"تحويشة" رجل المستحيل.. كيف قرأ أطفال الثمانينات روايات نبيل فاروق؟
كتبت- شروق غنيم:
مرّ قرابة ثلاثين عامًا ولا يزال تحتفظ ذاكرة حسام الخولي بالتفاصيل؛ حين عرف طريقه للقراءة مُذ كان في التاسعة من عُمره، هدية من أحد أقاربه تحمل اسم رجل المستحيل، كانت كفيلة لتحويل دفة روتين الصغير حينها، نما شغف كبير تجاه السلسلة، لذا لم يتوانَ في إدخار مصروفه من أجل الحصول على باقي الأعداد.
حكاية الخولي مع الإدخار لأجل السلسلة مرّ عليها من أحّب وارتبط بالسلسلة من جيلي الثمانينات والتسعينات، لذا يعتبرها الرجل الأربعيني حاليًا من أسباب تفرُّد الكتب، إذ جمعت تفاصيلها الصغار حتى إن لم يلتقوا "رجل المستحيل وملف المستقبل جزء مفصلي في تكويينا الشخصي، خصوصًا إننا كأطفال كانت متوفرلنا ميكي وسمير وندخل على الأدب من خلال نجيب محفوظ، مكنش في وسط فكان كتير يقعوا من سكة القراية، كتب دكتور نبيل كانت الجسر بين المرحلتين في القراية".
يذكر الخولي أول عدد وقعت عليه عيناه، الهدية غير المألوفة التي استقبلها من خاله "مكنش وقتها متعارف على النوع ده من الهدايا، كان العدد اسمه أفعى برشلونة ومن كتر حماسي للخيال كنت عايز اقرأ العدد اللي قبله عشان أعرف إيه حصل، ومن هنا رحلتي استمرت مع السلسلة".
كان يدخر الصغير من مصروفه المدرسي ليكوّن جنيهًا هو ثمن العدد، حتى سافر برفقة أسرته إلى السعودية "هناك الأعداد كانت نادرة جدًا ولو لقيناها بتبقى غالية"، معها تغيرت طريقته في طلب المصروف من عائلته، يضحك إذ يذكر "كنت بتحايل على فكرة المصروف إني أطلب زيادة عشان أجيب حاجة ليها علاقة بالمدرسة، وبعدين أفضل أحوّش لغاية ما أكون ثمن كذا عدد"، ثم تبدأ رحلة البحث عن مكان يبيعها "كإني لقيت لقيّة، كنت بعمل البدع عشان أوصل للسلسة".
أول أمس؛ غيّب الموت الكاتب نبيل فاروق عن عُمر 64 عامًا إثر أزمة قلبية، ليترك حُزنًا في أعماق مُحبيه، ومعها اجتراء ذكريات طفولة تشكّلت على كتاباته. وولد نبيل فاروق في 9 فبراير 1956، واشتهر بالأدب البوليسي والخيال العلمي، صدرت له مجموعة كبيرة من القصص عن المؤسسة العربية الحديثة في شكل كتب جيب، وقدّم عدة سلاسل قصصية، من أشهرها: "ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000"، ولاقت قصصه نجاحًا كبيرًا في العالم العربي، خاصة عند الشباب والمراهقين.
في الإمارات حيث كانت تعيش أسرة تامر حبشي، قضى طفولته ومن بين دّفتي كتب الجيب كان يعود إلى الوطن، دفقة مشاعر كانت تجتاح حبشي بينما كان في الصف الإعدادي " كان بيزرع حب مصر في كل صفحة، وكل سطر بيكتبه، والأعداد دي وساعدتني في الغربة، وكانت سبب في إني اختار الكلية العسكرية أقدم فيها عُمري لخدمة بلدي".
كما باقي جيله، لازال يذكر صاحب الـ47 عامًا بداياته مع قراءة الأعداد حين كان برفقة والده في دولة الإمارات "قريت قصتين عند حد من زمايلي واحدة لرجل المستحيل والثانية ملف المستقبل، القصص عجبتني جدًا، وفضلت أحوّش من مصروفي لغايه لما نزلت مصر في صيف 1989".
بمعدل نصف جنيهًا يوميًا أخذ حبشي يدخّر من مصروفه المدرسي حتى الإجازة، وبلهفة قدِم الصغير إلى مصر، توجه إلى منطقة سور الأزبكية للبحث عن الأعداد "كان سعره وقتها جنيه لأنه كان مستعمل، اشتريت تقريبًا 50 عدد ورجعت بالكنز ده الإمارات" ليعود إلى متعته الخالصة بقراءة الكتب "والإجازة اللي بعدها كنت حوّشت مبلغ جديد عشان أِشتري أعداد تانية".
انكّب حبشي على دراسته لكن أيضًا لم تخلُ قراءاته من سلستي رجل المستحيل وملف المستقبل "بابا كان ع امل وقت للقراية في البيت، وأنا كنت بقرأ أكثر في الإجازة، لكن الخولي لم يكن يقوَ على الصمود أمام الكتب "كنت بخبيه جوة كتب المدرسة وأعمل نفسي بذاكر، وساعات كنت بتقفش للأسف".
أُسر الخولي بملف المستقبل أكثر من سلسلة رجل المستحيل "كنت بتأثر بالفانتازيا والخيال العلمي، ولسة فاكر أعداد كان بيحصل فيها ملاحم"، ظل متابعًا جيدًا على مدار سنوات حتى صار في عامه الـ14 "كنا رجعنا مصر، ولما كان بيبقى في ندوات لدكتور نبيل كان لازم أروح له أحضر"، يذكر إحداهم حين تحدث عن تحويل رجل المستحيل إلى فيلم "لكن المشروع محصلش لحد دلوقتي"، ظل الرجل الأربعيني متابعًا لمسيرة الكاتب الراحل "بس يمكن كتاباته وأرائه مبقتش تناسبني كل لما بكبر"، غير أنه ظل ممتنًا له على ما قدمه لمشاعره وخياله حين كان صغيرًا، كذلك يشعر حبشي الذي قرر أن يُمرر التجربة نفسها إلى صغاره "كل الأعداد اللي كنت بشتريها أديتهالهم".
فيديو قد يعجبك: