إعلان

تعايُش إجباري وتغيير اضطراري.. كيف تعامل أصحاب المقاهي مع قرارات الغلق بسبب كورونا؟

11:38 م الأحد 07 يونيو 2020

كتب وتصوير- محمود عبد الرحمن:

غلاف وجرافيك - أحمد ياسين:

عبر شاشة التلفاز بالمقهى الشعبي "لؤلؤة الميدان" بمنطقة أرض اللواء بالجيزة، وأثناء تلبية إسلام محمد طلبات زبائنه، صباح الخميس، 19 مارس الماضي، كان رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي يعلن العديد من القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة، لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19"، وهو ما لم يُلقِ له الشاب الثلاثيني اهتمامًا، إلا عندما سمع "غلق المطاعم والمقاهي والكافيتريات والكافيهات من 7 مساءً إلى 6 صباحًا حتى 31 مارس".

يقول إسلام محمد، صاحب المقهى، إن قرار الغلق الجزئي كان مفاجئا وغير متوقع بالنسبة له "ده وقف حال، لأن شغل القهوة أغلبه في الوقت ده"، لا يمثل فيروس كورونا أو الحد من انتشاره لرب الأسرة المكونة من خمسة أفراد أي شيء "كورونا وقتها كنا بنسمع عنه في التلفزيون بس، ليه نقفل بقى".. هكذا كان يفكر ويستفسر عن القرارات الحكومية.

1

وبعد مرور 4 أيام، وتحديدا صباح الثلاثاء 24 مارس الماضي، صدر قرار جديد من مجلس الوزارة، بإغلاق المقاهي بشكل كامل لمدة أسبوعين، من أجل الحد من انتشار الفيروس الذي لم يشعر بخطره "إسلام" والعاملون معه في المقهى داخل المنطقة الشعبية، التي يقطنها 142 ألف نسمة، بقدر تضررهم مما يرونه "قطع أرزاق ووقف حال".

كان صاحب المقهى يعتقد في بداية الأمر أن قرارات الغلق لن تطبق بشكل صارم على الأقل داخل منطقته العشوائية التي يقيم فيها، لكن الحملات المكثفة التي شنتها الأجهزة التنفيذية، من أجل تنفيذ قرارات مجلس الوزراء، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين "كان كل شوية حملة، مكنش فيه قدامنا خيار تأني غير إننا نقفل ونستنى لحد ما القرار يتلغي"، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.

2

الغلق الكامل للمقاهي الذي تم تجديده بقرار جديد من مجلس الوزراء دفع إسلام للبحث عن وسيلة جديدة، تمكنه من سداد التزاماته المالية، "في إيجار شهري وفلوس للخدمات والمرافق، ملزم بدفعها كل شهر، لو مدفعتهاش هتتراكم عليا"، بخلاف مصروفات بيته ونفقات أسرته اليومية، كل هذا دفع صاحب المقهى للبحث عن مصدر رزق آخر، خاصة بعد إدراكه أن أزمة كورونا "مطوله معنا"، كما فهم من البرامج التلفزيونية المسائية التي كان يتابعها "ما إحنا كدا كدا قاعدين في البيت، لا شغل ومشغلة، فمتابع اللي بيحصل"، لكنه بدأ يدرك خطورة الوباء وتفشيه بعد معرفته بإصابة أكثر من حالة في محيط سكنه، ووفاة مصاب منهم.

3

"إحنا دلوقتي في شهر رمضان والعيد داخل والناس هتشتري لبس العيد لعيالهم"، بناء على هذا التوقع والاستنتاج، قرر إسلام صاحب المقهى وبرفقة الاثنين اللذين يعملان معه تحويل المقهى إلى محل ملابس حتى تنتهي أزمة كورونا، لكي يكون لهم دخل ينفقون منه على أسرهم، "لو قعدنا في البيت أكثر من كدا هنشحت" يقول إسلام.

وفي صباح اليوم التالي، ذهب زملاء المهنة التي احترفوها منذ سنوات إلى منطقة العتبة بوسط البلد، لشراء الملابس التي تشاركوا في توفير رأس المال المخصص لها، وفي المساء بدأوا في تجهيز المقهى لعرض بضاعتهم الجديدة، وقام إسلام بتوظيف الطاولات الخشبية ونصبة الشاي واستخدامهما كاستاندات وحوامل لعرض الملابس.

https://www.masrawy.com/files//Downloads/777744445.jpg

امتداد قرارات الغلق التي تجاوزت الشهرين، وما زالت مستمرة، دفعت العديد من أصحاب المقاهي والكافيهات إلى التفكير واللجوء إلى ما فعله إسلام لتوفير أي دخل لو محدود، للأنفاق على أسرهم وسد التزاماتهم ومصاريفهم اليومية. "كنت فاكر إن قرار الإغلاق أسبوعين، وبعدها نفتح تأني" يقول تامر ياسين، الذي حول المقهى الخاص به بعد إغلاقه إلى محل لبيع الخضروات، بعد اتفاقه مع تاجر بمنطقة أرض اللواء التي يقيم بها لمشاركته في تجارته الجديدة، حتى انتهاء أزمة فيروس كورونا، مقابل أن يدفع له التاجر نصف الإيجار الشهري ونصف فواتير المياه والكهرباء.

4

بينما الـ5 عمال الذين كانوا يعملون معه في المقهى منذ افتتاحه قبل 3 سنوات، حرص "تامر" على الحفاظ على "يومية" بشكل جزئي بعد تخفيض أجرتهم إلى النصف "كل عامل وليه ظروف وحرم آجي على ظروف حد"، لكن قرارات الإغلاق المستمرة منذ شهر مارس الماضي، لم تعطِ له خيارا آخر سوى تسريحهم، لكي يبحث كل منهم عن أي عمل آخر يوفر له أجرة يومية، حتى افتتاح المقهى مرة أخرى، "العامل كانت أجرته 150 جنيه في القهوة، في محل الخضروات مش محتاجينهم".

لم تقتصر أزمة غلق المقاهي والكافيهات، التي يتجاوز عددها 2 مليون مقهى، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء على أصحابها ومالكيها، بل امتدت إلى مئات الآلاف من العاملين بها الذين انقطع مصدر دخلهم، وأصبحوا مجبرين على البحث عن عمل آخر، منهم علي سليمان، الذي قام بشراء كميات من الكمامات والجوانتيات الطبية، ووقف أمام كافية "الشريف" الذي كان يعمل به لبيعها للمارة، كمصدر دخل مؤقت يساعده على توفير مصاريف زوجته وأطفاله "الكمامات شغالة الأيام دي قولت حاجة نسترزق منها وخلاص" يقول الشاب صاحب الـ 26 عامًا.

5

عقب تنفيذ قرار الغلق للكافية الذي كان يعمل به "علي" قام صاحب المقهى بمطالبة العاملين بالبحث عن عمل آخر حتى انتهاء الأزمة، وهو ما فشل فيه "علي" الذي بحث عن فرصة عمل في محال السوبر ماركت التي استثناها قرار مجلس الوزراء من الغلق، "كل ما أروح مكان يقولوا مفيش، الحال كله واقف، وصعب ألاقي شغل في الوقت ده"، ليستجيب في النهاية لنصيحة زوجته بشراء الكمامات وبيعها لكثرة الطلب عليها في تلك الفترة: "بروح أشتري 100 كمامات ولما أبيعها أرجع أشتري تاني".

بينما مراد فريد الذي كان يستأجر محلا بشارع الطريق الأبيض بالمعتمدية بالجيزة، افتتحه مقهى قبل عامين، بعد تحديد قرارات الغلق، بحث عن مصدر آخر للدخل "جبت فاكهة أبيعها لحد ما الأزمة تتحل"، في إيجار شهري ومصروفات بيت، يقول "فريد" الذي يرى أن الأزمة لا يعرف أحد متى تنتهي، هو ما دفعه للتفاوض مع ملك المحال الذي يستأجره لتخفيض الإيجار الشهري، حتى إلغاء قرارات الغلق " كنت بدفع 5 آلاف جنيه إيجار شهري، لو سبت المحل هو هيخسرهم كلهم، فوافق على تخفيض الإيجار حتى انتهاء الأزمة".

6

إسلام وأبناء كاره (تامر وعلي ومراد) يتمنون إعلان الحكومة خلال الأيام المقبلة افتتاح المقاهي وعودة عملهم إلى سيرته الأولى، ضمن خطة التعايش مع فيروس كورونا المستجد، التي بدأت تطبيقها عقب عيد الفطر الماضي "هنتعايش مع الفيروس إجباري وغيرنا مهنتها مضطرين"، يقول "إسلام" الذي أصبح يخشى على أسرته وولديه من الإصابة بالفيروس الذي كان لا يخشاه، وقت صدور قرار غلق المقاهي، وتزداد مخاوفه مع تزايد أعداد الإصابات والوفيات يوميا، وصعوبة حجز سرير داخل مستشفيات العزل، ما تسبب في معاناة لأحد معارفه، انتهت بوفاته.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان