بالصور والفيديو- ما الفرق بين جنازة "مبارك" ورؤساء سابقين لمصر؟
كتب- محمد مهدي:
عند موت رئيس دولة، تتجه الأنظار تجاه جنازته، الاستعدادات الخاصة لها، أبرز الحضور، المكان الذي اختير لاستضافة الحدث، تفاصيل الصلاة، ودائمًا ما تحمل الجنازة بين طياتها حكايات عن الحزن تارة والصدمة تارة، ودلالات على شعبية الراحل وبصمته في فترة حُكمه، في هذا التقرير نرصد جنازة رؤساء سابقين لمصر أخرهم محمد حسني مبارك، ومن قَبله محمد أنور السادات، وأيضًا "جمال عبدالناصر".
الشعب يودع "ناصر"
بدا على الرئيس جمال عبدالناصر الإنهاك بينما يودع رؤساء وملوك الدول التي حضرت إلى القاهرة لقمة عربية طارئة في أواخر سبتمبر 1970، لكن لم يتوقع أحد أن الموت يقترب من "ناصر" لذا حينما سائت حالته بعدها بساعات وتوفي على فراشه، طغى الارتباك على المشهد، لم يُصدق أحد حينها موته، عجزت العقول عن التَصرف، لكن الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، الذي شغل في هذا التوقيت منصب وزير الإعلام، كان متماسكًا، فَكر في كيفية إقامة الجنازة وفق القواعد الرسمية لذلك طلب إحضار الملفات الخاصة بجنازة الملك فؤاد من قصر عابدين للتعرف منها على كيفية إتمام جنازة "ناصر" -وفق مقال للكاتب صلاح منتصر.
كان على "محمد أنور السادات" نائب"ناصر" في السبعينيات، أن يتصدر المشهد خلال التجهيز للجنازة، التي قُرر لها أن تكون في الأول من أكتوبر من العام ذته، تحديدًا يوم خميس، بعد عقد اجتماعات ومشاورات للجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء لبحث الطامة الكبرى للبلاد، وأيضًا استقبال الوفود المختلفة الدولية والشعبية داخل قصر القَبة، إذ وصل إلى مصر الرئيس جعفر النميري من السودان، والرئيس عبدالسلام جلود من ليبيا، و هواري بومدين، رئيس الجزائر، وأيضًا رئيس الوزراء السوفيتي على رأس وفد كبير، ونور الدين أتاسي رئيس سوريا، وياسر عرفات القائد العام للثورة الفلسطينية، والملك حسين بن طلال، رئيس المملكة الأردنية، وغيرهم من أنحاء العالم.
في ساعة مبُكرة من يوم الوداع، التف عدد من الجنود حول نعش الفقيد الذي وضع عليه علم البلاد، داخل القاعة التي طالما اعتاد "ناصر" على استقبال وفود العالم فيها داخل قصر القُبة، بينما نُكست الأعلام، قبل نقله بطائرة هليكوبتر إلى منطقة الجزيرة بالقاهرة، أمام مبنى مجلس قيادة الثورة، لبدء تشيع الجنازة من هناك، حيث تقدم المشيعين "السادات" إلى جانبه أبناء "ناصر" وأسرته، رفقة الملوك والرؤساء ووفود البعثات الأجنبية، يتقدمهم الجثمان على عربة وحاملوا النياشين والأوسمة الخاصة بالراحل، وتحرك الموكب مخترقا ببطء كوبري قصر النيل.
كان الزحام شديدا، حضر المواطنين من كافة المحافظات لحضور اللحظات الصعبة، الناس يندفعون ناحية الجثمان، كلا يعبر بطريقته، الصراخ، البكاء، لَمس النعش، علت الهتافات "لا إله إلا الله، عبدالناصر حبيب الله"، "عبدالناصر يا حبيب، عمر الثورة ما حتخيب" فيما حملوا لافتات كُتب عليها "إلى جنة الأبرار يا جمال"، حتى وصلوا إلى وجهتهم الأخيرة، مسجد "ناصر" بكوبري القُبة، وداخل المسجد الذي شيده الراحل، وقف الإمام الأكبر وشيخ الأزهر في المقدمة، يُصلي بالحضور صلاة الجنازة -وفق مُذيع التلفزيون- قبل أن يتحلق كبار رجال الدين حول الجثمان، تنهال الدعوات والتلاوات، ثم نُقل داخل مدفنه بالمسجد فيما يُقبل جنود ومواطنين النعش قبل أن تنتهي الجنازة، التي كتب عنها الأخبار "العالم يبكي" فيما وثقت جريدة الأهرام للحدث بمانشيت "الدنيا كلها في ذهول من الفاجعة".
السادات.. المشهد الأخير
كانت الصدمة قاسية حينما اغتيل الرئيس الأسبق محمد أنور السادات خلال العرض العسكري للاحتفال بنصر أكتوبر المجيد 1981، لساعات اتسعت رقعة القلق في أنحاء الجمهورية، حلت الغيوم على سماء القاهرة، سقوط قائد الدولة على يد الإرهاب مفاجأة ثقيلة، لكن سرعان ما استعادت السلطات السيطرة على الأمور، وكان لزاما الإعداد لجنازة رسمية عسكرية شعبية -كما أُذيع في نشرة التلفزيون المصري حينها- لقائد الحرب والسلام.
أصدر رئيس الجمهورية المؤقت صوفي أبوطالب قراراته بسرعة التجهيز للجنازة، تقرر تشييع الجثمان بعد حادث المنصة بأيام -وفق صحفية الأهرام- تحديدًا يوم سبت، في انتظار وصول وفود من مختلف دول العالم للمشاركة، والتي بدأت في المجيء إلى القاهرة بعد الاغتيال بساعات قليلة حتى ليلة الوداع لـ "السادات" إذ حضر رؤساء حاليين -حينها- وسابقين وزعماء دول ومسؤولين كبار من 80 دولة و 4 منظمات دولية، فيما أعلنت وزارة الداخلية عن خطة لتحويل حركة المرور في شارع طريق النصر وأيضًا شوارع إسماعيل الفنجري ويوسف عباس والطيران بمدينة نصر خلال ساعات الجنازة.
وحددت وزارة الداخلية مواعيد غلق تللك المناطق من الساعة السادسة فجرا وحتى انتهاء مراسم الجنازة، وعدم السماح بدخول السيارات في منطقة حمل النعش إلا لمن يحمل تصاريح الدخول -وفق بيان الداخلية- وهم كبار رجال الدولة وأعضاء السلك الدبلوماسي وأعضاء مجلسي الشعب والشورى فضلًا عن رؤوساء النقابات المهنية، وسيارات الوفود الشعبية التي سيمسح لها المشاركة في الحدث الأهم في البلاد.
وفي اليوم المنشود بدأت المراسم بالصلاة على جثمان "السادات" في مستشفى القوات المسلحة بالمعادي قبل أن يُنقل بطائرة هليكوبتر في اتجاه ساحة نادي السكة الحديد بمدينة نصر، ومن هناك تحرك ركب الجثمان بالسيارات وسط قوات أمنية قبل أن يصل إلى منطقة تشييع الجنازة ليُنقل وسط أجواء قاتمة وحزينة على عربة مدفع، تحركت بينما يتقدم المعزين رئيس الجمهورية المُرشح وقتها -محمد حسني مبارك، بجانبه "أبوطالب" وإلى جواره المهندس جمال السادات، نجل الرئيس الراحل، والسيدة "جيهان السادات" وكبار رجال الدولة ورؤساء الدول والوفود، من بينهم رؤساء أمريكا السابقون "جيمي كارتر" و" جيرالد فورد " و" ريتشارد نيكسون".
وجوم وبكاء وتأثر طاف على وجوه الحاضرين في جنازة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كانت الموسيقى العسكرية حاضرة، وأصوات المُحبين لتاريخ الرجل الذين قطعوا مسافات طويلة من أجل حضور هذا الحدث العام في تاريخ بلاد لم تشهد منذ ثورة يوليو اغتيال زعيم الدولة، قبل أن يصلوا إلى المدفن المُخصص لبطل حرب أكتوبر الذي تم إعداده بالقُرب من النصب التذكاري، دُفن الرئيس فيما خرج آلاف من المواطنين في شتى الجمهورية يهتفون باسم الراحل في انتظار الإعلان الرسمي عن رئيس البلاد القادم.
مبارك.. نهاية حقبة وجنازة عسكرية
بعد أيام من وجوده في العناية المركزة بمستشفى الجلاء العسكري، توفى الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في 25 فبراير 2020 عن عمر يناهز 92 عاما، بسبب قصور مزمن في الكلى ورفرفة أذنية في القلب -وفق تصريح الدفن الخاص به- وتم إعلان الحداد لمدة 3 أيام في البلاد، وإعداد جنازة عسكرية للراحل يحضرها كبار رجال الدولة، على أن تقام في مسجد المشير محمد حسين طنطاوي بالتجمع الخامس.
على مدار ساعات خلال التجهيز للجنازة، نعت دول عربية عديدة وفاة الرئيس الأسبق "مبارك" حيث نكست الإمارات أعلامها، وأرسل الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود برقية عزاء ومواساة في الرئيس السابق، وأيضًا برقية من أمير الكويت تعبر عن خالص تعازيه، وبرقية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فضلًا عن نعي من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط.
وعلى متن طائرة عسكرية وضع النعش في يوم الجنازة، وتم حمله من محيط مستشفى الجلاء العسكري إلى مسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس، قبل أن يُنقل إلى الداخل لأداء صلاة الجنازة التي تقدمها الشيخ حجاج الهنداوي، قاريء المسجد، في حضور أبناء الرئيس الراحل "جمال" و"علاء" وحفيده "عمرو" بجانب عدد من أفراد الأسرة، وأيضًا السكرتير الخاص وحارسه الشخصي الأسبق، وعدد من كبار رجال الدولة، واضطر الإمام إلى إعادة الصلاة بعد حدوث حالة من الهرج نظرًا للزحام، قبل أن يُحمل النعش إلى الخارج حيث بدأت مراسم الجنازة العسكرية بوضعه على عربة مدفع أمامهم حاملو النياشين والأوسمة التي حصل عليها الراحل خلال فترة حكمه لمصر.
وتقدم موكب الجنازة، الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وأسرة "مبارك" والرئيس الأسبق "عدلي منصور" ورئيس الوزراء "مصطفى مدبولي" والإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بجانبهم الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين وأعضاء مجلس النواب، وقيادات من القوات المسلحة، فيما أطلقت المدفعية 21 طلقة ضمن مراسم التشييع، وتحرك الموقف في صمت وإجلال للمشهد.
في الخارج كان عدد كبير من المواطنين قد وصل إلى مكان الجنازة لكنهم لم يتمكنوا من الدخول، فيما علت عدد من اللافتات المرسوم عليها وجه الرئيس الأسبق، أو صور له، بينما يدعون له بالرحمة ولأهله بالصبر والسلوان، وسط تشديدات أمنية مكثفة في محيط مسجد المشير طنطاوي، قبل أن يتم نقل الجثمان إلى مقبرة الأسرة بشارع كلية البنات بمصر الجديدة وسط تجمع لعشرات من أنصار "مبارك" الذي ألقوا النظرة الأخيرة عليه قبل أن يُدفن.
فيديو قد يعجبك: