بعد إعادته لأسرته.. قبلة الطفل مالك لوليد «أثر لا يزول»
كتب- عبدالله عويس:
على مدار حياته الممتدة لأكثر من 50 عاما، تلقى وليد سامي ربما آلاف القُبل. لكن واحدة منها كانت الأكثر تميزا وأهمية. والقبلة في مجتمع يعرف عن أهله أنه «عِشري»، مرافقة للمصافحة والسلام والوداع وأشياء أخرى.
غير أن تلك القُبّلَة كانت من طفل، أتم عامه الثاني منذ أيام، كان تائها وعثر عليه وليد رفقة آخرين. ولم يتركه إلا بعدما استقر في أحضان أسرته، بعد ساعات من الرعب والذعر، والخوف على مصير التائه الصغير.
يقول وليد عن القبلة التي كانت بأحد أقسام الشرطة إنها «أفضل قبلة تلقيتها في حياتي، لي 4 أولاد أقبلهم كل صباح ومساء ويقبلوني، لكنها هذه المرة كانت أكثر اختلافا».
ذلك الاختلاف يفسره الرجل بأن القبلة أمر يقوم به بشكل يومي، بينه وبين كثير من المقربين منه، بينما كانت قبلة الطفل مالك له، تعبيرا عن محبة حقيقية، وامتنان ربما لم يستطع التعبير عنه بالكلام: «طفلك سيقبلك في كل الأحوال، لكن هذا الطفل لا تربطني به صلة قرابة، لكنه كان ضيفي لساعات في منزلي».
بدأت الحكاية حين كان وليد عائدا من أحد مشاويره بالقرب من منطقة الشرابية بالقاهرة، حين وجد مجموعة من الأشخاص يلتفون حول طفل صغير، تاه عن أمه، ولم يستطع من رغب منهم في المساعدة أن يعيدوه لأمه.
وبعد وقت من البحث، قرر وليد أن يلتقط فيديو مع الطفل، وينشره على حسابه على فيس بوك، ويلقى المقطع رواجا كبيرا، لكن بلا نتيجة سريعة. ليعمد أحد الحضور إلى ترك الطفل مع وليد لمعرفته به، ولقرب سكنه من محل العثور على الطفل.
اصطحب الرجل الطفل إلى منزله، وفي ذهنه عشرات الأسئلة. هاتف أحد معارفه ليخبره عن الأمر فنصحه الأخير بالتواصل مع الشرطة، والتي حررت محضرا بالأمر وظل الطفل رفقة الرجل من الـ11 مساء حتى صباح اليوم التالي.
في منزله، كانت الأسرة المكونة من 4 أطفال وأب وأم، يحاولون تهدئة الطفل، وملاعبته، وتقديم الأطعمة والحلويات له، لكن بكاءه استمر طويلا، قبل أن يتوقف نتيجة اهتمام الأسرة به، ومحاولة إلهائه بشتى الطرق.
لم تعرف زوجة وليد كيف تتصرف مع وجود الطفل. تخبرها أمومتها أن أسرته تعاني كثيرا من غيابه، وتبحث عنه بشتى الطرق، خلال ساعات الليل، لكنها كانت حاسمة مع زوجها «سيظل الطفل معنا إلى أن نعثر على أسرته»، ليوافقها الزوج الرأي.
مضت ساعات الليل الطويلة، ومقطع الفيديو الذي نشره وليد يلقى رواجا كبيرا، ومع الساعات الأولى بعد شروق اليوم التالي من غياب الطفل عن أسرته، كانت اتصالات كثيرة ترد إلى وليد، تطمئن لوصول الطفل لأسرته، لكن الإجابة كانت بالنفي. إلى أن هاتفته شابة تقول إنها خالة الطفل.
وصلت أسرة الطفل إلى وليد، وبين النيابة وأحد أقسام الشرطة تسلمت الطفل، وقبل رحيلهم فوجئ الجميع بذهاب الطفل إلى وليد وتقبيله، وكانت هذه المكافأة التي اعتبرها الرجل «عظيمة لأنها من طفل».
تقول نورا خالة الطفل، إن لحظات غيابه كانت مرعبة، ظل البحث مستمرا لساعات طويلة قبل أن تشاهد مقطع الفيديو، وكانت تتولى رفقة والدها ووالدتها عملية البحث، فوالد الطفل حصل على حكم بالسجن قبل فترة: «والده ووالدته منفصلان، ويعيش مالك عندي أكثر الوقت، مع أبنائي، وفي حال ما إذا كنت مشغولة بشكل كبير أرسله لأمه التي تعيش مع والدي ووالدتي».
تثمن نورا تصرف وليد بالحفاظ على الطفل خلال الساعات التي سبقت العثور عليه، راودتها كوابيس عدة حول مصير الأطفال التائهين عن أسرهم: «وأصبحت مواقع التواصل وسيلة عظيمة لمساعدة الناس في مواقف كهذه».
بين الحين والآخر يتصل وليد بأسرة الطفل مالك للاطمئنان عليه. يعرف منهم بعض أحواله. فيما تركت القبلة التي تلقاها من ذلك الطفل أثرا لا يزول.
فيديو قد يعجبك: