إعلان

معاناة لم تنتهِ.. كيف يتعايش 1300سوداني في القاهرة بعد عودتهم من الصحراء بسبب "كورونا"

11:39 ص الأحد 26 أبريل 2020

السودانين في القاهرة

كتب- محمود عبدالرحمن:

70 يومًا مرت، وما زال أنور جاد الله ينتظر عودته إلى السودان. منتصف فبراير الماضي، جاء الرجل الذي يعاني من ضعف في عضلة القلب، برفقة ابنه "الطيب" من مدينة الخرطوم السودانية برًا إلى القاهرة؛ لإجراء فحص طبي انتهى بخضوعه لجراحة بمستشفى خاص بمنطقة الدقي بالجيزة.

أنور جاد صاحب الـ56 عامًا وابنه "الطيب" من ضمن 1300سوداني، عبروا الحدود السودانية من مدينة بورسودان إلى الأراضي المصرية بمحافظة أسوان في فبراير الماضي، قبل الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة البلدين المصرية والسودانية؛ لمواجهة تداعيات فيروس"كوفيد-19" المعروف بـ"كورونا".

الصورة الأولى

ينقسم هؤلاء السودانيون بين مرضي ومرافقين لذويهم من المرضي، بعد أيام من وصول أنور وابنه للعلاج في القاهرة، وصل صالح وزوجته فاطمة برفقة ابنتهم من مدنية أم درمان السودانية، بناء على موعد مسبق حدده مركز طبي متخصص في علاج الأورام بالمهندسين بالجيزة: "كنا في القاهرة قبل كده عملنا تحاليل وفحوصات لبنتي وقالوا هنحدد العملية ونبلغكم".

هذه الزيارة الثانية لأسرة صالح؛ كانت من أجل إجراء عملية جراحية لابنته المصابة بسرطان الثدي، يقول رب الأسرة تلقينا اتصالاً من المركز، أبلغونا بموعد إجراء العملية والتأكيد على توفير التكاليف المالية لإجراء الجراحة كاملة.

تعتبر مصر إحدى الدول التي يقصدها السودانيون للعلاج أو العمل، حيث تقدر المفوضية السامية للاجئين عددهم في مصر بـ37 ألف لاجئ، يعيش أغلبهم في وسط القاهرة والإسكندرية وأسوان، بخلاف الآلاف الذين يتوافدون على مصر بين الحين والأخر لنفس الأسباب، يدخلون البلاد بالطرق القانونية أو غير القانونية.

قرار السلطات السودانية الصادر يوم 12 مارس الماضي، بتعليق السفر برًا وجوًا مع 8 دول من بينها مصر، كان مفاجئًا لـ"أنور جاد الله وابنه"، و"صالح وأسرته"، اللذين انتهيا من إجراء الكشف الطبي وإجراء الجراحة التي قدما إلى مصر من أجلها، ويستعدان للعودة مجددًا إلى السودان، هو ما تكرر مع المئات غيرهم الذين كانوا يرغبون في العودة إلى عائلاتهم بالسودان، واكتشفا أثناء ذهابهم إلى مكتب الحجز أن الباصات التابعة لإحدى الشركات بمنطقة وسط بالبلد، أكدت لهم وقف الحجز بسبب غلق المعابر.

الصورة الثانية

بعدها بأيام تواصل معهم مكتب حجز الباصات؛ ليخبرهم موظف حجز الباصات بأن السلطات السودانية فتحت معبر أرقين البري بين مصر والسودان لمدة ثلاثة أيام؛ من أجل تمكين المصريين بالسودان من العودة إلى بلدهم وكذلك لرجوع السودانيين إلى ديارهم، وأن بإمكانهم الحجز للسفر عندما يتم إخطارهم بفتح المعبر: "دفعنا ضعف سعر التذكرة قبل الأزمة".

المشكلة يراها صالح وزوجته: "كنا جايين وعارفين هنقعد كام يوم عشان كده جايبين فلوس على أد مصاريف الأيام دي: "ليتفاجأ لحظة العودة كغيره من السودانيين بقرار قفل المعبر وعليه البقاء هو وأسرته حتى يتقرر عودتهم: "الفلوس اللي معانا هتخلص مننا لو الوضع استمر على كدا".

الصورة الثالثة

مساء يوم 18 مارس الماضي تحرك 28 أتوبيسًا، من منطقة العتبة بوسط البلد يحمل عشرات الأسر السودانية، كان من بينهم صالح وأسرته، وأنور وابنه، بعد إخطارهم من الشركة بفتح المعبر والقدوم إلى الباصات للسفر، عند كمين السباعية بين مدينتي الأقصر وأسوان، أخبرتهم قوات الأمن، أن السلطات السودانية أغلقت المعبر مجددًا وأنه لا يمكنهم العبور وعليهم العودة مرة أخرى إلى القاهرة، وهو ما استجابوا له باستثناء 110 منهم فضلوا الانتظار: "يمكن يخلونا نعدي". يقول الطيب الذي كان يرافق والد أنور، مرجعًا سبب انتظارهم، أنهم لا يملكون مصروفات الإقامة في القاهرة، وخوفًا من عدم القدرة على تدبير مصاريف الحياة اليومية في حالة العودة.

لمعرفة تفاصيل ما حدث مع 110 الذين فضلوا الانتظار في صحراء السباعية شمال أسوان اقرأ: 15 يومًا في الصحراء.. شبح "كورونا" يعيق ١١٠ سودانيين على الحدود المصرية السودانية (فيديو وصور)

وبعد مرور 15 يومًا من الانتظار، وتحديدًا أول أيام شهر أبريل الحالي؛ عادت الأسر التي فضلت الانتظار بعد خيبت آمالهم في السماح لهم بالمرور، بسبب استمرار غلق المعبر إلى القاهرة بعد تواصل السفارة السودانية معهم ووعودها للعالقين بتذليل العقبات المعيشية التي تقابلهم في القاهرة، كما يقول "أنور" الذي عاد وهو ابنه "الطيب" ضمن آخر العائدين مجددًا إلى القاهرة، "مكنش فيه حل تأني غير إننا نرجع عشان اتبهدلنا في الصحراء".

تقيم هذه الأسر حاليًا داخل شقق سكنية بمنطقتي عابدين والسيدة زينب، وفرتها لهم السفارة السودانية بالقاهرة، فكل شقه يقيم بها عدد من الأفراد تختلف من شقة إلى أخرى، فالأسرة تقيم في شقه، بينما الشباب كل 7 في شقة.

الصورة الرابعة

يقيم أنور جاد الله وابنه، داخل شقة صغيرة برفقة 5 سودانيين آخرين بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة: "لما رجعنا مصر السفارة وفرت السكن بس مفيش سبل إعاشة"، أيام قاسية يصفها أنور الذي يتمنى أن تنتهي ليتسنى له العودة إلى بلاده: "ممكن ناكل في اليوم مرة واحدة عشان ندبر فلوس".

لا تقتصر المشكلة بالنسبة لصالح وزوجته على مصروفات المعيشة التي تنفد يومًا بعد آخر، تقول الزوجة فاطمة حماد، المشكلة الأكبر والأعقد، كما تصفها هي اقتراب أولى جلسات الكيماوي لابنتها بعد إجراء العملية الجراحية التي قامت بها، والمحدد لها بعد يومين: "روحنا المركز اللي عملت العملية فيه، قالنا الجلسة بـ5 آلاف جنيه مصري"، وهذا يعتبر تكلفة مرتفعة بالنسبة لها: "الجلسة عندنا في السودان سعرها يعادل 150 جنيهًا مصريًا"؛ لذا هي مضطرة للعودة إلى السودان وإجراء جلسات الغسيل الكيماوي هناك.

على كرسي متحرك داخل إحدى الشقق القريبة من ميدان عابدين، تقيم روفيدة عبد الوهاب، مع خالتها التي جاءت معها من السودان؛ لمرافقتها في رحلة علاجها بمصر، لإصابتها بكسر في العمود الفقري، تخشى الفتاة أن تموت خالتها بعيدًا عن أسرتها، بسبب المعاناة اليومية التي تراها: "فيه واحدة سودانية ماتت في القاهرة وتم دفنها هنا"، لذا تتمنى زوال الوباء وأن تتخذ الحكومة السودانية أي إجراءات لإجلائهم إلى بلادهم نظرًا لتلك لظروف الصحية: "هنا العيشة صعبة بالنسبة لنا، ولا يمكن هنقدر نكمل على الوضع ده".

الصورة الخامسة

باع "الطيب عدلي" الذي يقيم في شقة أخرى بمنطقة عابدين، هاتفه وهاتف زوجته لكي ينفق على أسرته حتى يعود إلى السودان: "إحنا كلنا هنا ومفيش مكان نجيب منه فلوس" يقول الطيب.

حيرة اقتراب الأموال على النفاد مر بها محمد عيسى أحد المقيمين مع أنور وابنه بالشقة، دفعته إلى البحث عن عمل يومي يدبر له بعض الأموال التي تساعده على شراء الأدوية لعلاج والده المريض، خاصة مع اقتراب نفاد نقوده، ولا يعلم متى يعود: "كنت محتار لما تخلص الفلوس هعمل إيه، قلت أدور على شغل يساعدني".

اعتاد الشاب السوداني محمد عيسى هذه الأيام أن يستيقظ؛ ليمر على بعض محلات الأجهزة الكهربائية بشارع عبد العزيز بمنطقة العتبة: "لو حد من أصحاب المحال عايز ينزل حاجة أو يحمل حاجة، أشيلها"، حتى يجد له صديقه السوداني الذس يعمل بأحد المحال التجارية بشارع عبد العزيز، ووعده بالبحث له عن فرصة عمل معه.

جودة الخدمات العلاجية في مصر مقارنة بالسودان كما يقول محمد عيسى تدفع العديد من السودانيين للقدوم إلى مصر للعلاج: "أغلب الأسر مرضى سرطان وفشل كلوي، ويحتاج علاجهم أدوية مرتفعة السعر"، بجانب أن العملة السودانية مقارنة بالجنيه المصري ليس لها قيمة، موضحًا أن القنصلية السودانية منذ وقت تسكينهم لم تقم بإرسال أي من الأطباء لمتابعة الأحوال الصحية، لذا لا يشغله السكن الذي وفرته القنصلية لهم، بقدر ما يشغله توفير الطعام الكافي والأدوية للمرضى: "مرة ناس جابوا لنا أكياس فيها رز وزيت كمساعدة منهم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان