لا أحد ينام في غزة.. روايات أهالي القطاع عن ساعات القصف الإسرائيلي
كتبت-دعاء الفولي:
حين يشتد القصف، يجمع إبراهيم أبو ناموس ابنتيه سارة وألما، يقول لهما بصوت مرتعش "يلا نلعب شوي بابا"، تلتصق الفتاتان بجسد الأب؛ يرتجّ المنزل فجأة، يكاد يسقط على ساكنيه، لا يُسمع إلا انفجار الصواريخ إذ تمسح المباني، لا يُرى سوى وميض يُنير قطاع غزة كالبرق، ولا حيلة لأبو ناموس سوى احتضان طفلتيه، وتمنّي ألا يبتلع الصاروخ القادم منزله.
في غزة، يعاني 2 مليون نسمة من القصف الإسرائيلي المستمر خلال الأيام الماضية، غارات يصفها السكان بأنها الأسوأ على الإطلاق، لا سبيل سوى انتظار زوال القصف، ساعات ثقيلة تتآكل فيها نفوس العائلات، يقضونها مُحاصرين؛ بين النيران، الخوف، والعجز أمام سؤال متكرر لصغارهم: "ليش بيحصل هادا كله؟".
بداخل عقله، تتردد مشاهد إخراج العائلات من أسفل الأنقاض، حين يبدأ القصف يحاول الصلاة علّها تخفف الهلع "بس بلاقي سارة وألما بيبكوا ما بقدر اتركهم.."، أحيانا تقف الفتاتان لجانبه لتصليا معه، يتماسك أمامهما قدر المستطاع "وساعات بفشل"، رغم ذلك يشعر بالفخر "لأنه مازالت غزة بتقدر ترد على إجرام الصهاينة.. ولو فينا ندفع هادا التمن مقابل إن الأقصى يكون مفتوح مش هنتردد أبدا".
"ما فيه مكان آمن"
لا يتذكر معاذ حميد آخر مرة نام فيها مطمئنا "عنا بغزة الصاروخ هو المنبه والقذيفة هي التحذير"، يضحك بأسى حاكيا كيف تنقضي ساعات القصف بأعجوبة.
هاتف حميد هو رفيقة الأهم، منه يتابع ما يجري "رغم إني بعيشه بشكل مباشر"؛ بالأمس شهد أسوأ الغارات على الإطلاق "يمكن الحروب كلها اجتمعت فقط بنصف ساعة في غزة"، في تلك الأثناء كان المهندس المعماري يجلس مع عائلته في غرفة واحدة بالمنزل؛ ثمة حقيبة موضوعة تحمل شهادات الميلاد والوثائق الهامة، فيما يرتدي الجميع ملابسه "عنا استعداد طول الوقت إما بنخرج من المنزل أو بننقصف".
يوقن حميد أن القصف أهون من سماع صراخ إخوته ووالدته "إمي مثلا كانت عايزة تخرج من المنزل لما بدأت الغارات.. بس وين فينا نروح؟ كل الأماكن معرضة للضرب"، يجمع حميد صغار المنزل ويشاهدون سويا الكارتون، لا يلهيهم ذلك عما يجري "يمكن بيلهينا نحنا الكبار أكتر".. وحين تمر الأوقات العصيبة مؤقتا، لا يأتي النوم.
يغمض حميد عينيه فيشعر أن شيئا ما على وشك الحدوث فيجلس مترقبا، فمن قبل كان أحيانا ما يتلقى منزل الشاب تحذيرات للإخلاء من قبل المخابرات الإسرائيلية أو غيرها "الآن بيقصفوا بصاروخ تحذيري.. هاي الصاروخ بيحدث ضرر بالمنزل بسيط لكنه لو أصاب شخص يقتله على الفور"، ويكون التحذير قبل الضرب بدقائق معدودة؛ قد لا يتسنى لأهل البيت الخروج أو أخذ احتياجاتهم.
عايش حميد أوقاتا أخرى مريعة؛ قُصف منزل عائلته بمخيم الشاطئ بغزة قبل 12 عاما "انقصف بصاروخ من الطائرات المسيرة لحد الآن ما بنعرف ليش تم هدمه"، انتقلت أسرته للسكن بحي الشيخ رضوان القريب من شمال غزة "وكأننا طلعنا من مجهول لمجهول آخر.. عامل الأمان هون صفر بكل الأحوال"، يسترجع كيف انقلب الحال فجأة قبل ساعات من انتهاء رمضان "كنا نحضر حالنا للعيد.. نشتري أشياءنا وهيك فجأة قالوا بكرة حرب.."، تلك الغصة لا تمنعه من التضامن مع أهل القدس والشيخ جرّاح "صح نحنا محاصرين بس منحاول نكون معهم بكل خطوة ودفاع" سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال أصدقائه الموجودين هناك.
"لَوين بنهرب من العجز؟"
قبل أربع ليالِ، كانت بيسان شرافي تقف في المطبخ، تستعد لعيد الفطر حين كادت النافذة تنخلع من الجدران "ركضت على أولادي بيسان وكنان وحضنتهم.. ضلينا هيك ساعات ما بيعرفوا يناموا ولا بعرف تركهم واتحرك"، حين استجمعت الأم قواها، جهّزت للطفلين-عُمر أكبرهما 7 سنوات- السرير ليناموا، لكن ذلك كان ضربا من العبث "إذا كان انا كبيرة هاي وأعصابي بتضغط علي ما بالنا هم"، مع الوقت استسلما للنوم "روحت جيب الهاتف جيت لقيتهم حاطين إيديهم ع إدنيهم (ودنهم) خايفين يا حرام يحصل إشي جديد"، التقطت الصورة بعفوية ونشرتها عبر موقع تويتر.
تلقت السيدة دعما كبيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي "خفف عنا كتير ما نمر به"، لكن القصف لم يهدأ؛ بات ليل غزة إيذانا بموجة جديدة من الرعب "خاصة وإنه انا بسكن بطابق 12 دور بوسط غزة.. بمنطقة فيها وزارات ومباني حكومية وبالتالي نحنا معرضين للقصف طوال الوقت".
لا يأتي الخطر من الخارج فقط؛ كل حركة خاطئة في شقة شرافي قد تؤذي الموجودين "نحنا بنحسب من وين بييجي القصف ونبدأ نبعد عن اتجاهه داخل الشقة"، فإذا كان من الشمال تتحرك هي وزوجها وأطفالها عكس الاتجاه، حتى أنها تعد الحوائط والأبواب التي قد تفصل بينها وبين المبنى المقصوف إذا كان قريبا "بنحاول نتخيل لأي مدى ممكن تحمينا الحوائط من الشظايا"، تتوجس الأم من كل التفاصيل؛ تصبح مكالمة حارس العقار مُربكة؛ إذ قد يحمل تحذيرا لها وباقي السكان بمغادرة العقار؛ تُمسي الثواني بين اتصاله والرد عليه جحيما حقيقيا.
يغمر العجز قلب الأم التي تعمل صحفية في غزة "كيف بدي أساعد ولادي إذا كنت شخصيا لا أشعر بالأمان"، تظل شرافي تخبر كنان وبيسان أن الصواريخ لن تصيبهما "وأن هاي فرقعة وتروح لحالها"، فيما يغلبها البكاء بمرات أخرى فلا تستطيع دفع الخوف عنهما.
لم تتجاوز ساعات نوم شرافي الأربع ساعات خلال الـ3 أيام الماضية "بغفو وقت قصير في النهار وأوقات ما بجرؤ نام"، تعرف الأم أن غزة تدفع الثمن أمام الاحتلال، لا يُزعجها ذلك "طالما بيجي حقنا وحق أهل القدس والشيخ جراح"، تتراءى لها أحلام سعيدة؛ أن ولديها يكبران ليعيشا حياة أفضل "وننتهي من هاي المسلسل المتواصل من الحرب والاحتلال والموت.. ويخلص هاي الإجرام اللي مستحيل شخص طبيعي يتعود عليه".
فيديو قد يعجبك: