بعد 6000 إصابة.. هل نملك أجهزة التنفس الصناعي الكافية لعبور أزمة كورونا؟
تقرير وجرافيك - مها صلاح الدين:
انقطع التواصل بين "أحمد" وأسرته منذ 4 أيام، حاولوا الاطمئنان عليه من أحد أفراد الفريق الطبي بمستشفى العجمي للعزل، فأبلغهم أحدهم "أنه يخضع لجهاز التنفس الصناعي، لهذا لا يرد عليكم".
لم يصل العالم حتى الآن إلى علاج مؤكد لفيروس "كورونا المستجد"، تتعدد التجارب بين العقاقير واستخدام بلازما الدم، إلا أن أجهزة التنفس الصناعي دائمًا ما تكون الحل الأخير للحالات الأكثر خطورة.
وفي الوقت الذي يتسابق فيه العالم لشراء أكبر عدد من أجهزة التنفس الصناعي، كان ثمة سؤال يطرح نفسه: أين موقع مصر من ذلك السباق؟ وكيف يتم توظيف هذه الأجهزة لإنقاذ حياة الحالات الخطرة من ضحايا فيروس كوفيد - 19؟
قبل بداية أزمة فيروس "كورونا المستجد.. كوفيد- 19"، لم تكن مصر في حاجة إلى عدد كبير من أجهزة التنفس الصناعي، وفقًا لمحمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية في الغرف التجارية، "كل مستشفى مهما كان كبيرًا كان فيه من جهازين لخمسة أجهزة".
ومع الأزمة، قامت هيئة الشراء الموحد، بالتعاقد على شراء 500 جهاز تنفس صناعي جديد، من مستوردي الشعبة؛ ليصبح عدد أجهزة التنفس الصناعي في مصر 4500 جهاز، إضافة إلى 1000 جهاز تحت التصليح والصيانة، قد لا يصلح بعضها للعمل مرة أخرى.
خريطة الدول التي كانت تستورد منها مصر أجهزة التنفس الصناعي:
تصاعد الصراع العالمي على إبرام أكبر عدد من الصفقات لشراء أجهزة التنفس الصناعي، جعل سعر الجهاز الواحد يتعدى الـ400 ألف يورو، أي ما يعادل حوالي 7 ملايين جنيه مصري، بعد أن كان يتراوح سعره بين 250 و300 ألف جنيه مصري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الذي دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التوجيه لضرورة تصنيع جهاز تنفس صناعي في مصر، نهاية مارس الماضي، خاصة بعد أن تنازلت الشركة العالمية "ميدترونيك" عن حقوق الملكية الفكرية، في تغريدة على حسابها الرسمي على موقع تويتر.
Recognizing #ventilator demand has surpassed supply, starting today we are publicly sharing design specifications for our PB560 ventilator. This will allow participants across industries to evaluate options for rapid manufacturing in response to #COVID19. https://t.co/DtY9gp7LpO pic.twitter.com/PuiFWPL0NO
— Medtronic (@Medtronic) March 30, 2020
القابضة للصناعات المعدنية
وقتها، دعا مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك - جميع العاملين في مجال الهندسة الحيوية، إلى استغلال مصانع الشركة؛ لتصنيع جهاز تنفس صناعي مستوحًى من تصميم الشركة الأمريكية.
يرى نافع أن مصانع السيارات هي الأقرب للقيام بذلك، أسوة بشركات السيارات العالمية التي حولت نشاطها مؤخرًا لإنتاج أجهزة تنفس صناعي، وصدرتها إلى كبرى الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية، مثل فورد ومرسيديس.
تحفظ "نافع" على ما وصلت إليه تلك المبادرة، مؤكدًا أن تصنيع جهاز تنفس صناعي مصري يواجه العديد من التحديات، بداية من المكونات ذات المواصفات الحساسة، وغزارة الوثائق التي أتاحتها الشركة الأمريكية، لذلك من غير المتوقع أن يتم الانتهاء منه سريعًا.
قبل التنفس الصناعي
مر أحمد برحلة طويلة قبل أن يصل إلى جهاز التنفس الصناعي بمستشفى العجمي للعزل، ظهرت عليه أعراض المرض بعدما اكتشف أن أحد زملائه في المصنع الذي يعمل به أصيب بالفيروس، وأمرته الإدارة مع آخرين بعزل أنفسهم.
وحينما اشتدت عليه الأعراض، مر برحلة طويلة، بداية من إجراء المسحة والاحتجاز ليلة كاملة بمستشفى الحميات، ثم تحويله إلى مستشفى العزل، وقتها لم تكن تتخيل العائلة أن حالته يمكن أن تسوء إلى ذلك الحد.
مضت 5 أيام، قبل أن يستقبلوا منه مكالمة هاتفية من جديد، يخبرهم فيها بتحسن حالته الصحية، وأنه عاد لغرفته في العزل، ولم يعد في حاجة إلى رعاية مركزة أو جهاز تنفس صناعي.
جامعات مصرية
في بداية أبريل الجاري، أعلنت جامعة زويل عن ابتكارها ثلاثة أنواع من أجهزة التنفس الصناعي بمكونات مصرية.
وفي الوقت نفسه، أعلن مركز الابتكار وريادة الأعمال بجامعة عين شمس، عن إطلاق مبادرة تصنيع أجهزة تنفس صناعي لمواجهة فيروس "كورونا"، عبر تكوين 10 فرق، تتنافس على إنتاج 5000 جهاز، بالتعاون مع 80 مصنعًا وورشة.
وبعد نجاح فريق مكون من 8 باحثين بجامعة طنطا، في صيانة 5 أجهزة تنفس صناعي بالمستشفيات الجامعية، كلفتهم إدارة الجامعة بصناعة جهاز تنفس صناعي بنفس المواصفات العالمية للأجهزة المستوردة، عبر منهجية مكونة من 3 مراحل.
الصناعات الهندسية
ما زالت جميع المبادرات السابقة تحت الاختبار، تمامًا مثل مبادرة غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات التي شاركت بها عشرات الشركات، أبرزها "فريش إليكتريك"، وفقًا لمحمد المهندس، رئيس الشعبة.
يقول المهندس إنه تم إعداد أكثر من نموذج لأجهزة التنفس الصناعي، داخل مصانع الأجهزة المنزلية، لكونها الأقرب لها في المكونات "الخراطيم، وأجهزة التهوية، والحساسات"، تمامًا، مثل المراوح، وأجهزة التكييف، وتم تسليمها إلى وزارة الصحة، وفي انتظار التقييم، أو طلب إجراء أي تعديل.
يشير المهندس إلى أن ذلك الأمر قد يحتاج وقتًا طويلًا، خاصة أنه لم يتم الإعداد له منذ فترة كافية "لم نكن محتاجين للمزيد من أجهزة التنفس الصناعي في مصر قبل أزمة كورونا".
علماء مصر
بالتنسيق مع جميع المبادرات القائمة، قررت منظمة "علماء مصر" المشهرة بالولايات المتحدة الأمريكية جمع التبرعات لدعم الفرق التي تعمل على ابتكار أجهزة تنفس صناعي في مصر، عن طريق شراء المشروعات التي يتم تصميمها، وتصنيعها، ثم التبرع بها للمستشفيات العامة في مصر، وفقًا للصفحة الرسمية للمبادرة.
أعلنت "علماء مصر" عن استراتيجية بخط زمني محدد، للوصول إلى ذلك الهدف.
6000 مصاب
في الثامن والعشرين من أبريل، تجاوزت مصر الـ5000 مصاب بفيروس "كورونا المستجد"، ووصلت نسبة الوفيات - تحديدًا في ذلك اليوم - إلى 8.5% من عدد مصابي اليوم نفسه، الأمر الذي دفع وزارة الصحة للتوضيح في بيانها اليومي التالي:
توفي الدكتور أحمد اللواح، أستاذ التحاليل الطبية بجامعة الأزهر في بورسعيد، الذي أصيب بالفيروس، وخضع إلى أجهزة التنفس الصناعي مرتين، الأولى في مستشفى التضامن الاجتماعي، والثانية بمستشفى الحجر الصحي بالإسماعيلية، وهناك تحسنت حالته الصحية، وفقًا لوزارة الصحة.. إلا أنه انتكس فجأة، ووافته المنية.
وفي الثاني من مايو، تجاوزت الأعداد الـ6000 إصابة. وفي ظل تلك الأحداث الساخنة، يبدأ التحقيق مع تشكيل عصابي يتكون من بعض تجار المستلزمات الطبية، في القاهرة والغربية والمنيا وأسيوط، بعد ضبطهم أثناء بيع جهاز تنفس صناعي "ماركة دارجر"، مسروق من مخازن مديرية الصحة بأسيوط، لمواطن من الشرقية.
ورصد مصراوي 58 إعلانًا لبيع أجهزة تنفس صناعي على تطبيق "OLX"- بمختلف أنواعها- بأسعار تتراوح بين 5 آلاف جنيه و250 ألف جنيه.
وبسؤال "محمد إسماعيل" رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية، عن تلك الأجهزة، أكد أن الشعبة لا تعترف بأي شركات للمستلزمات الطبية، غير الـ6300 شركة المسجلة لديها.
وأشار أنه بعد عام 2011، بدأ يدخل أفراد إلى بيع المستلزمات الطبية، دون أي خبرة أو دراية، ولا يشعرون بمسؤولية مجتمعية، هؤلاء الأفراد أول من خلقوا سوقًا سوداء، مستغلين أزمة "كورونا"، بعد أن وجدوا التجارة في المستلزمات الطبية ناجحة، فبدأوا يتلاعبون بالسوق.
وقال إسماعيل إنه لا يستطيع أن يتحكم في هؤلاء الأفراد، أو ما يعلنون عنه من أجهزة؛ لأنهم خارج سيطرة الشعبة، لكنه عادةً ما يبلغ عنهم السلطات المعنية فور اكتشاف أحدهم.
مختتمًا بخطورة تداول تلك الأجهزة على التطبيقات الإلكترونية دون رقابة "أجهزة التنفس الصناعي.. الغلطة منها بفورة!".
"أحمد" الذي مازال يرقد بمستشفي العجمي للعزل تحسنت حالته الصحية واستقرت بعد وضعه على جهاز التنفس الصناعي، وتنتظر أسرته خروجه بعد قضاء مدة الحجر الصحي، بينما "اللواح" أستاذ التحاليل الطبية، الذي خضع إلى أجهزة التنفس الصناعي مرتين وتحسنت حالته؛ تعرض لانتكاسة ووافته المنية، وما زالت جميع مبادرات التصنيع المحلية لأجهزة التنفس الصناعي تحت الاختبار، ويتوقع الخبراء أن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.
فيديو قد يعجبك: