إعلان

بسبب كورونا.. مصورة مصرية تؤسس منصة لحكايات "اللي مشيوا بدون وداع"

03:31 م الأربعاء 02 ديسمبر 2020

منصة الوداع المفقود لحكايات الراحلين بسبب كورونا


كتبت- شروق غنيم:

مرّت ثلاثة أعوام ولايزال الحدث يسكن وجدان هبة خميس، أبريل من عام 2017؛ بينما تدرس التصوير في ألمانيا، يدخل والدها في وعكة صحية تُلزمه المستشفى "أوضته مكنش فيها شبكة، مكنتش عارفة أكلمه أو أشوفه بسبب السفر"، في الثالث عشر من الشهر نفسه، تصعد روح والدها إلى البارئ، أخفت أسرته النبأ خوفًا عليها "يومها كنت لسة خارجة من السفارة بقدّم على تأشيرة لدولة تانية، كلمت أطمن عليه مقالوش حاجة، بلعب في الفيسبوك لقيت بالصدفة حد كاتب بوست إن بابا مشي".

تحفظ المصورة الشابة تفاصيل اليوم عن ظهر قلب، تستدعيه ومعه تهتّز مشاعرها كأنما حدث بالأمس "مقدرتش أخد الباسبور لأن كان وقتها عيد الفصح في ألمانيا والسفارات قفلوا، لكن السفارة المصرية فتحت مخصوص وأدوني ورقة استحقاق الدخول من غير باسبور"، ظلت التجربة عالقة في نفس هبة "جالي اكتئاب وفهمت يعني إيه تفقد حد ومتسلمش عليه، متبقاش جمب حد حبيب عليك بيتوّجع".

1

ثلاث سنوات ولاتزال التجربة بداخلها، حين انتشر فيروس كورونا المستجد، حاصدًا أرواح ملايين من العالم من دول مختلفة، عاد الحدث مُجددًا إلى هبة "الكل بيتكلم عن الاقتصاد والسياحة والعلاج، الأزمة أكبر من إن حد يتكلم عن تفصيلة جواها، إن لما شخص بيموت بسبب الوباء أهله مبيقدروش يودعوه، وهو بيمشي وحيد".

أعاد ذلك التفكير هبة إلى سيرتها الأولى، كان ذلك في مايو من العام الجاري لكنها لم تقوَ نفسيًا على الحديث عن الفكرة أو اتخاذ خطوات تجاهها "مكنش عندي استعداد اسمع تجربتي مع بابا بتتكرر كتير مع الناس"، مرت أشهر ولا يزال موقفها نفسه حتى جاءتها الإشارة حين قرأت حكاية شخص ينعي جدته الثانية التي توّفت جراء الإصابة بكوفيد19 "كان كاتب إنه تألّم عشان معرفش يقولها مع السلامة وإن أد إيه ده كان كابوس"، لذا لم تتوانَ في طرح سؤالًا عبر صفحتها على موقع انستجرام "مين فقد حد من أهله بسبب كورونا؟".

بالإيجاب انهمرت الردود على سؤال المصورة الشابة، عادت وسألت السؤال مع إضافة "هل تحب تشارك تجربة فقدان عزيز عليك دون وداع؟"، كانت الردود أقل، فقط من بين قرابة الألفي متابعًا للسؤال "اللي وافق 30 واحد لكن مش كله عنده طاقة للحكي دلوقتي".

2

عبر صفحة على موقعي فايسبوك وانستجرام باسم "The Missing Goodbyes"، تستقبل هبة الحكايات، لا تُغير فيها حرفًا، تمنح البراح التام لصاحب الحكاية أن يرويها كما يُحب، بصورة أو فيديو أو نص "وبلغة الشخص الأصلية، زي ما هيبعتها بالضبط".
في الثالث عشر من نوفمبر، نُشرت الحكاية الأولى عن "ماما جين"، سيدة أمريكية رحلت بسبب الإصابة بالوباء. على بُعد 52 ميل من منزلها، في مستشفى تدخلها لأول مرة، رحلت السيدة السبعينية وحدها، لم تتمكن عائلتها من أن تمنحها وداع يُهوّن عليها الرحلة الصعبة، تسرد ابنتها بأن كورونا سلبت أحلام والدتها بعدما تقاعدت من وظيفتها، سلبت حياتها، حرمتهم من حتى رؤيتها في لحظتها الأخيرة "لم تكن تستحق أمي كل ذلك".

3

تجربة صعبة يمر بها فاقدي أحّبتهم بفيروس كورونا، إذ لا يتمكنون من التواجد بجانبهم في لحظاتهم الأخيرة في الدُنيا "مش قادرين يشوفوهم، يحضنوهم أو يتدفوا بوجودهم معاهم، حتى في الطقوس زي الغُسل، الجنازات، ده لوحده بيسبب لنا كبشر صدمة".
من دول مختلفة كانت الردود على سؤال هبة "كلنا عايشين في حُزن جماعي، تجربة كورونا مرينا بيها بنفس الشكل والتفاصيل، وحّدت مشاعر العالم كله لأول مرة، لذا رأت أن المنصة من الممكن أن تدواي الجراح، كنوع من الاستشفاء "لما حد يفضفض ويستقبل حكايات وتعليقات إننا حاسين بيه وأفكاره، الكلام بيطبطب، وبيساعد على إننا منحسش بالوحدة".

في رحلتها للمدواة من جُرح نبت في روحها قبل ثلاث سنوات، أدركت هبة أن مشاركة المشاعر تمنح مساحة أكبر لمن فقد شخص عزيز عليه "لإننا نقدر نعيش مع المشاعر دي، عمرنا ما بنتخطى فقدان اللي بنحبهم، بيفضلوا موجودين بس بنحس بيهم بشكل تاني".



المنصة التي بدأتها المصورة الحائزة على الجائزة الأولى في مسابقة “world press photo”، قبل عام كأول مصورة مصرية تحصد اللقب، لم يكن دافعها العمل أو الصحافة حين أطلقت الفكرة "عاملاها من الناس للناس بعيد عن شغلي، مصدرها محبة ووجه وتجربة مريت بيها"، تأمل أن تصبح مشروع "الوداع المفقود" مكانًا يسكب فيه الجميع مشاعره، وأن يتشجّع أخرون لمشاركة قصصهم لتغدو "منصة لنشر الحُب، والناس تستقوى بيه في عز الأزمة والضلمة، إحنا لسة بنحب بعض وهنفضل نحب اللي راحوا، لأن المحبة بتكسب أي حاجة".

فيديو قد يعجبك: