أبطال ضد التحرش وتهريب الآثار.. قصة أول مجلة كوميكس مصرية للكبار
كتبت-دعاء الفولي:
ماذا لو أن سائق ميكروباص ألقاه حظه العثر في تِرعة ملعونة فأصبح خارقا؛ يتحكم في النيران والتراب، أو أن الإله حورس عاد للحياة وأقسم أن يُنقذ المحتاجين، أو أن ضابطا يمتلك القدرة على إلقاء التعاويذ السحرية والتنقل بين شخصيتين مختلفتين بسهولة، ماذا لو أن مدينة جوثام التي تتردد اسمها في قصص باتمان الشهيرة تحولت لقرية مصرية، أو أن الأبطال يعيشون هُنا أصلا، يحاربون فساد الأخلاق والتحرش وسرقة الآثار في المجتمع المصري.
بدأت القصة بتساؤل في ذهن الكاتب جون ماهر "ليه دايما الأبطال الخارقين اللي بنقرأ عنهم مش مصريين؟"، كبُر خريج كلية الهندسة على قراءة كُتب الكوميكس أو الرسومات التي تروي حكايات باتمان وسوبرمان وغيرهم، عام 2014 بدأ يخلق شخصيات شبيهة للتي قرأ عنها "بس مصريين"، عبر موقع فيسبوك نشر قصته الأولى عن "حورس"، ثم "ميكروباصجي"؛ الرجل العادي الذي تحول لبطل يستخدم قوته في الخير، وقتها عرض جون ما كتب على صديقه ماجد رأفت "اللي نقل خط القصص في اتجاه تاني خالص".
طوّر الصديقان حالة الكتابة، بات للشخصيات روح وفكر وهوية مستقلة، أصبح لديهم ست شخصيات مختلفة "قصدنا إنهم يغطوا نماذج كتيرة من المجتمع المصري"، ما بين الطبيبة مريم التي تكسر صورة المجتمع النمطية عن الفتيات، وتتمتع بقوى خارقة للشفاء، و"الولهان" الذي أحب مريم وانضم للمجموعة ليحميها وألفا، الكائن المتحكم في الأبطال الخارقين الستة أو الذين أسماهم الصديقان "العُصبة".
كان اللقاء بين ماجد وجون نواة لمشروع مجلة الكوميكس الأولى في مصر الموجهة للكبار "العُصبة بيحلوا مشاكل بنشوفها حوالينا كل يوم.. فساد في المحليات وغيرها"، أواخر 2014، قابلا الرسام أحمد رأفت "حسينا إننا بنتكلم نفس اللغة وبنحكي عن عوالم كنا بنحبها وعايزين نوريها للناس"، حينها فكروا في تصميم العدد الأول من المجلة.
سبعة أعداد أطلقها أصحاب مجلة العصبة منذ عام 2015، وُزّعت في عدة مكتبات. لم يكن مشوار ماجد وجون وأحمد يسيرا، حينما اجتمعوا للمرة الأولى "مكناش عارفين ممكن نطبعها فين"، فكروا في دور نشر مختلفة ضمنها كانت نهضة مصر، التي تطبع أعداد كُتيبات فلاش وسماش وماوراء الطبيعة "هي كانت الأقرب للي عايزين نعمله"، ورغم ترحيب لاقاه الشباب من المسئولين هناك "لكن الدنيا اتعطلت فيما بعد وللأسف الدنيا ممشيتش معاهم"، كما يقول ماجد.
لم يكن هناك شيئا ليوقف حُلم "العصبة"، فبينما أُغلق طريق "نهضة مصر"، سمع الثلاثة عن مهرجان "كايرو كوميكس" الذي عُقد للمرة الأولى عام 2015 "مفكرناش كتير.. اتفقنا نطبع 1000 نسخة من أول عدد كنا خلصناه"، خرج العدد الأول للنور أخيرا، وتلقى أحمد وماجد وجون ردود فعل حيّة تجاه المشروع.
كان العدد الأول مُكونا من ٨ صفحات فقط، في ملتقى الكوميكس كانت قلوبهم تدق خوفا من تعليقات الحضور، رويدا تسرّب الاطمئنان إليهم "الناس بدأت تبص على المجلة وتقولنا كلام حلو"، حتى أن أحدهم قال "إنه خايف يتعلق بينا وبعدين منطلعش تاني"، فيما جاءتهم عدة ملاحظات مختلفة "أهمها إنه ياريت يبقى العدد ملون"، خرج أصحاب "العصبة" من الملتقى أكثر ثقة "حتى لو بنصرف على المجلة من فلوسنا هنفضل مكملين" كما يقول جون.
خطوات "العُصبة" ثابتة؛ مازال يتذكر ماجد المرة الأولى التي حضروا فيها أمسية توقيع "العُصبة" عقب صدور العدد الثاني، داخل مكتبة ديوان سنحت فرصة ثانية للأصدقاء للتواصل مع الجمهور، في تلك الفترة بات لكل شخصية من الأبطال خط مستقل، يجمعهم مساعدة الناس، وفي الخلفية ثمة محاولات عديدة خاضها ماجد وجون للعمل على الشخصيات "كنا حاطين في دماغنا إخراج لكل شخصية، لما تتكتب هتقول إيه وإيه التصرفات المتوقعة منها وسماتها عشان نربطهم بالناس"، ذلك ما فعله أحمد أيضا خلال الرسم.
استلهم أحمد عمله من أشخاص حقيقيين، أو موجودين في الثقافة المصرية "مثلا حورس القناع بتاعه من الموروثات الفرعونية، على عكس الولهان كان خليط من شخص أصوله بدوية وبيلعب فنون قتالية زي النينجا، بس كان لازم شكله النهائي يكون مصري"، لم يتغير شكل الشخصيات كثيرا رغم تطور الملابس، ومع الوقت بات أبطال المجلة أصدقاءً لأحمد "فكرة انك تخلق حاجة من الصفر وتشوفها من روح ودم على الورق حاجة ممتعة جدا"، غير أن الأمر لا يخلو من ضغوط "احنا بنشتغل لوحدنا.. في مجلات الكوميكس بيبقى فيه فريق كامل شغال" يجعل ذلك العبء أكبر على أحمد، إذ يستغرق الانتهاء من عدد واحد حوالي شهر ونصف.
يتشارك أحمد وماجد وجون هموم مختلفة متعلقة بمشروعهم، فبينما يجعل التمويل الأمور أصعب، مازال كثيرون يخلطون بين كتب الأطفال والكوميكس، ينزعج ماجد حين يرى أين وصل فن الكوميكس في الخارج "واحنا هنا عندنا حضارة كبيرة وتفاصيل يتعمل منها موسوعات ولسة الفن دا مش واصل عندنا"، حاول أصحاب العصبة مناقشة قضايا مختلفة في كل مرة، وأن تكون الشخصيات ملهمة لمن يقرأ "إنه مثلا مريم ازاي بتواجه التحرش، ومش ماشية على الخط اللي بعض المجتمع بيرسمه للبنات" كما يقول جون، فيما كانت أفكارهم فرصة للتعاون مع حملة "آثارنا المتغربة".
قبل أشهر عملت الباحثة هبة عبدالجواد على مشروع يروي كيف خرجت الآثار المصرية لبريطانيا "لأنه فيه كتير منها اتهرب زمان وأد إيه هناك فيه إقبال عليها رغم إنها بتاعتنا"، استخدم المشروع الطرق التعليمية والفنية للتوعية بتلك الآثار، ضمنها كان أحد أعداد مجلة العصبة كما يحكي ماجد "بنحاول نوصل معلومة للناس إنه إزاي آثارنا متاخدة وكان اللي بيتقال إنهم بياخدوها عشان يحموها رغم إن دا مش حقيقي"، ظل التحدي أمام فريق المجلة رسم الأفكار المتشابكة والتاريخية التي تناقشها هبة "بس بشكل هزلي ويوصل للناس"، وذلك ما حدث، إذ لاقى العدد قبولا واسعا "من الكبار والصغيرين".
مازالت رحلة "العصبة" مستمرة، يمشيها الأصدقاء الثلاثة رغم الأزمات، تتعرقل المسيرة أحيانا، أو تنتعش بخطوة جيدة، كما حدث قبل حوالي عامين، حين نشروا عددا من المجلة عبر موقع أمازون للمرة الأولى "لقينا ريفيوهات اتكتبت عننا حلوة جدا واتفاجئنا بيها"، أكثر ما أسعدهم "الناس كتبوا إنهم شافوا أبطال من بقعة مختلفة تماما من العالم ليهم هموم وبيحلوا مشاكل بلدهم" حسب قول جون. شجّع ذلك صانعو "العصبة" على ترجمة بعض الأعداد باللغة الإنجليزية.
لم تعد الإصدارات كذلك مقتصرة على الطباعة "بقى متاح الناس تشتري النسخ أونلاين ودا حلو عشان نتواصل مع اللي في دول بعيدة"، يعمل صانعو العصبة على العدد المُقبل، مازال التمويل عثرة في رحلتهم، لكن ما يلقونه من دعم المتابعين يكفي لتمهيد الطريق، تتفرق أماكن إقامتهم بين مصر وبريطانيا وكندا، غير أن عهد "العصبة" باقٍ، من مصر حكايات كثيرة ينتظرون روايتها، ينزعجون من نظرة البعض للكوميكس "إنه للهزار والتريقة بس"، فيما يتذكرون جُملة كتبها الرسام الأمريكي الشهير "ستان لي" في أحد مقدمات كُتبه عن الكوميكس "إنهم مديونين للحضارة المصرية اللي كانت من أوائل الثقافات اللي عملت كوميكس على جدران المعابد ووثقت الحياة اليومية.. دا بيخلينا نحس إننا نقدر نكون حكائين بالفطرة".
فيديو قد يعجبك: