"مجابتش غير وجع القلب".. رحلة أمير مع "الثورة" و"لقمة العيش" و"الفوضى"
كتبت-دعاء الفولي:
لم تشغل ثورة يناير عقل أمير عبدالهادي. كان الشاب يعرف ما يريد، فبينما يتظاهر الناس في ميادين مصر، رأى مهندس الكمبيوتر ومطور المواقع وقتها أن ذلك استهلاك للطاقة، لن يُضفي شيئا ولن يحل أزمة، لذا قرر من اليوم الأول ألا يلتحم مع الحدث، لم تمنعه ظروف عام 2011 من الزواج في نوفمبر، خطط مع زوجته لحياتهما، مسّته آلام الثورة وما بعدها من أحداث كما فعلت مع غيره، لكنه لم ينتمِ لها أبدا.
حين أعلن اللواء عمر سليمان تنحي مبارك مساء الحادي عشر من فبراير، تسللت فرحة طفيفة لقلب عبدالهادي "بس كنت بسأل نفسي دايما ها وبعدين؟"، ذلك التساؤل لاصق عقله، ظل يراقب الثورة من بعيد، ينتقدها في كثير من الأحيان ويقترب من الفرحة إذا حققت أي انتصار، غير أنه تحول فيما بعد للناقم عليها "لأن الأذى اللي جابته أكتر من الخير بكتير، ناس كتير ماتت واتظلمت بدون فايدة".
كان عبدالهادي أعلن خطبته قبل قيام الثورة بأشهر "وقررنا نبني حياتنا ونستحمل بعض فمكانش فارق معايا ظروف البلد طالما عارف بنعمل ايه"، لم يُفكر الزوجان كثيرا قبل تحديد موعد الزفاف، جهزا كل شيء سويا "مكنتش خايف من اللي جاي حتى لو شايف إن الحال عموما صعب"، سكن عبدالهادي وزوجته في شقة مساحتها لا تتعدى الـ65 متر في مدينة الشروق "كنا زي أي اتنين بيبدأوا حياتهم عندنا مشاكلنا.. ساعات كان بتعدي علينا شهور ببات يومين آخر الشهر عند أهلي وهي عند أهلها عشان نوفر المصاريف".
لم تلمس قدما عبدالهادي أرض الميدان إلا مرة واحدة "روحت مع واحد صاحبي بعد الثورة بكام شهر من باب الفضول"، شعر الشاب وقتها أن "أحسن حاجة عملتها إني مشاركتش.. لأني متبسطتش بشكل الميدان وحسيت إنه فيه ناس جاية تحقق مصالح وخلاص"، ظن عبدالهادي أن الحياد سيبعده عن الأزمات، كان المعيار الأهم بالنسبة له هو الاستقرار النفسي "سيبت وظيفة كنت فيها وقت الثورة وكانت بمرتب عالي عشان أروح وظيفة ثابتة بمرتب أقل بكتير"، اتخذ ذلك القرار عقب زواجه بعدة أسابيع "ودا كان أول قرار مترتب على الثورة"، إذ عانى الشاب خلال الـ18 يوما من انقطاع الانترنت، ما أثر على عمله بشكل مباشر.
كل حدث مر عقب ثورة يناير وحتى الآن، تعامل معه عبدالهادي على حدة. لم يُلصق جميع الأزمات بالثورة "لكن كان ليها دور كبير في المساوئ اللي حصلت بعدين"، يتذكر الشاب فترة حُكم الإخوان المسلمين "كان فيه فساد بالكوم.. ناس مضحوك عليها شوفتهم حواليا كتير وناس بيبوظوا أي حاجة كويسة"، أصاب السأم نفس عبدالهادي من كثرة التظاهرات خلال عام 2012 "كنت عايز أزعق في الناس.. يا جماعة اشتغلوا.. مش بتقولوا عملتوا ثورة طب فين ثورتكم انتم على نفسكم؟".
لم يتعدَّ الأمر نقاشات غاضبة أحيانا بينه والأصدقاء، غير أنه في عام 2013 فاق الأمر احتماله. يتذكر كيف كانت سعادته حين اشترى سيارة صغيرة لتحركاته اليومية وزوجته التي كانت حاملا في ابنهما الأول فارس "لكن ساعتها كان كل شوية الطريق يتقفل بسبب المظاهرات.. كنت بقعد ساعتين عشان أروح الشغل وبركن العربية بعيد وانزل أمشي 2 كيلو على رجلي"، إذ كان مقر عمله في منطقة صلاح سالم قريبا من تظاهرات أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي.
وقتها، لم يكن الضيق فقط بطل المشهد، بل الخوف أيضا من جانب زوجته "مكنش فيه استقرار.. كل شوية مشاكل وبلبلة.. كانت قلقانة اتاخد في الرجلين أو يحصل حاجة".
يدا بيد كان عبدالهادي ورفيقة دربه "أهلها كانوا ناس محترمين ومش مغاليين في الطلبات وهي كمان استحملت الظروف معايا"، اتفق الزوجان على تحسين حياتهما وحياة ولديهما بتروي، غير أن ضيق الأحوال خلال الأعوام التالية للثورة دفع عبدالهادي للتفكير في السفر للخارج "بس للأسف كل الفرصة المتاحة كانت هتخليني أسيب أسرتي لوحدهم هنا أو أخدهم معايا ومش هطلع بحاجة"، كان شعاره الدائم ألا يفقد الأمل، خسر كآخرين حين تم تحرير سعر الصرف للجنيه المصري نهاية 2016، بسبب طبيعة عمل شركته مع دول أخرى "عربيتي مثلا رغم إنها صغيرة بس سعر البنزين اتضرب في 3 فجأة واللي كان بيكفي بقى يادوب.. كانت نفسيتي وقتها متدمرة أكتر من 2011".
رويدا، استعاد عبدالهادي توازنه، استقرت أوضاع البلد رغم ارتفاع الأسعار، فيما لم تتبدل نظرته للثورة "إن الوحش فيها كان أكتر من المميزات". أحيانا حين يعود بالزمن ليستعيد مشاعر تلك السنة يتذكر أن ثمة أحلاما كانت بداخله، أراد لها التحقق، فبينما نادى أهل الميدان بمطالب بعضها سياسي "انا كنت عايز مصر يبقى عندها اكتفاء ذاتي ومتستوردش كتير وإن يكون عندنا مصانع بتاعتنا احنا"، فيما لا يُنكر التطور الذي لمسه حاليا في الطرق "ودا سهل الحركة أكتر بالنسبة لي".
رغم الآثار السلبية التي لحقت بعبدالهادي خلال عامي ما بعد الثورة، لكنها هيّنة بالنسبة لأثر فيروس كورونا المستجد "على الأقل كنا بنقدر نتحرك وقت الثورة وبعدها لكن كورونا قعد ناس كتير في بيوتها ووقف الحياة وبنحاول دلوقتي نتعافى منه".
لو أُعيدت الكرة، لظل عبدالهادي متمسكا بموقفه من ثورة 25 يناير، ذكراها تعيد له وجوه الشباب الذين رحلوا دون ذنب، يتذكر انقباض القلب يوم التنحي "كنت عامل زي الطالب اللي معاه شهادة التخرج ومش عارف هيعمل بيها ايه، مكنتش شايف غير نفق ضلمة"، عُمر ولديه الآن 7 أعوام وخمسة أعوام، لم يحكِ لهما عن الثورة "مش عارف لو سألوا هيكون ردي إيه"، رُبما سيشرح لهما أن بعض المشاركين كانت نواياهم طيبة لكن ذلك ليس كافيا، كما يقول، أو أنها أظهرت أسوأ الصفات لدى آخرين، غير أن 2011 يظل عاما فارقا على المستوى العام وفي حياة رب الأسرة الثلاثيني.
حين تحول إمام مسجد لـ"مأذون الثورة".. 10 سنوات على عقد قران "عروسين الميدان"
زواج خالي من "الثورة".. أسرة صغيرة لا تتمنى سوى الاستقرار و"الأسعار تقل"
25 يناير عيد ميلاد ابنتنا الأولى.. زواج "أشرف ورشا" موقع بـ"ختم الثورة"
"الفرح عزيز"... الدرس الأول لـ"إبراهيم" في الزواج وقت الثورة
فيديو قد يعجبك: