"بائع ومشتري".. كيف أثرت تعديلات الشهر العقاري في عملية البيع والشراء؟
كتب- محمود عبدالرحمن:
مساء الخميس الماضي، ذهب عمر كمال إلى صاحب العقار، الذي اتفق معه قبل أيام على شراء شقة، يدفع 25% من ثمنها مقدما، ويقسط الباقي على ثلاث سنوات، للاستفسار عن الوضع الحالي للعقار، من حيث إجراءات الملكية للوحدة السكنية التي سيشتريها وما يترتب عليها من تركيب عدادات المرافق، خاصة بعد تعديلات قانون الشهر العقاري التي أقرها البرلمان العام الماضي والمزمع تطبيقها في 6 مارس القادم.
وفق التعديلات لن تعترف الحكومة ومؤسساتها بملكية المالك للعقار أو الوحدة السكنية، دون توثيقه في الشهر العقاري.عمر كمال الذي يعمل محاسبا بشركة خاصة أقدم على هذه الخطوة، على أمل أن يصل مع صاحب العقار لحل يجنبه تكبد تكلفة رسوم التسجيل بالشهر العقاري، عقب استلامه للوحدة السكنية التي سيشتريها: "الإجراءات دي هتكلفني من 15 إلى 20 ألف جنيه زيادة عن ثمن الشقة"، متسائلا: "مين بقى اللي هيتحملها أنا ولا صاحب البرج؟".
كان رد صاحب العقار "قالي أنا لسه عامل التصالح في مخالفات البناء ودافع جدية التصالح، ومش معايا فلوس للتسجيل"، ليقترح "عمر" عليه تخفيض ثمن الشقة 20 ألف جنيه، مقابل أن يتولى هو تسجيلها وتوثيق ملكيتها في الشهر العقاري، وهو ما رفضه صاحب العقار بحجة أن التسجيل ليس ضروريا بخلاف التصالح في مخالفات البناء، الذي يؤدي تجاهله إلى هدم الشقة، ما جعل الشاب في حيرة من أمره.
هذه الحيرة لا تقتصر على عمر كمال وأقرانه ممن يرغبون في شراء شقة بإحدى المناطق الشعبية، بل تمتد إلى ملاك هذه الوحدات، كما يروي محمد أبو طالب، تاجر عقارات بالجيزة، "صاحب العقار يدفع إيه ولا إيه لسه بفوق من فلوس التصالح، يقولوا تسجيل شهر عقاري"، هناك حالة ركود في عملية البيع والشراء خلفتها أزمة كورونا، وفقا لما يقول تاجر العقارات، كما أسهمت حملات الإزالة للعقارات المخالفة خلال الفترة الماضية، وكذلك تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء في خلق حالة من الهلع لدى الناس، فتراجع العديد من الراغبين في شراء الشقق لحين انتهاء أصحاب العقارات من إجراء التصالح "مكنش فيه بيع نهائي.. الناس خايفه تشتري حاجة تتهد بعد كدا" بحسب ما يقول.
الشقق والعقارات بالمناطق الشعبية غير المسجلة في سجلات الحكومة تكونت على مدار العقود الأربعة الأخيرة وتمددت بالظهير الزراعي للقاهرة الكبرى، لها زبون محدد له ظروف مالية معينة، كما يحددها تاجر العقارات أبو طالب، أبرزها: إمكانياته المادية المحدودة، فبخلاف ثمن الشقة المنخفض مقارنة بالمدن الجديدة والعقارات المرخصة التي تتواجد في مناطق سكنية مميزة، يستطيع أن يشتري شقة بالتقسيط على عامين "يدفع اللي معاه ويقسط الباقي"، ويقوم بتشطيبها وفقا لظروفه وإمكانياته المادية، وغالب الذين تعامل معهم أبو طالب موظفون بالحكومة أو بالقطاع الخاص، منهم من يعمل باليومية في محال وسط البلد أو الأسواق التجارية.
الشقق موجودة في كل مكان، لكن يخشى عمر الإقدام على الشراء في الوقت الحالي، حتى لا يتورط في شقة مصيرها مهدد وربما غير معروف على الأقل حتى الآن، يتفق معه عصام عبدالله الذي كان يخطط لشراء شقة لتكون مستقرا لحياته الزوجية "أنا بقالي فترة بدور على شقة مرخصة أو صاحبها تصالح في مخالفات البناء، لكن دلوقتي هيكون تصالح وكمان مسجلة".
عمر وعصام نموذج لآلاف المقبلين على شراء شقق سكنية، لا تعرفها سجلات الشهر العقاري، حيث تقدر الوحدات غير المسجلة بالشهر العقاري بـ95% من الوحدات السكنية، وفقا لتصريحات وزير العدل المستشار عمر مروان.
وتتواجد الشريحة الكبرى منها في التوسعات العشوائية والمخالفة التي قدرها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بـ50% من الكتلة العمرانية بالقرى والمدن بجميع محافظات الجمهورية.
يفضل عصام شراء شقته التي سيقيم فيها بعد زواجه بمنطقة إمبابة التي يستقر فيها حاليا، لكي يكون بجوار والديه، كذلك لرغبة أسرة زوجته في وجود ابنتهم بالقرب منهم، بالإضافة إلى قرب المنطقة من مكان عمله، لكن المشكلة من وجهة نظره أن معظم العقارات والأبراج الموجودة في المنطقة يعتبر الشراء فيها حاليا مخاطرة غير محمودة العواقب وفقا لتقديره، فلو نجا العقار من الإزالة بسبب التوسعات التي يشهدها الطريق الدائري، فربما يكون مهددا لو كان في مسار طريق محور ترعة الزمر المخطط وصوله إلى دائري الوراق خلال العام الحالي، ولو نجا من الاثنين، فلن يستطيع معرفة مصيره في قضية التصالح في مخالفات البناء التي ما زال مجهولا "أغلب أصحاب العقارات والشقة قدموا على التصالح ودفعوا جدية، أكثر من كدا منعرفش حاجة"، وحاليا ظهر لنا موضوع التسجيل في الشهر العقاري، "لازم الشقة تكون مسجلة عشان تعرف تركب المرافق".
نفس المخاوف موجودة لدى أصحاب العقارات كما يروي صاحب أحد العقارات، فرغم كل هذه المخاوف التي لا مفر منها، يرى أن الانتظار والتخلي عن الشراء حاليا ليس أفضل شيء بالنسبة للمشتري، لأنه بعد الانتهاء من التصالح والتسجيل سيرتفع سعر الوحدة السكنية، وربما يصل إلى الضعف "لأني هكون ملزم بدفع 2.5% من ثمن الشقة كضريبة تصرف عقارية، بخلاف تكلفة التصالح"، ولذلك يرى أنه من الطبيعي أن ثمن الشقة يرتفع عن وضعها الحالي، وسيسهم ذلك في استمرار حالة الركود حتى ولو لفترة مؤقتة.
الدولة يجب أن تعمل على تنشيط حالة الركود التي تشهدها العقارات حاليا، كما يقول أبو طالب، تاجر العقارات، موضحا أن تأجيل عملية التسجيل لما بعد انتهاء الوباء وعودة حركة البيع والشراء إلى طبيعتها الأولى سيعمل على تحريك حركة البيع، بدلا من حالة الركود الحالية التي دفعت الرجل الذي يعمل في تجارة العقارات منذ 20 عاما إلى تخفيض سعرها والسماح بالتقسيط إلى ثلاث سنوات بعدما كان أقصى مدة عاما أو اثنين من أجل الحصول على سيولة مادية، "في الأول كانت شقق أو العمارة كلها يتم حجزها، وهي لسه بتتبني على عكس دلوقتي".
المشكلة لها بعد آخر، من وجهة نظر عبدالله محسن، الذي اشترى شقة سكنية بأحد الأبراج بمنطقة فيصل منذ سنوات، "صاحب العقار بيتهرب من الدفع، والمشتري هو اللي بيدفع"، مدللا على ما يقول، بضريبة التصرف العقارية التي يفترض أن يدفعها بائع الشقة، وفقا للقانون، لكنه يرفض، وبالتالي أصبح مضطرا لدفعها خوفا من وقوع الضرر عليه، كما حدث أثناء تقديمه على التصالح في مخالفات البناء "صاحب العقار قال كل واحد حر في شقته، أنا بعت وخلاص"، لذا يتمنى عبدالله أن تراعي الدولة حال المواطنين والظروف الصعبة التي يمرون بها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي أسهمت كورونا في تفاقمها.
أكثر من مقترح لتعديل قانون الشهر العقاري، تقدم به عدد من النواب إلى رئيس البرلمان، من بينهم نواب الكتلة البرلمانية لحزب الأغلبية، مستقبل وطن، بهدف إعادة النظر في بعض مواده، وأبرزها المادة الخاصة بالمرافق وربطها بالتسجيل، بحيث يتم مدها لمطلع يناير من العام المقبل، وفقا لتصريحات أشرف رشاد، زعيم الأغلبية بمجلس النواب، لبرنامج "على مسئوليتي" المذاع على فضائية صدى البلد، وتقديم النواب مقترحات لتعديل القانون، رحب بها عمر وعصام وعبدالله، لكن هذه المقترحات لم تبدد الخوف لديهم من أن يقتصر التعديل على التأجيل فقط دون تخفيف الأعباء المالية، وبالتالي ترتفع أسعار الشقق التي تعترف الحكومة بملكية أصحابها، ما يشكل عبئا ماليا جديدا عليهم لم يكونوا مستعدين لتحمله.
فيديو قد يعجبك: