لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أفكار انتحارية واضطرابات عقلية.. ماذا فعل "كورونا"بالصحة النفسية للمصريين؟

12:16 م الأربعاء 27 مايو 2020

كورونا

كتب - رمضان حسن ومحمود عبد الرحمن:

جرافيك - مايكل عادل:

رسوم -سحر عيسى:

داخل عنبر (9 د) بالدور الرابع بمستشفى الصدر بالعباسية، كان الرجل الأربعيني القادم من إحدى قرى محافظة القليوبية، يقضي يومه الثاني، بعد تأكد إصابته معملياً بفيروس "كورونا"، فعلى مدار الـ24 ساعة التي قضاها بالعنبر المخصص لعزل الرجال، كان يتعامل بشكل طبيعي ومعتاد، حيث تناول طعامه ودواءه، ولم يصدر منه ما يلفت انتباه الـ59 نزيلاً المُقيمين معه بالعنبر، ولم يلحظ الطاقم الطبي أي شيء غير طبيعي في تصرفاته.

الساعة السادسة صباح اليوم الثاني، وفي غفلة من الموجودين بالعنبر الذي يضم 60 سريرًا، قفز الرجل من شرفته؛ ليصاب بكسر في الجمجمة ونزيف داخلي أنهى حياته، وفقًا للمعاينة والتحريات الأولية؛ للواقعة الأولى من نوعها منذ ظهور أزمة "كورونا" في مصر منتصف فبراير الماضي.

الصورة الأولي

على مدار 10 أيام وتحديدًا في الفترة من (29:19( أبريل الماضي، قدم فريق الدعم النفسي الخدمات الصحية النفسية لـ149مصابًا بـ"كورونا" داخل 12 مستشفى عزل على مستوى الجمهورية، ورصد الفريق الطبي التابع للأمانة العامة للصحة النفسية الأعراض التي يعاني منها المصابون بالفيروس "محاولات وأفكار انتحار، اكتئابًا، هوسًا، خوفًا وقلقًا، صعوبة في النوم، فقدان الشهية، أعراض ذهانية "، يتراوح تشخيص هذه الأعراض بين بسيطة وشديدة.

أجرى أعضاء الفريق الجلسات الطبية ووفروا الدواء لـ 68 حالة؛ حسب كل حالة على حدة، وفي هذا التوقيت لم يكن عدد المصابين بالفيروس يتجاوز 5286 حالة، توفي منهم 226 حالة.

حالة الانتحار الأولى ومحالات الانتحار المتكررة بين مصابي "كورونا"، وكذلك الاضطرابات النفسية التي سببها الوباء للعاملين بالرعاية الصحية، إضافة للخوف من العدوى والعزلة الاجتماعية لعموم الناس؛ خاصة في القرى والمناطق الموبوءة، تسببت في انتشار اضطرابات نفسية بشكل "مقلق للغاية"، كما وصفتها منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي.

وهو ما دفع وزارة الصحة إلى إعلان توفير الدعم النفسي للجميع، ولكن كيف تتعامل الوزارة مع التأثير النفسي لـ"كوفيد 19" على المصريين؟ وما هي طرق العلاج في ظل التباعد الاجتماعي؟ وهل أحدث الفيروس تغييرًا في أنماط الأمراض النفسية والمترددين على عيادات الكشف؟

28 مارس الماضي، كلفت وزارة الصحة الأمانة العامة للصحة النفسية بتقديم الدعم النفسي لجميع فئات المجتمع، ووضعت الوزارة المصابين بـ"كوفيد-19"، والأطقم الطبية بمستشفيات العزل؛ على قائمة الفئات المستهدفة التي تستحق الدعم النفسي خلال هذه الفترة.

وعبر رسائل نصية تحفيزية بدأت الأمانة العامة للصحة النفسية بتقديم الدعم النفسي للفرق الطبية ومساندتهم، وعلى أرض الواقع تواجد أطباء نفسيون ومتخصصون بمستشفيات العزل؛ لتقديم الدعم النفسي سواء للمصابين أو الأطقم الطبية، والتواصل المباشر مع المديرين والأطباء المسؤولين، وكذلك دعم الحالات المصابة أثناء فترة عزلهم.

التوقيت الذي انتحر فيه مريض "كورونا" بمستشفى صدر العباسية، كان أغلب المرضي والعاملين نائمون: "محدش شافه وهو بيرمى نفسه من الشباك"، يقول أحد أفراد الأمن العاملين بالمستشفى، لكن صوت ارتطامه بالأرض هو الذي لفت الانتباه؛ ليذهب فرد الأمن لاكتشاف الأمر، ليفاجأ به جثة هامدة، وبعدها بدقائق وصل الدكتور "النوبتجي" المسؤول عن الطوارئ في هذا التوقيت؛ ليؤكد وفاته بمجرد سقوطه.

الصورة الخامسة

"خايف أروح المستشفى أتابع مع الدكتور وأصرف علاجي، وبقى عندي هوس إني أقرب لأي حد "، بهذا الشعور تحدث محمد جميل عن تزايد معاناته مع مرضه المزمن بعد أزمة فيروس "كورونا"، الرجل الخمسيني الذي يعاني من مرض تليف الكبد يحتاج لمتابعة دورية "مرتين بالشهر" بمعهد الكبد القومي بالمنوفية، إلا أن قلق انتقال العدوى بفيروس "كورونا" أصبح هاجسًا يلازم تفكيره كلما اشتد عليه المرض: "حاسس إني لو روحت المستشفى هرجع متصاب بـ"كورونا"".

محمد جميل، واحد من الملايين الذين يعانون من الأمراض المزمنة في العالم، 50 % منهم بحاجة لدعم نفسي بعد ظهور أعراض التوتر والقلق والانطواء عليهم، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية،التي طالبتهم بالمداومة على تناول الأدوية بانتظام وتخزين ما يكفيهم منها لمدة شهر على الأقل.

أغلب الأشخاص صاروا عُرضة للاكتئاب، وحدوث اضطرابات في الصحة العقلية في زمن "كورونا"، بحسب الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، الذي يتوقع أن تنشط "كل أنواع الأمراض النفسية، من توتر وعصبية واكتئاب ووسواس واضطرابات ذهنية"، في هذه الفترة التي يغلّف الوباء،"كل ده بيعمل ضغوط نفسية على الناس وبتظهر مشكلات أسرية واجتماعية ومن المتوقع أن ترتفع معدلات العنف الأسري والجريمة".

الجراف الأول

وزارة الصحة خصصت ثلاثة خطوط ساخنة لدعم المواطنين نفسيًا لتلافى آثار الإغلاق والحجر المنزلي، وتلقي استفساراتهم حول كيفية التعامل مع الضغوط المتزايدة والرد عليها خلال 24 ساعة.

جاء ذلك بالتزامن مع إعلان الأمانة العامة للصحة النفسية عن برتوكول علاجي يتماشي مع التباعد الاجتماعي لتقديم الدعم النفسي، واستهداف أكبر عدد من المواطنين عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة التوعية النفسية لكل الفئات العمرية للتعامل مع الأزمة، وشاركها في هذا الدور مستشفى العباسية للصحة النفسية.

وكانت البداية بإطلاق حملة: "احمي النفسية" التي تهدف لتوجيه مساعدة للمواطنين؛ للتغلب على الشعور بالقلق الناجم عن تفشي فيروس "كورونا المستجد"، ونشرت الوزارة العديد من الفيديوهات التوعوية على منصاتها الإلكترونية.

ولم تلق جهود وزارة الصحة لتقديم الدعم النفسي في البداية عبر "السوشيال ميديا" تفاعلًا ملحوظًا من المواطنين، ولكن مع تخطي أعداد المصابين بالفيروس حاجز الـ250يوميًا، وتطبيق الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار الفيروس، تغير الأمر تمامًا وزاد تفاعل المستخدمين مع الفيديوهات التوعوية، حيث وصلت مشاهدات فيديو للدكتورة نهى صبري رئيس وحدة الطب النفسي للمسنين بقصر العيني، إلى 600 ألف مشاهدة، وتفاعل معه 45 ألف مستخدم، وعلق عليه 850 متابعًا، وتنوعت هذه التعليقات بين توجيه استفسارات وأسئلة للأطباء تتعلق بموضوع الفيديو، وأخرى تتعلق بطريق الوقاية من الفيروس.

الجراف الثاني_2

داخل مبني العيادات الخارجية بمستشفى العباسية للأمراض النفسية، الذي يضم 5 عيادات؛ يخصص 4 عيادات للكشف على الأمراض النفسية، والأخيرة مخصصة لعلاج الإدمان والتعاطي، وتبدأ رحلة العلاج، بقطع تذكرة بجنيه، وانتظار الدور للدخول إلى العيادة التي يخضع فيها المريض للفحص.

الصورة الثانية_1

خلال هذه الأيام تشهد العيادات الخارجية بمستشفى الصحة النفسية الأقدم في مصر، إقبالًا كبيرًا -مقارنة بما قبل "كورونا"- من أشخاص عاديين يعانون أعراض القلق الشديد والاكتئاب، بحسب الدكتورة أسماء عبدالوهاب، مدير العيادات الخارجية بالمستشفى، ومنهم من يعانون اضطرابات بسبب تجربة العزل المنزلي ووجود صورة ضبابية أمامهم للمستقبل: "الجميع بحاجة لدعم نفسي سواء في الوقت الحالي أو ما بعد "كورونا"، خاصة أن الأمراض النفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأحداث المجتمعية.

التدابير التي اتُخذت أثناء انتشار وباء "سارس"، في بداية القرن الحالي، للحدّ من انتشاره كان لها آثار خطيرة على الصحة النفسية؛ إذ زادت معدلات البطالة، وزاد الشعور بعدم الأمان المالي والفقر، ووفقًا لدراسة نشرت عام 2003 ،أجراها مجموعة باحثين في علم نفس بجامعة بريجهام يونج الأمريكية، وارتفعت معدلات الانتحار بنسبة 30% في الفئة العمرية التي تجاوزت الـ65 عامًا.

ويقدم مستشفى الصحة النفسية بالعباسية الدعم النفسي للمرضى عن طريق جلسات أون لاين بشكل مباشر، أو من خلال توجيه محتوى توعوي لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي "بنلحق حالات اكتئاب شديدة لديها أفكار لمحاولات انتحار" كما تروي الدكتورة أسماء.

لم يختلف الأمر داخل العيادات الخاصة للطب النفسي، حيث تؤكد الدكتورة هالة حمّاد، استشاري الطب النفسي، زيادة أعداد المترددين على عيادتها ممن يعانون أمراضًا نفسية، على رأسها: "الاكتئاب والقلق النفسي"، بنسبة أعلى من المعدلات الطبيعية في فترات سابقة لظهور "كوفيد-19" في مصر: "واللي بييجي اللي وصل لمرحلة عالية جداً من الاضطرابات والتوتر ودا بسبب العزل المنزلي والتغيرات المفاجئة التي طرأت على الحياة".

الحجر الصحي تجربة غير مرضية بالنسبة لمن يخضعون لها، ويعد العزل عن الأهل والأحباب، فقدان الحرية، الارتياب من تطورات المرض، والملل، وفقًا لدراسة نُشرت بالمجلة الصحية "دولنسي"، وأكدت الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات البريطاني "كينجز كوليدج"، أن كل العوامل السابقة يمكنها أن تتسبب في حالات مأساوية قد تصل للتفكير في الانتحار.

الصورة الثالثة_2

ولم تمر دقائق على تأكيد الطبيب "النوبتجي" الموجود ليلة انتحار مريض "كورونا" بمستشفى الصدر بالعباسية، حتى نقل الجثمان إلى مبنى الرعاية الطبية المواجهة لمكان الواقعة، وطالب الأطباء بضرورة تنظيف آثار الدماء مكان الواقعة قبل أن يراه باقي المرضي، حيث يطل على مكان سقوط المريض 4 عنابر يوجد بها مرضى "كورونا" يخضعون للعزل والعلاج: "كانوا خايفين حد من المصابين يشوف المنظر المرعب دا، خصوصًا أنه كان مصابًا زيهم"، تقول إحدى الممرضات -التي فضلت عدم ذكر اسمها- أنها لاحظت توترًا وقلقًا على عدد من المرضى الذين تتعامل معهم داخل عنبر العزل الذي سقط منه المريض: "عدد كبير منهم سألني عن سبب انتحاره وكانوا مهتمين لمعرفة تفاصيل عنه وعن سلوكه النفسي قبل الانتحار"، إلا أنها حاولت طمأنة بعضهم.

الصورة الرابعة_3

يوم الإثنيين الماضي، بدأت مستشفى القاهرة الفاطمية استقبال المرضي النفسيين المصابين بفيروس كورونا المستجد، بعد تدريب وتأهيل الأطقم الطبية للتعامل مع مثل هذه الحالات، عقب تخصيص وزارة الصحة المستشفي الذي يقع بمنطقة الدراسة لعزل المرضى النفسيين المصابين بالفيروس.

تدعو منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة استمرار توفير خدمات الصحة النفسية الطارئة والدعم النفسي الاجتماعي على نطاق واسع، مؤكدة أن الصحة النفسية جزء من التغطية الصحية الشاملة لمواجهة فيروس "كورونا".

الجراف الثالث_1

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان