إعلان

"الناس والطبيعة" في لوحات "زينب محمد علي".. كيف كانت مصر ولبنان في القرن العشرين؟

06:46 م السبت 05 ديسمبر 2020

لوحات زينب محمد علي

كتب- محمد زكريا:

كيف كانت مصر ولبنان في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي؟.. في معرض بعنوان: "مصر ولبنان.. الناس والطبيعة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين"، ربما بعضًا من إجابة على السؤال هذا، من وحي رسومات الفنانة الرائدة زينب محمد علي (1921-2015)، والتي لونت رسوماتها واقع الناس والطبيعة في البلدين الشقيقين خلال تلك الفترة.

أرادت عائلة زينب أن تمجد رحلتها "كنا حابين اسمها يُخلد، والمصريين يعرفوا مصر كانت شكلها ايه بفكر وخط زينب محمد علي، فقررنا نوثق لوحاتها التراثية المعبرة عن مصر ولبنان، في معرض يحضره الناس العاديين اللي جدتي كانت شايفة أنهم فنانين بالفطرة" تقول مروة علاء الدين حفيدة الفنانة الراحلة. توجهت الأسرة إلى قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، "كان فيه حفاوة كبيرة بفكرتنا وشغلها وفنها، لأن الحقبة دي في الفن التشكيلي مكتنش موثقة وحاضرة بقوة، كمان تمكن جدتي وإنتاجها الغزير والراقي زود الاحتفاء بها كفنانة رائدة في زمنها". ليُقرر تدشين معرض: "مصر ولبنان.. الناس والطبيعة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين"، والذي ينطلق يوم الثلاثاء 8 ديسمبر، ويستمر حتى 19 ديسمبر 2020.

صورة 1

ولدت زينب محمد علي بحي شبرا في القاهرة في 1 مارس 1921، لأسرة عصرية ربها متفتح، "والدها كان شايف إنها نابغة، فدخلها المدرسة عشان تتعلم في وقت مكنش تعليم البنات حاجة متعارف عليها أوي" تقول مروة حفيدة الفنانة لـ"مصراوي"، أحبت زينب الرسم والألوان، فيما بدا أن للطفلة موهبتها الخاصة، حصدت الجائزة الأولى في معرض رسوم التلاميذ على مستوى القطر المصري، الذي أقامه اتحاد أساتذة الرسم لأول مرة في تاريخ مصر بمتحف الشمع بشارع القصر العيني وقتها، على مدى الثلاث سنوات الأخيرة لها في المرحلة الثانوية (1939- 1940- 1941)، وكانت الرسوم التي استحقت عليها الجوائز هي: ("المولد" بالألوان المائية 1939- "من النيل وللنيل" بألوان الجواش 1940 وهي شعار المدرسة- "الصيف في الريف" بألوان الجواش 1941).

تخرجت زينب في المعهد العالي للتربية الفنية للمعلمات عام 1946، قبل أن تنتدبها وزارة المعارف المصرية لتدريس الرسم والأشغال الفنية بكلية المقاصد الإسلامية للبنات في بيروت من عام 1946 إلى عام 1954، وكان لها كبير الأثر في تغيير أسلوب الرسم هناك، فبعد أن كان التدريس يعتمد على النقل والتقليد من المجلات، أو الرسم على السبورة، أو التكبير من البطاقات المصورة، جاهدت في تغيير أسلوب النقل إلى أسلوب الابتكار والإبداع والتعبير الحر، حتى تساعد في تنمية مواهب التلميذات وقدراتهن الفنية على الخلق والابتكار: "كانت بتقول للطالبات المصريات أرسموا لبنان اللي في خيالكم، وتقول للطالبات اللبنانيات أرسموا مصر اللي في خيالكم".

صورة 2

أقامت زينب بمجهودها الشخصي المعرض الأول لرسوم طالباتها اللبنانيات في قاعة "متحف الفن الحديث" بشارع قصر النيل بالقاهرة في مارس عام 1951، وأقامت في أكتوبر عام 1951 معرض رسوم التلاميذ المصريين بقاعة مكتبة كلية المقاصد الإسلامية للبنين في بيروت، فيما أقامت المعرض الثاني للطالبات اللبنانيات بمتحف الفن الحديث أيضًا في مارس 1954، وقد أدت هذه المعارض المتبادلة الهدف المرجو منها في تبادل الخبرات بين الطلاب المصريين واللبنانيين، كما كان للجوائز المتبادلة للطلاب المتميزين في القطرين الشقيقين كبير الأثر في رفع المستوى الفني والتعرف على البيئة اللبنانية والمصرية من خلال الرسوم التعبيرية الصادقة للتلاميذ.

قامت زينب ببعض التجارب الرائدة المستحدثة في زمنها، مثل الرسم التوضيحي في عمل الكتيبات والأغلفة والتجليد البسيط ليكون العمل الفني متكاملًا، كما قامت بتنفيذ بعض المشغولات الفنية على الخامات المتنوعة المتوفرة في البيئة لأغراض نفعية تصلح للطالبة في بيئتها المنزلية أو المدرسية في بيروت.

بعد انتهاء فترة انتدابها بكلية المقاصد عام 1954 عادت إلى مصر، وشغلت وظيفة مُدرسة تربية فنية بمعهد المعلمات الخاص بالإسكندرية من عام 1954 إلى عام 1957، فيما قامت بعمل تعارف بين طالباتها بالإسكندرية وطالباتها بكلية المقاصد الإسلامية في بيروت عن طريق تبادل الرسائل المصورة برسومهن وهي فكرة جديدة لتذوق الرسوم التعبيرية والتعرف على العادات والتقاليد والصناعات البيئية حيث كانت تنتقدها معهن نقدًا فنيًا للاستفادة منها.

صورة 3

دشنت زينب بأسلوب متجدد ومبتكر "مشروع التذكارات الشعبية السياحية" بمدارس البنات، وخارجها مع السيدات الحرفيات، وكانت أول خطوة من خطوات المشروع هي طباعة البطاقات التذكارية المعبرة عن البيئة من رسم الطالبات للمرة الأولى، لنشر الوعي الفني وتذوق رسوم التلاميذ واحترامها وتقديرها بين البسطاء.

جاهدت زينب مع السيدات الحرفيات لإحياء الصناعات اليدوية القديمة الموروثة في أسيوط مثل: (التلي- الخرز- الأويه- اللبد- العاج- النسيج- السجاد وغيرها)، وتم تنفيذها بأساليب فنية لتكون صالحة كتذكارات سياحية شعبية وذلك بأجور محترمة ساعدت على رفع المستوى الاقتصادي لهؤلاء السيدات الحرفيات، ومن هنا بدأ مشروع الأسر المنتجة الذي اقتنع به المسؤولون بوزارة الشؤون الاجتماعية وأخذ في التطبيق والاتساع كما هو الآن.

أهم أعمالها بمنطقة "وسط القاهرة التعليمية" هو "مشروع سيناء"، بعد انتصارنا على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر عام 1973 أقامت معرض "سيناء والصداقة العربية الإفريقية" من إنتاج الطالبات وكذلك المدرسات بـ"مبنى الاتحاد الاشتراكي كورنيش النيل" وذلك في أبريل عام 1975، وافتتحته "جيهان السادات"، حيث أشاد الجميع بفكرة المعرض الرائدة في هذا الوقت، وسجلوا آراءهم وخواطرهم في دفتر زيارات المعرض.

أنهت زينب خدمتها بالوزارة في يونيو عام 1981، فيما تركت إرثًا كبيرًا. "تبني جدتي للمدرسة الواقعية، أنتج تراثًا غزيرًا وتوثيقيًا لفترة الأربعينيات والخمسينيات، صور مصر ولبنان بواقعية شديدة" تقول مروة.

صورة 4لم يكن اختيار العام الحالي زمنًا للمعرض عشوائيًا، رغم الصعوبات التي فرضها كورونا على العالم ومصر والتجمعات والمعارض الفنية، "مامتي أصرت المعرض يتعمل السنة دي، عشان جزء من لوحات جدتي الفنانة زينب بتحتفي بمهنة التمريض والطب، فشوفنا أن ده هيكون تكريم منا لمهنة الطب والأطباء السنة دي، اللي هيدي طاقة إيجابية ليهم ولنا"، لكنهم حرصوا خلال المعرض على الالتزام بالاحترازات الطبية، حفاظًا على الأرواح.

في 7 نوفمبر 2015، توفيت زينب محمد علي، تاركة ورائها مجموعة فريدة من اللوحات الفنية، التي تسجل مشاهد مفعمة بالإنسانية والجمال عن البشر والطبيعة والأمكنة في مصر ولبنان في القرن العشرين.

راقت فكرة المعرض لكل من سمع عنه كما تقول مروة: "في دايمًا حنين لكل ما هو قديم، كمان الناس عندها فضول تتفرج على لوحاتها"، لذا تتوقع الشابة أن ترتفع نسبة الحضور، فيما تخطط العائلة لمعارض أخرى: "هيكون في معارض تانية بموضوعات مختلفة وزوايا جديدة، جدتي إنتاجها غزير جدًا ومنوع، وفي موضوعات كتير تصلح تبقى عنوان لمعرض جديد".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان