أصحاب المقامات العالية (12).. الشيخ "الشعراني" الذي أرّخ سير علماء الصوفية
كتبت-هبة خميس:
في قرية من قرى مدينة القليوبية لعائلة يمتد نسبها إلى الإمام علي ابن أبي طالب، وانتقل والده الشيخ من الجزائر موطنه لمصر ليستقر بمركز طوخ، وفي صغره فقد "الشعراني" والده ووالدته لينشأ يتيمًا و يتولى رعايته أخوه الشيخ "عبد القادر الشعراني"، ذلك الفقد أثر عليه طوال حياته ليتقرب إلى الله أكثر ويحمل نفسه على العبادة وهو لم يكمل عامه الثامن بعد، وذكر ذلك عن نفسه في مؤلفاته.
في خلال نشأته تلقى القرآن والفقه وحفظه في سن صغيرة، ثم انتقل هو و أخوه إلى القاهرة ليسكن جامع "الغمري" و تلقى العلم و درس المذهب الشافعي الذي كان سائداً في تلك الفترة من الحكم المملوكي بمصر، وظل "الشعراني" يدرس لمدة سبعة عشر عاماً تلك العلوم وأعلام الصوفية مثل مؤلفات الإمام السيوطي والشيخ زكريا الأنصاري.
وفي خلال فترة قصيرة وبسبب نبوغه المبكر أصبح الشعراني من أهم العلماء بالقاهرة ويأتي الطلاب من كل بلد لتلقي العلم على يده وكانت له صلة عميقة بالشيخ "علي الخواص" الذي سمي بذلك نسباً لمهنته، وفي إحدى الكتب وردت واقعة بينهما إذ أن الشيخ الشعراني كان يؤم الناس بصلاة الجمعة ومن خلفه في الصفوف وقف الشيخ "الخواص"، وإذا بالشيخ الشعراني يبدأ بقراءة القرآن فينسى كل ما حفظه في لحظة بسبب وقيعة كانت بينه وبين الشيخ الخواص، فتذكر بصعوبة الشيخ "الشعراني" الفاتحة ليقرأ للناس وبعد السلام خلع عمة الأزهر من على رأسه وقبل أقدام الشيخ الخواص ليجلس معه و يطلب من علمه.
"قال له يا عبد الوهاب هل ترى كل الذي ألفته وصنفته و كتبته؟
قال له نعم
قال له عليك أن تنساه ولا تبقي عندك شيئاً منه وقم بحرقه،
فلما عاد قال له الشيخ الخواص، لماذا لم تتخلص منهما كما أمرتك ؟، فعلم الشيخ الشعراني أن الشيخ الخواص علم بأنه أبقى على كتابين من كتبه".
ستون عاماً قضاها "الشعراني" في العلم وبين المؤلفات الكثيرة له التي تحمل طابعاً صوفياً مثل كتاب "الطبقات الكبرى " وكتاب "الميزان الكبرى" والكتاب الأخير هو محاولته الاستثنائية في التوفيق بين المذاهب السنيه والتشابهات الكبيرة بينهم، ومن المؤلفات كتاب "الدرر المنثورة في بيان العلوم المشهورة" ويعتبر الكتاب موسوعة في الفقه وأصوله واللغة والبلاغة وباقي العلوم الإسلامية.
كتب الشعراني عن معظم شيوخ الصوفية مثل الشيخ "علي الخواص"، ومحي الدين ابن عربي شيخ الصوفية الأكبر الذي دافع فيه عنه بشكل خاص.
في مؤلفاته ركز الشعراني على سير الأولياء وذكر كراماتهم وعجائب قدرتهم التي منحها الله لهم، جمع الشيخ الشعراني تلك الحكايات من الناس ومن علمه وقراءاته. ويعتبر كتابه الطبقات الكبرى هو أكبر من كونه كتاب عن علماء الصوفية فهو يحكي سيرهم وطبائع البلاد وقتها وحال الناس لنعلم الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة به.
توفى الشعراني عام 973 في ليلة الجمعة وهو يصلي رغم إصابته بمرض "الفالج" الذي بقي مريضاً به لمدة شهر ودفن بجوار الزاوية التي يعطي العلم فيها.
في منطقة الجمالية بشارع الشعراني يقع مسجده الذي شيد على أنقاض المدرسة القادرية عام 1325 وأبقى المسجد على القبة بالإضافة لقبة المسجد نفسه، ومن الداخل يقع المقام، وسمي حي "باب الشعرية" على اسمه.
فيديو قد يعجبك: