إعلان

"أصحاب المقامات العالية " (5).. حكاية اللمسة التي شفت أقدام صاحب البردة (بروفايل)

09:02 م الإثنين 20 يوليه 2020

مسجد البوصيري

كتبت-هبة خميس:

على باب المسجد حملت السيدة طفلها الكبير في حضنها، وقبل ميعاد الصلاة دلفت إلى القاعة التي تحوي ضريح الإمام، أحضرت الرباط ثم شرعت في لفه حول أُدام طفلها الذي لا يمشي منذ ولادته، تركت الطفل وخرجت توزع القرص باللبن والتمر وأكواب الماء المخلوط بماء الورد، لتنتظر البشرى برؤيته واقفًا على قدميه بعد الصلاة.

في العام 608 هجرية ولد البوصيري بقرية "بوصير الملق" التابعة مدينة بني سويف، ومن عائلة تعود جذورها إلى المغرب العربي، حينما صار شابًا انتقل إلى مدينة القاهرة لتلقّي العلم في مسجد عمرو بن العاص، فحفظ القرآن ودرسه لسنوات طويلة وتتلمذ على يد الكثير من العلماء منهم؛ أبو حياء الغرناطي، وبعد سنوات انتقل إلى بلبيس بمحافظة الشرقية ليصبح موظفًا يتولى الجباية، وبدأ في كتابة الهجاء عن الموظفين فقال "خبرت طوائف المستوظفينا .. فلم أجد فيهم رجلا أمينا "، وحينما بلغت القصيدة أسماع الموظفين زملائه السابقين قاموا بسرقة حماره فأنشد عليهم قصيدة هجائية، لكنه ترك الوظيفة، وزهد في مُتع الحياة ليلجأ لحياة التصوف والانقطاع لعبادة الله.

بالقرب من منطقة الأنفوشي بجوار مسجد سيدي أبو العباس في ميدان المساجد بمحافظة الإسكندرية؛ يقع مسجد الإمام البوصيري على يسار مسجد أبي العباس المرسي، شُيّد المسجد الحالي بأمر من الخديوي سعيد عام 1274 هجري، للمسجد أكثر من واجهة و باب، وبُنيت المئذنة على طراز المآذن المملوكية - وله خمسة قباب من ضمنها قبة الضريح - بالمسجد لوحة جدارية تشمل أبيات قصيدة البردة وآيات قرآنية منقوشة على الجدران، و هناك بئر ظل مفتوحًا لسنوات يتبرك الناس به، قبل أن يغلق في آخر ترميم للمسجد.

بعد أن هجر البوصيري وظيفته اتجه صوب الإسكندرية التي كان بها قطب من أقطاب الفكر الصوفي، وهو الشيخ أبي العباس المرسي الذي تتلمذ على يده، وبدأ في دراسة ونظم الشعر، وترك شعر الهجاء ليتفرغ للمديح فمدح شيخه أبي العباس، ومدح القطب الصوفي الكبير أبي الحسن الشاذلي الذي قدم من المغرب ليستقر بالإسكندرية.

بعد فترة أصيب البوصيري بالشلل النصفي، وحار الأطباء في مداواته، وقتها كان قد بدأ في كتابة قصيدته الشهيرة البردة، في منامه رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم يكمل له أبيات قصيدته، ويمسح بيديه الكريمة على جسده فصحى من نومه معافى.

تلك القصيدة كانت درة كتاباته، وبعد شفائه أمضى باقي سنواته مُجاورًا لشيخه في زاوية صغيرة بجوار المسجد حتى وفاته، فدفن في الزاوية حتى تحويلها لمسجد على يد الخديوي سعيد.

يأتي الناس من كل صوب للتبرك بضريح الإمام الذي شفيت قدماه بلمسة الرسول، طامعين في لمسة الشفاء التي تنهي معاناتهم ومعاناة أطفالهم للمشي على أقدامهم من جديد.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان