بعد رحيل نبيل فاروق.. حكايات القرّاء مع صاحب "البلورة المسحورة"
كتبت-دعاء الفولي:
مازالت الكاتبة عُلا الشربيني تحتفظ بالصورة المهتزة التي التقطتها جوار الراحل نبيل فاروق عام 2017، لها مكانة خاصة في قلبها، تمتن للحظ السعيد الذي جعلها تعمل مع فاروق خلال العام الماضي، قبل أن يفارق الحياة أمس دون أن يرى آثار التجربة.
غيّب الموت بالأمس، الكاتب نبيل فاروق عن عُمر 64 عاما إثر أزمة قلبية، ترك حكايات يرويها مُحبوه، من قرأوا له ولم يقابلوه قط، ومن التقوه خلال العمل، حينما يُذكر اسمه تُستعاد ذكريات المراهقة، كُتب رجل المستحيل وملف المستقبل، لهفة المنتظرين لصدور الأعداد الجديدة، تخزين جزء من المصروف الشخصي لشرائها، ومقاومة القراءة خلال فترة الامتحانات، تفاصيل باقية رغم رحيل من تسبب فيها.
قبل أن تقابله، قرأت عُلا أعمال الراحل فاروق، لذا لم تكن لتفوت فرصة اللقاء في إحدى ندوات كتبه "في 2017 شوفته لأول مرة، مكنتش مصدقة نفسي"، تضحك الكاتبة متذكرة كيف التقطت بالكاد صورة لجانبه "ولما روحت لقيتها مهزوزة زعلت جدا عشان اتخيلت إني مش هشوفه تاني.. بس الدنيا صالحتني وقابلته بعدها"، بعد إطلاق كتابها الأول، جاءت الفرصة لعُلا للنشر مع المؤسسة العربية الحديثة "ساعتها وبما إنه أحد أهم كُتابها اتقابلنا أكتر من مرة"، لكن فرصة أخرى أُتيحت لعلا "لما بقى هو مدير النشر في المؤسسة، ساعتها اشتغلنا سوا على مشروع واحد".
كان حُلم الكاتب الراحل أن يُصدر كتابا يجمع 13 قصة لهواة "ويطلق عليها اسمه وتطبعها المؤسسة العربية الحديثة عشان دا يكون دفعة ليهم في مستقبلهم"، بدأت عُلا العمل على المشروع معه منذ أواخر 2019 "اكتشفت إنه لو كنت بسمع عنه كل خير فالخير دا ميجيش حاجة في حقيقته الحلوة"، كانت عُلا تشعر بالتوتر كلما قابلت كاتبها المفضل في اجتماع للعمل "بس كان بيقدر يكسر الحواجز بين اللي شغالين معاه بخفة دمه وسخريته، كنا بنقعد معاه ننسى الزمن.. كأنه ساحر أو عنده بلورة فيها كم هائل من الحكايات".
كان الكتاب سيُنشر نهاية العام الجاري "كان نفسي يحضر اللحظة دي، كان هيتبسط بالكتاب الجداد"، لكن عزائها أن ما أراده فاروق سيخرج للنور "وساعتها هنتكلم أكتر عنه وعن أد إيه كان مؤمن بالشباب".
لم يُسعف الحظ أحمد فتح الله للقاء الكاتب الراحل، جمعته به الكتب التي قرأها منذ الصغر "كتبه مرتبطة عندي دايما بالأجازة اللي بستناها عشان أقرأ له"، كان فتح الله يبحث عن الروايات لدى أكشاك الجرائد "كان عمري 10 سنين وساعتها كنت محتاج نموذج مهم أحب أقرأ عنه ودا اللي قدمهولي نبيل فاروق"، لا يتوقف خيط الذكريات بين كُتب الراحل وفتح الله "جدتي قبل المصيف كانت تفاجئني وتشتريلي مجموعة من أعماله عشان أقرأها لما نسافر".
يسترجع فتح الله كيف ساعدته "رجل المستحيل" على فهم معاني مثل القومية المصرية "وإننا منقلش عن أي حد برة"، فيما مازال يحفظ المعلومات التي بثها فاروق في كتبه بطريقة بسيطة "واللي فتحت جوة دماغي طرق لقراءة حاجات تانية ومعارف مختلفة"، لم يتعلق طبيب الأسنان بأعمال فاروق فقط، بل صار لديه شخصيات مفضلة من الكتب "شخصية قدري هي أقربهم لقلبي، الشخص المضحك اللي بيحب الطعام طول الوقت والهزار في أصعب المواقف بالإضافة لكونه عبقري"، ورغم أن فتح الله قرأ الأعمال كاملة "بس كان نفسي أشوف حوار بين نبيل فاروق المعاصر للزمن اللي احنا عايشينه بادهم صبري القادم له من الماضي في صورة نقاش درامي".
محمد حمدي، الكاتب وصانع المحتوى كان له فرصة لقاء أيضا بالطبيب الراحل. في فترة التسعينيات، تفتحت عينا حمدي على أعمال فاروق "الواحد بدل ما كان بيقرأ حاجات مفيهاش خيال تماما فجأة دخل في عالم بوليسي ضخم وممتع"، يتذكر صاحب الـ33 عاما شغفه الشديد بالكتب "لدرجة إني جبت رقم بيته من دليل التليفون مرة وكلمته على البيت عشان أسمع صوته"، فيما حاول مرارا أن يراسله عبر بريد القراء.
خلال تلك الفترة "مكانش فيه وسايل متاحة للتواصل غير المنتديات"، لم يترك الشاب القاطن بمدينة طنطا منتدى إلا وصار عضوا فيه "كنا بنستنى مشاهير الكتاب يروحوا يقعدوا مع الدكتور نبيل فاروق أو غيره ويحكولنا إيه اللي حصل"، لم يتخيل حمدي أنه سيلتقي الطبيب بعد سنوات طويلة كصحفي يُجري معه حوارا.
3 ساعات تحدث خلالها حمدي مع الكاتب الراحل "اكتشفت أد إيه هو شخص واسع الثقافة، فاهم في كل حاجة مش بس في اللي بيكتبه"، أدرك أنه وجد كنزا "مكنتش عارف إنها المرة الأخيرة وأظن إني استغليت فرصة لقائه بأفضل شكل". صورة واحد تجمع حمدي بالكاتب الراحل، التقطها معه في إحدى الندوات بمدينة طنطا "برجع أشوفها وبفتكر أد إيه حظي كان حلو إني من قُراء الدكتور الكتير جدا".
كانت نرمين محمد إحدى قراء الطبيب أيضا، ما تزال السيدة الأربعينية تتذكر كيف كانت أعداد رجل المستحيل صديقة طفولتها "مكانش عندي صحاب غير الكتب وحتى لما كبرت فضلت مدينة له بالفضل دا"، حتى أنها نقلت ذلك الوله لابنها "هي رفيقه الدائم وعنده منها نسخة في تليفونه ولا يأكل إلا وهو يقرأ رواية من رواياته"، فيما بات الحزن رفيق الأم بعدما علمت بخبر رحيل فاروق "مقدرتش أبطل عياط من امبارح".
يعرف المُحبون كُتب فاروق جيدا، الشهير منها والذي لم يقرأه كثيرون، يتذكرون "كوكتيل 2000" وسلسلة "حرب الجواسيس"، "أوسكار"، وسلسلة "الأعداد الخاصة"، توحدت نرمين مع أبطال القصص "لدرجة إني وقت المراهقة كنت بقلد ناس منهم"، شيّدت في ذهنها أشكالا حقيقية لهم "يعني مثلا شخصية قدري كنت بقول هيكون شبه الشاعر صلاح جاهين"، مرت سنوات على تلك الفترة ومازالت تسعد مثل الأطفال إذا وقعت إحدى رواياته في يديها.
فيديو قد يعجبك: