يرفضون دفن ضحايا كورونا.. لماذا يسيطر الخوف على المجتمعات العربية؟
كتبت-رنا الجميعي:
في السادسة من صباح السبت استيقظ سامح إسماعيل على أصوات صراخ، هرول مُسرعًا ليرى ما يحدث من شرفته، التي تقع أمام المقابر، وجد تجمع بعض أهالي قريته "شبرا البهو" يتجمهرون؛ يمنعون سيارة الإسعاف من التحرك، لدفن الطبيبة سونيا عبد العظيم، المتوفاة بسبب فيروس كورونا المستجد.
استغرب إسماعيل تجمع الأهالي في ذلك الوقت المبكر، وكيف علموا بأن هناك دفن لحالة مصابة بالكورونا، وحين سأل عن الأمر، قيل له "فيه شاب لف القرية في الفجر بميكروفون يحذر الناس ويخوفهم"، كما أوضح أن الرافضين للدفن معظمهم من العاملين البسطاء، بحسب قوله، وبينهم سيدات "وصريخ الستات هو اللي زود المشكلة".
تكرر ذلك في تونس أيضًا، ففي مدينة مجاز الباب رفض بعض الأهالي دفن أحد المتوفين بفيروس كورونا، خوفًا من انتقال العدوى إليهم، واضطر مجلس البلدية لنقل المتوفى للدفن بمقابر قرية مجاورة، ولم تكن تلك هي الحادثة الوحيدة في تونس، فقد خرجت احتجاجات أيضًا في مدينة جرزونة، واضطر الأمن للتدخل وتفريق المحتجين، مثلما حدث في قرية شبرا البهو التابعة لمدينة أجا بمحافظة الدقهلية.
يقول إسماعيل إن الوقت كان عاملًا مهمًا، وأن الأزمة لم تُدار بشكل سليم،فقد كبر عدد المحتجين دون تدخل من أحد "والعشرة بقوا عشرين"، كما لم يلحظ تواجد عمدة القرية للتهدئة، فيما خشي هو نفسه من التدخل للتهدئة "لو في ضهري مسئول كان ممكن أعمل كده"، ويذكر اسماعيل أن قوات الشرطة لم تأت إلا في العاشرة والنصف، أي بعد أربع ساعات من التجمع.
لم تكن تلك هي حادثة الرفض الوحيدة في مصر، ففي قرية بولس بكفر الدوار حصل أمر مشابه، في 7 إبريل الماضي رفض أهالي القرية دفن المتوفي بالفيروس، وقد كان مُحتجزًا في العزل الصحي بمستشفى العجمي في الإسكندرية، واضطرت قوات الأمن للتدخل وتفريق المحتجين، وتم الدفن بحسب الإجراءات الصحية المتبعة.
من تونس ترى الإعلامية نزهة بن محمد أن الدافع وراء رفض الدفن هو الخوف من المرض، ولأن السلطات التونسية لم تفسر وتوضح للناس كيفية الدفن ومدى تأثير المتوفي على المحيطين به.
وقد أوضحت منظمة الصحة العالمية أن "أجساد الموتى لا تنقل عدوى كوفيد-19 بوجه عام".
رغم ذلك يتكرر الأمر في العراق أيضًا؛ حادثة رفض دفن المتوفين بالفيروس، حيث ذكرت تقارير صحفية عن معاناة أحد العراقيين في العثور في مقبرة لدفن والده فيها، حيث ترفض المدافن الرسمية والسكان استقبال ضحايا الفيروس خوفًا من انتشار العدوى.
لا يقتصر الأمر على ذلك فقط بل ترفض بعض العائلات العراقية أن تخضع بناتهم للحجر الصحي، وذلك بدعوى أنها جريمة شرف في حق بناتهم.
من سوريا ترى دكتورة رشا شعبان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق، أن المشهد كله واحد ولو اختلفت الأقطار، فلا يفرق معها أماكن تكرر تلك الحوادث، سواء في مصر أو تونس أو غيرها، وتُفسّر ما يحدث "الخوف من الكورونا ناتج عن الجهل، فالأمر جديد عليهم، ولا ننسى أننا مجتمعات لا تعني بالجانب النفسي في الأزمات والأوبئة والحروب"، وتؤكد أنه من المهم التعاطي نفسيًا مع تبعات ما يحدثه الفيروس.
أحد أشكال الجهل هو التنمر، كما حدث مع الطبيبة المصرية رشا مجدي، ورفض جيرانها لها بسبب تعاملها مع مصابي الكورونا، فتعقب أستاذ علم الاجتماع أن المجتمعات العربية تتعامل مع الفيروس وكأنه عدو مجهول، رغم أن ذلك غير صحيح، وتضيف أن المعرفة الصحية حول الوباء صارت أوضح قليلًا من ذي قبل.
أما عن تعامل الناس مع الكورونا داخل سوريا فتقول إن الأمر لم يصل للتنمر وتبعاته، لكن هناك خوف وازدراء، كما أن الأعداد المُعلنة حتى الآن في سوريا ليست كثيرة، فحتى يوم 13 إبريل وصل عدد المصابين إلى 25 شخص، وحالتي وفاة.
وعامة ترى دكتورة رشا شعبان أن ردة الفعل المشابهة في بعض المجتمعات العربية يكمن ورائها العقل العربي، وتُوضح أستاذة علم الاجتماع في حديثها أن العقل العربي تُسيطر عليه الغيبيات ويفتقد للتفكير العلمي، فلم يتحول العلم حتى الآن بنظرياته وقوانينه إلى منهج حياة وسلوكيات وتوجه إيجابي، وترى أن التعامل مع حالة الخوف والجهل الموجودة بالتأكيد على دور الإعلام التثقيفي والتوعوي، وعلى أهمية الوعي العلمي.
ومن المغرب يقول يونس ناجي، فاعل في المجتمع المدني، إنه لم ير أي حوادث لرفض الدفن داخل المغرب، وأن المواطنين مُلتزمون بجدية بتعليمات الحجر الصحي، ولم يُشاهد سوى خوف البعض من المغاربة القادمين من الخارج، فالبعض رغب في عدم عودتهم.
كما أوضح أن المغرب تتبع إجراءات صارمة في التعامل مع أزمة كورونا "ارتداء الكمامات إلزامي للجميع، وعقوبات مادية لمن لم يرتديها"، كما يُسمح لشخص واحد فقط من الأسرة للخروج من أجل شراء الملتزمات، كذلك فرض راتب شهري للأشخاص غير المصرح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي وأصحاب المهن الحرة.
يبدو أن الأمر ليس سيئًا في المجتمعات العربية بذلك الشكل، حتى داخل الدول التي حدثت فيها مشاهد رفض الدفن، فعلى جانب آخر قام أهالي قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ، بوداع يليق بمتوفية كورونا، ذلك يوم الأحد الماضي، حيث اصطف الأهالي مُتباعدين أمام المقابر التي ستُدفن فيها السيدة، وذلك بناء على ترتيب من أطباء القرية الذي استعدوا لذلك بشكل جيد، عبر تعليمات ألقوها على أهالي القرية.
أما في قرية شبرا البهو فحين رأى إسماعيل مشهد رفض الدفن أمامه، تأذى نفسيًا كثيرًا وحزن لما واجهه زوج المتوفية، دكتور محمد الهنداوي، فيقول "دكتور محمد من الناس المحترمة اللي خدمت البلد"، وتنامت رغبة داخله بجمع أهالي القرية للاعتذار للهنداوي، مع التأكيد على أن من رفضوا الدفن غير مُعبرين عنهم، حتى أن إسماعيل كتب اعتذارًا على الفيسبوك يقول فيه إن تلك الأعمال لا تمثل القرية أبدًا.
لا يستغرب الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، ما يجري في المجتمعات العربية، وليس مصر فقط، ويوضح أن تلك الحوادث تقوم في المناطق الفقيرة والمهملة من قِبل الحكومة "تم إهمالها ثقافيًا وتعليميًا وحماية صحية"، كما أن واحدة من دوافع هؤلاء الرافضين هو عدم ثقتهم في الرسالة الإعلامية، فيقول صادق "صحيح الرسالة الإعلامية تصل للجميع ولكن درجة التجاوب تختلف من شخص لآخر".
ويرى أستاذ علم الاجتماع أن الحل في إدارة الأزمة من قِبل القيادة السياسية والأمنية والإعلامية، ويجب التركيز على وجود عقوبات رادعة مثلما حدث في شبرا البهو، حيث تم القبض على عدد من المحتجين.
وعلى جانب آخر يرى صادق أن المجتمع المصري لديه شعور بجلد الذات مصاحب له دومًا "دايمًا شايفين نفسنا إن إحنا سيئين"، ورغم وجود العديد من الإيجابيات فإنها على الأغلب لا تُرى، ويؤمن أستاذ علم الاجتماع بدور الإعلام في تسليط الضوء على المشاهد الإيجابية مثلما حدث في قرية شباس عمير "التركيز على الإيجابيات هيعمل فرق مع الوقت".
فيديو قد يعجبك: