إعلان

من القدس.. مرابط فلسطيني يحكي قصاصة من كرم وصمود "الشيخ جراح"

09:10 م الثلاثاء 11 مايو 2021

الشيخ جراح

كتب- محمد زكريا:

وسط الجموع الثائرة، الضاربة جذورها في أعماق الأرض، والثابت حقها بين طيات التاريخ، ظل كرم خلف يبحث عن ابنة عمه، وقد تاهت منه وسط العدوان على حي الشيخ جراح. كان العنف الإسرائيلي على أشده يومها، والرصاص المطاطي يلفّ الحي، وقنابل الصوت تخترق آذان القدس، والغاز يعمي المدينة المقدسة. الطرق مقطوعة وسالكوها محاصرون، وبينما لم يتزحزح الأهالي عن منازلهم شبرا واحدا، والتي أراد لهم الاحتلال إخلاءها، أنهكت المقاومة قوى الشاب ساعتها، وذبلت عيناه، ليتفاجأ بامرأة عجوز تسحبه من يديه إلى منزلها، وكأنها أرادت أن تشحن عزيمته من جديد. ضايفته وأكرمته وسط عائلتها، ليعاود الخروج إلى شوارع الحي والالتقاء بقريبته والصمود.

لا جديد يحكى، لكن قديما يعاد، حيلة صهيونية لها تاريخ، والوقائع خير شاهد. دعوات قضائية، يرفعها مستوطنون إسرائيليون، ضد 28 أسرة فلسطينية (550 فرد)، من أبناء حي الشيخ جراح، لإخراجهم من منازلهم، التي يسكنونها منذ العام 1956، بزعم ملكيتهم للأراضي، وسط صمود مستمر من أبناء الحي، قبل أن يفجر قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية، بطرد العائلات من منازلهم، موجة احتجاجات فلسطينية في مدينة القدس، خلفت الضحايا وعشرات المصابين والمعتقلين.

View this post on Instagram

A post shared by Kokym | كوكيم (@kokym7)

لم يكن خلف سوى مرابط متضامن مع أهالي حي الشيخ جراح، وهو الفلسطيني من قرية "جت المثلث" في الشمال الفلسطيني، والذي لم يعوقه العيش في تركيا عن المشاركة في الاحتجاجات، فالشاب الذي يعمل مغنيا عاد إلى القدس، ووجد لنفسه دورا في نصرة قضية فلسطين، عبر حسابيه إنستجرام وتويتر.

وعن هذا الدور يقول لـ"مصراوي": "أردت أن أستغل حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تحظى بعدد كبير من المتابعين، لأنقل الصورة الحقيقية من الأرض، من منظور الفلسطينيين أصحاب القضية، لتصل الرسالة صادقة وسريعة، وتتوثق أمام مرأى ومسمع من العالم".

لم يشارك خلف في الانتفاضات الفلسطينية الكبرى، لكنه اشترك في تظاهرات بفلسطين وتركيا ضد الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية. يحمل لتلك الاحتجاجات بالتحديد، والتي بلغت ذروتها السبت الماضي، وما تزال مشتعلة إلى الآن، مكانة خاصة، كونها الأكبر والأكثر جلبا للتضامن العالمي مع القضية الفلسطينية.

كانت طلقات المطاط وقنابل الغاز تتزايد باتجاه المحتجين، ومن حول خلف يتساقط عشرات المصابين بالشظايا. كاد أن يفقد الوعي من رائحة الغاز. حاول الاختباء عن أعين جنود الاحتلال، عندما حاولت السيدة مساعدته، وسألته عما يبحث وينتظر، فرد بتفرقه عن ابنة عمه، لتطلب منه اتباعها، بوقت يشتد فيه العدوان الإسرائيلي، يحكي الشاب: "قالت لي هيا لتختبئ عندي بالدار، ولما تخف المواجهات تخرج وتبحث عن ابنة عمك"، ليوافقها الفلسطيني مضطرا.

View this post on Instagram

A post shared by Kokym | كوكيم (@kokym7)

داخل المنزل: "عرفتني على كل العائلة، على زوجها وأولادها وأزواج بناتها، وبعدها أدخلتني غرفة الضيوف، وأحضرت لي القطايف والشوكولاتة والمكسرات والعصائر، وجلسنا نحكي بكل المواضيع في العالم. حسيت وقتها قد إيه البلد كرم ودفا".

لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على حي "الشيخ جراح" هو الأول، بل مستمر منذ سنوات طويلة، في محاولات منهم لإجلاء الأهالي عن المنطقة، هذا ما وُثق بالصوت والصورة، وتحفظه ذاكرة الشباب قبل العجائز، وهو ما أعادته السيدة على مسامع خلف، كأنها تشحنه بروح المقاومة المتجددة من جيل لآخر، "قالت لي إنهم مستمرون في محاولات إخراجنا من بيوتنا يوميا. وقالت لي إنهم اعتادوا على رائحة الغاز وطلقات الخرطوش. لكنها قالت لي أيضا إن ممارستهم تلك لا تثبط عزيمتنا بل تلهمنا الصمود والتمسك بمنازلنا وأرضنا".. ليعاود خلف الخروج ويلتقي بقريبته وسط الاحتجاجات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان