؤولية متابعة وصول المعدات لتنفيذ الفيلم "فضلت صاحية بكلم السواق من 8 ونص بليل وقت ما اتحرك لغاية ما وصل 9 الصبح". ما إن بلغت السيارة رأس غارب حتى هدأت نفس الشابة لاستكمال أمنيتها هي وزملائها.

مازال فريق عمل فيلم "أشراف الجنوب" على تواصل مع "العبابدة" في مرسى علم، ما إن انتهوا من مشروع تخرجهم حتى ارسلوا التصميم الدعائي له "البوستر" ويوم عرضه أمام لجنة التحكيم في إعلام القاهرة، لمست نورهان فرحتهم "مكنوش مصدقين أننا نقلنا حياتهم وبيقولوا لنا تعالوا تاني". تركت المغامرة أثرًا في نفس الطلاب، لكن يبقى معنى الرضا هو كنزهم الذي عادوا به من الرحلة، وإجابة فيلمهم عن حياة مصريين يعيشون على بعد ألف كيلو متر من العاصمة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان