ربع ساعة "سعادة".. لقاء طبيبة مع أسرتها على أبواب مستشفيات العزل
كتبت- شروق غنيم:
منذ اللحظة الأولى حاولت الدكتور ميرفت السيد، مدير مستشفى العجمي للعزل في الإسكندرية، نزع المُسميات عن نفسها، استقبلت الطاقم الطبي المُستعد للمهمة الجديدة لمجابهة فيروس كورونا المستجد، وضعت خارطة للإدارة على رأسها "كلنا زي بعض في المكان، هنشتغل ونساعد بعض"، فيما اتخذ الدعم النفسي أكبر مساحة من خطتها "رغم إننا سايبين عيلتنا وبعيد عنها، لكن مكنتش عايزة حد يحس إنه وحيد، سواء الطاقم الطبي أو المرضى".
أمارات الدهشة تكسو الفريق الطبي الذي يدخل عالم مجهول لأول مرة، لكن في انتظارهم ميرفت بخطتها "حطيت مطبخ في منطقة معزولة تمامًا، وبدأنا إنه يكون مكان نروح نعمل فيه أكل فنحس بريحة البيت"، أحيانًا كانت تُعد مديرة المستشفى الطعام بنفسها "في يوم صممت أعمل لهم بيض والملح كله اتقلب عليه، قولت لهم أنا المدير وهتاكلوه" أفلت الجميع ضحكاته "لدرجة نسينا إن في حاجة اسمها كورونا أو العالم مقلوب، التهريج كان طريقتنا عشان نخرج من الحالة النفسية السيئة".
حين توّلت الطبيبة مهمة مستشفى العزل، لم تُفضل الجلوس في المكتب، كانت تتجول بنفسها على غُرف المرضى تتابع سير بروتوكول العلاج، غير أن الأولوية لها صحتهم النفسية "إني أتكلم معاهم وأطمنهم عشان ميحسوش إنهم لوحدهم"، تتذكر إحدى السيدات من كبار السن، دخلت في نوبة بكاء حينما لم تتحوّل نتيجة تحليلها إلى السلبي وجاءت إيجابي بالفيروس "حبيت أضحكها، نزلت برنامج عشان تكلم عيالها بس بأشكال، اختارت لها شكل بروج لما شافت الموضوع ضحكت وخرجت من الضيق اللي فيه".
كلما تذكرت الطبيبة الثلاثينية تفاصيل علاقاتها مع المصابين بالفيروس، تتجدد بالطاقة الإيجابية، تمتّن لكل من مروا على المستشفى ومنحوها أيضًا بهجة "واحد منهم كان من الشرقية وحالف يأكلني بط ووز، بعد أسبوع لقيت أهله من البلد جايبين لنا وسايبينه على باب المستشفى"، كل تلك اللحظات كانت تضمّد حزنها على عدم لقاء الأهل "هنا إحنا كلنا عيلة واحدة".
أكثر ما يُبهج نفس الطبيبة الشابة حينما تُحصي في نهاية اليوم أعداد المتعافين، وترسلها إلى كل الأرقام المُسجلة على هاتفها، لكن لم يكن هناك مشهد أسعد من خروج عم شعبان من المستشفى "أول ما شافني طلع يجري عليا عشان يحضنني، قولتله استهدى بالله يا حاج إحنا برضو في مكان عدوى".
قبل تخصيص المستشفى للحالات الخطيرة وحالات العناية المُركزة، تواجد أطفال مصابين بالفيروس في المكان "كنا ندخل الغرف بتاعتهم بالبلالين وفقاقيع الصابون" انطبع ذلك على نفسية الصغار، أبصرته ميرفت في الرسومات التي ابتكروها "كان في مشاهد لينا، كنت مبسوطة ومتأثرة جدًا، وافتكرت ولادي الاثنين".
في الرابع من مارس غادرت الدكتور ميرفت السيد منزلها، على وعد أن تعود بعد 14 يومًا لكن المٌدة طالت بشكل لم يعد يحتمله ابنائها "ورغم إن المستشفى على بعد 10 دقايق من البيت، مش قادرين نتقابل". فكّر الزوج عبد المنصف أحمد كيف يُدبر لقاء "فكرت نروح لها قدام بوابة المستشفى، مع تعليمات للولاد بإننا مش هنحضن ماما ومش هنلمس أي حاجة".
ربع ساعة فقط تستطيع ميرفت اقتطاعها من وقت العمل، تقف بينما الأسوار حائلًا وزوجها وابنيها "لكن المهم بنتقابل"، تدور أغلب الحكايات عن أخبار الأطفال، كيف يقضون أوقاتهم، ما هي لعبتهم الجديدة، آخر أكلة تناولوها، فيما يمطرها الصغار بأسئلة لا تملك إجابتها "ماما مينفعش تروحي معانا؟".
رغم انتهاء المقابلة بالفراق، إلا أنها زاد ميرفت الأسبوعي "الطاقة اللي بتخليني أكمّل عشان أرجع لولادي"، لم تكن لتفوّت الأم الثلاثينية مناسبات مهمة في حياة صغارها، حين حل عيد ميلاد ابنها الأكبر كريم اتفقت مع زوجها لشراء هدية "بلاي ستيشن" له، "طلعت من فوق المستشفى وحدفت بلالين وقولت بصوت عالي كل سنة وأنت طيب يا كيمو"، فيما حددت موعد للتلاقي ومنحته الهدية "كنا مبسوطين إن رغم الضغط والأجواء الكئيبة، قادرين نتجمّع ونفرح سوا".
لنحو 115 يومًا قضت دكتور ميرفت السيد مُدتها في مستشفى العزل، غير أن قبل يومين فقط أصدرت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، قرارًا بتكليفها بتسيير أعمال وكيل مديرية الصحة بالإسكندرية لمدة 3 أشهر، تثمّن الطبيبة الشابة التجربة التي عاشتها خلال الفترة الماضية، تتيقّن من أنها تركت انطباعًا داخل كل شخص في المستشفى لن يُنسى حتى مع مغادرتها، فيما تأمل أن تعيش مغامرة جديدة بنفس الروح المرحة.
فيديو قد يعجبك: