إعلان

عاد للعمل على الأنقاض.. مرحبًا بك في صالون هاشم المدمر بغزة

09:28 م السبت 05 يونيو 2021

كتبت- إشراق أحمد:

11 عامًا من السعي انتهت في لحظة استهداف القصف الإسرائيلي لشارع المخابرات بشمال مدينة غزة. أغلق هاشم الجاروشة الباب على نفسه. يومان لا يتحدث لأحد. يرفض أن يرى أسرته. غاص قلبه في صدمة لضياع محله، مصدر رزقه الوحيد. خرج الشاب جسديًا بسلام، لكن نفسه مسها الضُر. كأنما أقام عزاء منفردًا، ما أنهاه إلا خاطر أتاه "خلاص موقفتش الدنيا، لازم نستمر. أنا اللي عملت صالون الحلاقة ولازم أرجع أبنيه. ممكن ياخد معي 11 سنة تاني ممكن ياخد أقل. ربنا هو اللي بيعوض". في اليوم الثالث نهض الجاروشة من حزنه.

خرج الجاروشة من عزلته. كتم ما يدور بباله. توجه إلى المحلات، اشترى ما تيسر من أدوات للحلاقة؛ ماكينة ومرآة، وأمشاط وموس، وغيرها من أشياء بسيطة، ثم عاد صوب مكان محله، ابتلع تفاصيل الصدمة الأولى "ما في أي معالم حياة للمكان اللي كان موجود فيه"، كل شيء تحت الركام. نظف الشاب الثلاثيني ركنًا له، ووضع كرسيًا والمرآة ولافتة باسم "ًصالون هاشم المدمر" وشرع بالعمل على أنقاض دكانه.

1

كان ذلك يوم الأربعاء 12 مايو المنصرف، آخر ليلة في شهر رمضان. لم يعبأ أهل غزة للقصف الإسرائيلي المستمر لليوم الثالث. الجميع يصر على استقبال عيد الفطر. وقف الجاروشة و4 عمال معه يزينون الزبائن المتوافدة. اعتاد سكان القطاع المحاصر على المصاب ولا يعلمون شيئَا أفضل لمقاومته من استمرار الحياة. واصل صالون الحلاقة العمل حتى رن هاتف الجاروشة قرب الساعة الثانية ظهرًا "إجاني اتصال لإخلاء المكان فورا لأنه راح ينقصف". انطفأت البسمات ولاذ الجميع بالفرار بأقصى سرعة "الصنايعية والزباين اللي كانت ممتلئة في المحل مشان تستقبل العيد".

الدقائق تمر ثقيلة حتى اقتربت من الساعة، وإذا بالجاروشة يسمع ويرى عن بعد الصواريخ الإسرائيلية تغادر طائرة صوب مكان محله "قرابة 7 صواريخ نزلت ع المكان". عاد صاحب صالون الحلاقة إلى الموقع صامتًا من هول الصدمة؛ 45 مترًا ومعها أعوام من التعب لاكتمال بنائها تساوت جميعها بالتراب "كان اشي أساسي في حياتي والدخل الوحيد اللي بيفوت عليا بيصرف عليا وبيتي. هاد المحل اللي بيغطي إيجار البيت والتزاماتي كلها معتمدة على هذا الصالون". ارتبط الجاروشة بمكان عمله حتى إنه سكن جواره.

2

17 عامًا ويعمل الجاروشة في مهنة الحلاقة، الوضع في غزة ليس يسيرًا للعمل، لكنه وجد فيها الطريق "هاي المهنة زوجتني وعملت لي أسرة"، فعزم بعد 6 أعوام من العمل أن يكون له صالون خاص يحمل اسمه، أشتغل طويلاً. لم يحمل هم السنوات، خطوة تلو الأخرى يضيفها للمحل، بدأ بسيطًا حتى استطاع عقب 11 عامًا أن يستقبل هذا العيد بصالون به إمكانيات يرضاها، ويشاركه فيه 4 "صنايعية" أراد لهم أن "يرتزقوا منه". فرح الجاروشة كثيرًا بصالونه، ملأه بالسعادة والابتسامات حتى ربى له زبائن لا يفارقونه لأعوام.

34

تسبب العدوان الأخير على غزة الذي استمر 11 يومًا في دمار قدرته وزارة الأشغال العامة والإسكان بنحو 150 مليون دولار. حينما عاد صاحب الصالون لمكانه على الركام، تفاجأ الجيران بفعله، لكن سريعًا انضموا له "الكل اجي شجعني وحلق على الركام"، ربط ذلك على قلب صاحب الثلاثة والثلايين ربيعًا، زاد من عزيمته أن تكون عودته ليست فقط وسيلة للحفاظ على دخل لأسرته وأبنائه إنما مبادرة ليعلم العالم أن الحياة لا تنتهي عند أهل غزة "لا بالموت ولا القصف ولا الدمار" كما يصف.

5

يُقدر الجاروشة ما وضعه لشراء الصالون وتجهيزه على مدار الأعوام بقرابة 15 ألف دولار كما يقول لمصراوي، فيما لم يسلم منزله من القصف "الأثاث والشبابيك والأبواب كلها اتحطمت"، يحمد الله على أنه دمار جزئي، يعلم أنه من الصعب تحصيل خسارته لهذا المبلغ مرة ثانية، لكنه يوقن بما وضعته الشدائد في قلوب أهل غزة "ربنا خالق فينا عزيمة وشجاعة أننا نكمل لو حجر حجر وقمحة قمحة لنبني ونعمر للنهاية. لآخر هدف نحلم فيه".

لأجل أسرته ارتضى الجاروشة العمل من جديد على الأنقاض، ولإعطاء أمل لـ"الصنايعية" الأربعة الذين صاروا في صفوف البطالة، يستمر صاحب الصالون المدمر حتى اليوم. رغم المصاب ينتشي هاشم بانتمائه لأهل غزة "ما في كلمة توصف هيك شعب إلا لما تعيش معاه. بحمد الله أني مع هيك ناس"، الآن يدرك صاحب الصالون المدمر أن الوضع الحالي ليس جديدًا، يتذكر كيف كان يخرج "الغزاويين" بعد كل عدوان "تخلص الحرب من هون بتلاقي الناس تكنس وتلملم.. الشهداء بمكانهم والأنقاض يشيلوها. ايش ما كان عنده دمار ظبطه وعمره. هذا شعبنا وهيك بنضل".

تابع قصص الملف

"بيوت أهل غزة عمَار".. قصة "خليل" في إيواء المتضررين أثناء وبعد الحرب

2


100 سيدة تقدمت لمبادرتها.. "روزان" تدعم أهل غزة المتضررين من القصف الإسرائيلي

3

يُخرجون الفرحة من قلب الدمار.. نجوم غزة للسيرك حاضرون بعد العدوان

4

من كورونا إلى القصف الإسرائيلي.. "فلافل السوسي" باقية رغم الخسائر

5

بالصور- الحياة بعد القصف... غزة تكره الحرب لكن لأجل الوطن "ينسقي العُليق"

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان