إعلان

"كرمال يخلص الكابوس".. بطولات "الدفاع المدني" في قلب كارثة بيروت

10:10 م الإثنين 07 سبتمبر 2020

رجال الدفاع المدني في لبنان

كتب- محمد مهدي:

ليلة هادئة داخل مركز للدفاع المدني اللبناني، قريب من بيروت، يجلس "مينا جميل" رفقة زملائه من رجال الإطفاء، كانت الأمور اعتيادية قبل الساعة السادسة مساءا و8 دقائق، عندما شعروا بالأرض تهتز من أسفل أقدامهم، استنفروا بحكم عملهم "لكن فكرنا إنه شيء حصل بعيد عنا" لكن سرعان ما تلقوا إشارة بضرورة التوجه إلى مرفأ بيروت فورًا لوقوع انفجار ضخم "كنت من أول الواصلين لساحة الدمار" يذكرها جميل بينما يروي لمصراوي تفاصيل الكارثة وجهودهم على مدار أيام طويلة لإنقاذ الضحايا والمفقودين.

صورة 1

كلما اقترب "جميل" من مرفأ بيروت تقع عيناه على الأسوأ "الجرحى على الطرقات، الدم وين ما كان، السيارات مشقلبة، أشلاء وجرحى وبكي وازاز في كل مكان، كأنها ساحة حرب" مفاجأة قاسية لم يمر بها من قَبل، يعمل في الدفاع المدني منذ 15 عاما، عايش تجارب مريرة لكن تلك المرة كانت الأصعب على الإطلاق "الجثث شمال ويمين في أنحاء المكان" وقف في منتصف المنطقة المنكوبة ينظر بحسرة لما جرى متسائلًا "شو هل الكارثة؟! وكيف راح نبلش نشتغل؟".

وسط الظلام الدامس، بعد انقطاع الكهرباء عن بيروت من شدة الانفجار، انهمك "جميل" في العمل رفقة زملائه، كانت عمليات الإنقاذ تدور على قدم وساق في محاولة لانتشال المفقودين، من بينهم 10 عناصر من فوج إطفاء بيروت، حضروا إلى المكان قبل الانفجار بدقائق بعد للتعامل مع حريق اندلع في عنبر 12 بمرفأ بيروت.

"الشباب كانوا عم يبحثوا بإيديهم وسط الدمار، يجربوا يلاقوا أصحابهم تحت الردم، ما قادرين يتركوهم لحالهم هون" وخلال ساعات تم انتشال سحر فارس، عضوة بالفريق لكنها فارقت الحياة، وخلال عمليات البحث عن باقي المفقودين منهم تبين وفاة جميع أفراد طاقم الإطفاء، وسط حالة من الذهول والحزن "تعلمنا من العمل في الدفاع المدني وفوج الإطفاء أن صديقي هيدا شخص بأمنله على حياتي ويحميني أكتر من أهلي، ما يقدر يتركني في خطر".

صورة 2

دارت الأسئلة حول سبب الكارثة، عرف "جميل" مثل الجميع وقوع الحادث بسبب انفجار أطنان من مادة نيترات الأمونيوم داخل مستودع بمرفأ بيروت، صُدرت من باخرة بضائع منذ 6 أعوام، وفقًا لحسان دياب رئيس الحكومة اللبناني حينها، نهش الألم قلبه من سقوط آلاف الضحايا نتيجة للإهمال لكنه ركز على إتمام مهمته على أكمل وجه"لأننا في الأساس كرسنا حياتنا لإنقاذ الناس، وأي إنسان بده يساعد بيروت في المرور من الأزمة".

نجحت جهود الدفاع المدني اللبناني في إطفاء الحرائق الضخمة بالأنحاء من أثر الانفجار "بلشنا في إنقاذ الجرحى وسحب العالم من تحت الأبنية الواقعة" وضعت سريعًا خطة بالتنسيق مع الفرق الأجنبية التي جاءت إلى بيروت بعد ساعات من الحادث المفجع "سواء روسية أو فرنسية او إماراتية وغيرها" بجانب التنسيق الكامل مع الجيش "كل ما نلقط خيط نلحقه على الأخر بدنا نعثر على الأحياء".

لم يحصل "جميل" وزملائه على راحة لنحو 15 يوما "نعمل ليل نهار، ما كان فيه عنا فرق بين ساعات اليوم أو الأجواء" شعروا أن الضحايا في أعناقهم لابد من خروجهم سواء أحياء أو جثامين أو أشلاء " الأيادي كلها متكاتفة كرمال نشير بيروت من تحت الردم، كرمال نخلصها من الكابوس".

صورة 3

وبحسب الحكومة اللبنانية، ومنظمة الأمم المتحدة، فقد قُتل نحو 190 شخصا وأُصيب نحو 7000 آلاف شخص، وتسبب الحادث الأليم في تشريد مئات الآلاف من أهالي بيروت بعد وقوع خسائر في منازلهم جراء الانفجار، يقول جميل:" قوة الانفجار هدمت واقتلعت الحديد من الأرض، فماذا برأيكم قد فعلت في البشر؟".

يودع "جميل" زملاءه من الضحايا في جنازة مهيبة ببيروت، ثم يعود إلى المرفأ ليستكمل عمله وسط أكثر من 300 رجل من الدفاع المدني وفوج الإطفاء، يعملون على مدار اليوم، تمضي الساعات ما بين فرحة إنقاذ عالق أو صدمة العثور على جثث أو أشلاء، دون التقاط الأنفاس أو الحصول على راحة، وجنبا إليهم الفرق المتطوعة من دول العالم المختلفة "نشكر كل الهيئات والفرق التي دعمتنا، نشكر كل شخص نزلي وخاطر بحياته كرمال يقوم بيروت من كبوتها".

ما تزال عمليات البحث والإنقاذ مستمرة في منطقة الكارثة "نقوم بتمشيط المنطقة رغم إنه كتير بعيد نلاقي ناس عايشة" لكنهم مستمرين خلف أي أمل قد يقودهم إلى باقي المفقودين الذي يصل عددهم إلى 7 أشخاص "لن نتوقف قبل الإعلان عن تحقيق كافة أهدافنا" حتى أن فرق الإنقاذ واصلت إزالة الركام أسفل أحد المباني بعد التقاط نبضات قلب من خلال كلب مُدرب، رغم انعدام الفُرصة في وجود أحياء بعد شهر من الحادث وهو ما تبين لهم في نهاية المطاف.

صورة 4

أوشك العمل في مرفأ بيروت على الانتهاء، تُسلم أية أدلة إلى المجلس العدلي في لبنان، بعد بدء تحقيق بالتعاون مع فرنسا وأمريكا، حيث يخضع أكثر من 20 شخصًا للمساءلة، من بينهم حسن قريطم رئيس المرفأ، فيما طالب البعض مثل مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان بإجراء تحقيق دولي.

رغم الجهد الضخم لم يشعر "جميل" للحظة بالحاجة إلى الراحة أو التوقف، يشد من أزر زملائه، لا يستسلمون إلى النوم أو الشعور بالإرهاق "القصة أكبر من مجرد شغلة، هيدي واجب وطني" فيما يعتقد الرجل الثلاثيني أن مشاركته في قلب الدمار سيكون لها أثر كبير على مساره "خلاني بيني وبين حالي تتغير كل وجهة نظري للحياة".

تابع موضوعات الملف:

7 أيام خلف الأمل.. قصة المفقود الأشهر في مرفأ بيروت

50 ألمانيًا بين أنقاض بيروت.. قصة فريق تطوع للبحث عن المفقودين (حوار)

"كعب داير" في بيروت.. رحلة البحث عن الضحايا المصريين بانفجار المرفأ

فقدتها أسرتها 12 ساعة.. رحلة البحث عن "ديانا" في انفجار بيروت

ليجد الأهالي أحبتهم| طالبة تُنشئ قاعدة بيانات للمفقودين بانفجار بيروت

معدات خاصة وكلاب مُدربة.. طُرق البحث عن المفقودين في كارثة بيروت (تقرير)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان