لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بـ"كتب وطعام".. هيثم يواصل جولات السعادة في قرى الشرقية

06:06 م الثلاثاء 19 مايو 2020

هيثم السيد يوزع الكتب على أطفال قرى الشرقية

كتبت-إشراق أحمد:

طيلة شهر مارس المنصرف ويتساءل هيثم السيد؛ لمتى ينقطع عن جلسات القراءة مع الصغار؟ تُرى هل تعود "عربية الحواديت" التي أقامها قبل سنوات لتجوب مصر وتوزع القصص على الأطفال؟. كاد الحزن يتمكن من هيثم بعدما توقف كل شيء بفعل فيروس كورنا المستجد لولا أن تداركته زيارة إلى قرية في محافظة الشرقية، ألمه أحوال أهلها وأطفالهم خاصة مع الظروف الراهنة وحلول شهر رمضان، وما إن عاد لمنزله حتى قرر "إيه المانع لما أوزع كتب وأكل؟".

لأكثر من خمسة أعوام واعتاد هيثم أن يحتوي منزله وحقيبة سيارته على مخزون من كتب الأطفال، أينما يذهب معلم اللغة الإنجليزية ويلتقي طفلاً يسحب قصة ويعطيها له، وكذلك يوم الجمعة كان مقدسًا، يأتي إليه صغار قريته والمناطق المجاورة، يجتمع بهم في مضيفة البيت ويروح يحكي لهم "حدوتة" جديدة، يناقشهم في حياتهم، ويشاركهم الرسم والتلوين، بالنسبة له لم يكن عمل تطوعي بل "متعة لما أشوف الولاد بيضحكوا ويمسكوا القصص ويقرأوا".

1

جرعة من السعادة لم تنقطع عن هيثم لأعوام، بل وسع مداها مع القيام بالجلسات خارج إقامته في الشرقية وتأسيس مبادرته "عربية الحواديت". كانت خطة هيثم في تلك الفترة أن يستكمل جولاته ويزور الإسكندرية، سيوة، وجنوب سيناء، لكنه ألغى رحلاته بعد تفشي "كوفيد 19"، وبقى له الأسى مع الفقد ومواقف تعتصر روحه "في يوم لقيت أم جايبة ابنها راكبة مواصلات وجاية تسأل ليه بطلت تلف زي الأول طيب ممكن مجلة ولا قصة".

لم يكن باستطاعة هيثم استقبال أحد في المنزل خوفًا على والديه كبار السن وأبنائه، لكن مع تكرار توافد البعض، لجأ إلى ارتداء القفازات وأخذ الاحتياطات اللازمة، أصبح يعطي صاحب "عربة الحواديت" الكتب لمن يأتي على استحياء، ذلك قبل أن يحدث ما يغير مساره.

2

مع مطلع شهر رمضان زاد هيثم الشعور بأن "زي ما يكون حد اتحرم من حياته"، بينما اقتسمه التفكير "مش هينفع نقول للناس اقعدوا في البيت وأنا اخرج في عز الأزمة وأعمل ورش"، لكن في اليوم الخامس من الصيام جاءه الحل؛ اتصل به صديق لزيارة معلم زميل مريض، واقترح عليه أن يصطحبا معهم شيء من الكتب يوزعاه على من يصادفونه بالطريق، وبالفعل ذهبا إلى المكان المقصود؛ عزبة صغيرة تسمى طلبة تتبع مركز الحسينية في الشرقية، لكن هيثم لم يزره من قبل "أنا من قرية بسيطة لكن مكنتش متخيل أن في ناس عايشين في مستوى ضعيف بالشكل ده .. قاعدين في عشش"، حينها خطر على باله فكرة توزيع الطعام قائلاً لنفسه "الوضع يستدعي أني مخصصش المجهود للكتب بس زي ما بدأت في 2015".

3

دعم كبير لقاه صاحب "عربية الحواديت" بمجرد أن شارك الفكرة مع أصدقائه على فيسبوك. في البداية وضع المعلم الثلاثيني معيار للوجبة الموزعة "تكون جافة كيس فيه تفاحة وبرتقانة ومثلثات جبنة وسميط ناشف وعلبة مربى". خلال ثلاثة أيام تمكن هيثم من تجميع 800 وجبة إلى جانب مخزون الكتب لديه، ليبدأ جولة جديدة ومختلفة مع ملاقاة الأطفال.

بعد اتخاذ إجراءات التعقيم اللازمة لما لديه، يحتاط هيثم حينما ينزل إلى قرية، لا يجمع الصغار كما كان يفعل "بخبط على بيت بيت اسأل إذا كان في أطفال يخرجوا أديهم الكتب والمجلات والوجبات بتاعتهم وامشي"، لم يبدوا على أهالي المنطقة البسيطة أي تفكير فيما يجري من انتشار "كورونا"، لكن هيثم بتعاملات بسيطة كان يخبر الأطفال "أقول لهم مش هنسلم هنشاور لبعض من بعيد"، أو يرش المعقم على أيدي الصغار إن أخذتهم العفوية واقتربوا ملامسين بعضهم البعض.

واصل هيثم توزيع الكتب والوجبات الجافة على الصغار حتى النصف الأول من رمضان، ثم توسعت الدائرة "في ناس اتبرعت بلحوم وأكل بقيمة حوالي 15 ألف جنيه بقينا نوزع على الأسرة كلها مش الأطفال بس". انضم للمعلم الثلاثيني فريقه المشارك له في توزيع الكتب، بينما تغيرت الخطة "بقينا نوزع بليل عشان الناس متتجرحش وميكونش في تجمعات". أسبوع قضاه هيثم ورفاقه لإيصال الطعام والكتب إلى منازل نحو 8 قرى في الشرقية، حسب قوله.

استعاد هيثم الحياة برؤية الصغار وفرحتهم وما أضيف إليها من سعادة الأهالي، ظن صاحب "عربية الحواديت" أنه حظى على نصيب وفير من البهجة بانتهاء ما لديه من طعام، وعليه التوقف خاصة مع انشغاله في العمل، لكن المزيد كان بانتظاره مع اتصال صديق له يقيم بالإمارات، يخبره أنه يريد المشاركة في مبادرته بالكتب والطعام "قالي عايز اتبرع بكتب بقيمة 20 ألف جنيه ووجبات بقيمة 10 آلاف جنيه"، لم يستطع هيثم الرفض "حسيت أني هظلم الناس"، فعاد ثانية للجولات.

4

كانت تلك المرة مختلفة، خاصة بعدما زاد مخزون الكتب بتبرع مؤسسة نهضة مصر بما يعادل قيمته 5 آلاف جنيهًا. قرر هيثم أن تكون الكتب "هدايا العيد" تدخل السرور على قلوب الأطفال، وأما حقائب الطعام فتتضمن شيئًا خاصًا لهم أيضًا "كنا بنحط كيس بونبون"، فما إن تفتح الأسرة الحقيبة حتى ينقض الصغار على الحلوى "كانوا بيطيروا ورا بعض في البيت من الفرحة".

لم يكتف صاحب "عربة الحواديت" بما لديه، أضاف إليه لمسة يعرف تأثيرها كونه أب لابنتين؛ صحب هيثم أربطة شعر للفتيات الصغار، وكلما لاقى إحداها أعطاها كتاب ووضع برأسها ما تختار ليزينها. تفاصيل صغيرة حُفرت في ذاكرة المعلم "فرحة بنت وهي بتوري مامتها التوكة والكتاب. عيال اتربعت على الأرض تفتح تشوف الصور اللي موجودة في الكتب". بهجة كانت انقطعت عن هيثم لنحو شهر وردت إليه في لحظات "كنت زي الأرض لما تبقى جعانة ماية بتشقق ولما ترويها فتشرب مايه كتير.. أنا كنت برتوي من السعادة قبل ما هم يشربوها".

5

تركت جولات هيثم الرمضانية في نفسه أثرًا بالغًا، رغم اعتياده الترحال داخل محافظته وخارجها إلا أنه شارك سكان القرى حدثًا لم يشهدوه "مكنش حد بيجي لهم يوزع حاجة مجانًا لدرجة أن في ناس كانت بتسأل هو أنا بيبيع إيه"، كما أنه رافق طالبين له أصبحوا في المرحلة الجامعية وتكفلوا بتوثيق لحظات البهجة، فيما التقى بصغار انقطع الوصل بينهم بعد المرة الأولى لحصولهم على كتاب أثناء تحرك هيثم، وأخرين كانوا يومًا طلاب لدى المعلم وصاروا أباء ينادون أطفالهم ليعطيهم هيثم كتاب.

6

عطاء يداوم عليه صاحب "عربية الحواديت"، ورثه عن أبيه "كان مدرس وبيهتم بتعليم الأولاد" فيما كانت والدته تقتسم الخبيز مع الجيران. يعلم هيثم كم يعز مد يد العون في الصعوبات، لكنه يقاوم بتهيئة ما يفعل بما هو متاح، لهذا يجهز أن تكون الجولة القادمة بجمع الكمامات والمطهرات والنزول لتوعية الأهالي في القرى البسيطة بكيفية وأهمية استخدامها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان