لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السودان.. ما بعد الطوفان (قصة مصورة)

05:55 م السبت 28 نوفمبر 2020

قرية الجماير إحدى القرى المتضررة بسبب فيضان السودا

كتابة وتصوير- روجيه أنيس:

"دائمًا ما تصنع المياه حياة، بينما صنعت هنا شبحًا للدمار".. فور الوصول لمطار الخرطوم، كان الفيضان -الذي اجتاح السودان قبل فترة- لم يزل مهيمنًا، رغم أن آثاره بدأت تنسحب، خاصة وأن الحرارة الشديدة هي أول ما يستقبل الزائر فور خروجه من المطار، الخراب الذي تسبب فيه الفيضان واضح على حياة السودانيين الذين يعانون معاناة شديدة، لم يكن أقلها الحياة في خيام، أو في ساحات مفتوحة أمام منازلهم المنهارة.

الحصول على صورة كان بمثابة الحرب مع الزمن، الرغبة في اللحاق بآخر قطرات باقية من الفيضان تحكي وقائع هذه الكارثة الطبيعية، إلا أن المشكلة لم تعد في المياه وإنما فيما خلفته من دمار في حياة الآلاف الذين فقدوا أحباءهم أو ممتلكاتهم، بيوت مهدمة، خدمات أساسية اختفت، حياة معطلة لدى الكثيرين ممن لا يملكون إعادة بناء أو ترميم حياتهم بسبب ضيق الحال وعدم وضوح الرؤية لمستقبل هذه المنطقة.

1

"لم يُشهد لها مثيل منذ 100 عام" هي العبارة الملازمة لسيرة الفيضانات التي اجتاحت 16 ولاية سودانية خلال الشهر الماضي، فاقت المعدلات الطبيعية، ووفق إحصائيات وتقارير في بداية الفيضان لقى 103 أشخاص حتفهم وانهارت عشرات الآلاف من المنازل جزئيًا أو كليًا، وتضرر أكثر من نصف المليون شخص حتى الآن، حسب البلاغات الرسمية للحكومة.

2

في رحلة من الخرطوم إلى أطراف مدينة أم درمان، كنا في صحبة أحد المصورين وصولًا لقرية "الجماير"، تدريجيًا يختفي "الزلط" -الطريق الأسفلتي الممهد بحسب اللهجة السودانية، ومع السير عبر طرق غير ممهدة تكون الإشارة بالدخول في حيز القرى.

رغم ما جرى تحمل القرية طابعًا مغايرًا بمنازل ملونة متراصة على الجانبين، ما يقرب من ٦٣ بيتًا في القرية تضررت جميعها، مع الاقتراب رويدًا رويدًا يظهر أن هذه الألوان هي للغرف الداخلية؛ لأن غالبية واجهات المنازل جرفها السيل، ينكسر منظر الألوان الجميلة للجدران أمام أكوام من الطوب المبعثر مع بعض المتعلقات التي قرر أصحاب البيوت تجميعها، بعدما تركوها من شدة الإرهاق وقلة الحيلة وقت الهروب من الفاجعة.

"أول مرة من سنة ٧٤ نشوف فيضان مدمر بالشكل ده، ويمكن لولا سد النهضة اتملى شوية السنة دي كنا غرقنا أكتر" اعتقاد طرحه الحاج مبارك العبيدي وهو يجلس وسط أصدقائه وعائلته على أطراف منازلهم المحطمة.

من داخل إحدى الغرف المهدمة -بهت طلاؤها الوردي- كان مجموعة من الرجال بالزي السوداني الأبيض يتسامرون ويضحكون "ما عندناش اللي يساعدنا نبني.. مستنيين لما الحكومة أو المنظمات تساعدنا"، يقول محمد بسطاوي معبرًا عن أحوال رفاقه، فيما لا يملك إعادة بناء بيته، وكل ما يملكونه أن يكونوا معًا في هذه المحنة.

العديد من السودانيين يزعمون أن ما تم ملؤه من "سد النهضة" في يوليو من هذه السنة، دون التنسيق مع مصر والسودان قد يكون سببًا في تقليل نسبة الخسائر البشرية والممتلكات لقوة الفيضان هذا العام.

إلا أن "كيفن ويلر"، الخبير الدولي في تخطيط الموارد المائية وهندستها ونمذجة النظم الهيدرولوجية والهيدروليكية بجامعة أكسفورد قد علق في تقرير لمجلة للعلم الأمريكية قائلا:

"الربط بين سد النهضة أو السد العالي في مصر وفيضانات السودان يخالف العلم والمنطق، فكمية المياه التي احتجزها السد أقل من أن تُحدث أثرًا إيجابيًّا أو سلبيًّا".

وأشار "ويلر" إلى ظاهرة علمية هي المسؤولة على حد قوله عن هذه الكارثة وهي ظاهرة: "ثنائية قطب المحيط الهندي، "IOD، أو تذبذب المحيط الهندي، التي تحدث عند تعرُّض المحيط الهندي وبحر العرب لدرجات حرارة مرتفعة، ما يزيد كميات البخر في الهواء، ومع حركة الرياح تتشكل سحب فوق إريتريا وإثيوبيا والسودان، وتتسبب في هطول الأمطار.

لا يتنازل السودانيون عن كرم وحسن الضيافة، حتى وإن بدت الأجواء غير ملائمة؛ فلا يوجد مجال للنقاش، فبمجرد الجلوس بين عائلة سودانية تتوالى أدوار "الجبنة" تباعًا، وهي القهوة السوداني.

تشير الإحصائيات أن فيضانات 2020 في السودان هي الأكبر والأشد ضررًا، متجاوزة في دمارها فيضانات عامي 1946 و1988، والتي صنفت على أنها الأسوأ.

الحنين حمل بعض الأسر لقضاء أوقاتهم في نبش الحطام، بحثًا عن بعض متعلقاتهم القابعة تحت الأنقاض.. كانت الأسرة الحديدية متروكة في الهواء الطلق وأخرى داخل الخيام، تعبيرًا عن معنى جديد لمنزل أنهى السيل حكايته.

3

بنظرة أخيرة ودعت سمية محمد "٥٥ عامًا" بيتها المنهار جزئيا، فيما كانت ابنتها منى تتسلل داخل إحدى الغرف بحثًا عن بعض متعلقاتهم المهمة؛ استعدادًا للرحيل إلى بيت مؤقت على أمل العودة لمنزلهم القديم عن قريب.

4

في طريق العودة كانت طوابير لا نهائية من المركبات المختلفة للسيارات والتكاتك والموتوسيكلات المتراصة بطول الطريق، للوهلة الأولى يبدو الأمر بمثابة جراج مفتوح، ولكن مع الاقتراب يمكنك سماع أصوات الغضب والتململ من السائقين، بفعل ساعات الانتظار أملًا في الوصول لمحطة الوقود.

"الأزمة دي كانت بتحصل من أيام البشير.. وموجودة كتير في السودان.. بس عمرنا ما شفناها بالمنظر ده أبدا". يقولها أحد المواطنين بنرفزة وهو ينظر بملل صوب طابور السيارات المتراص قبل ساعات طويلة.

الأزمة الطاحنة تهيمن على السودان منذ عدة أسابيع، 12 ساعة يوميًا معدل انتظار المواطن على أبواب محطة البنزين، يترك البعض سياراتهم ويعودون إلى منازلهم سيرًا على الأقدام، لحين وصول البنزين إلى المحطة ويبدأ الطابور في التحرك مجددًا، وتبدو المركبات في انتظارها كالثعبان الذي يلتف حول البنزينة، محاوطًا الحي كله من جميع الجهات، فلم يعد الشارع الواحد المؤدي إلى المحطة كافيًا للطابور.

5

لم تكن أزمة البنزين مجرد ظاهرة عابرة، فالحياة شبه متجمدة؛ تتصل بي صديقة سودانية عرفني عليها أحد أصدقائي في القاهرة؛ لتساعدني خلال رحلتي، اعتذرت بكل أسى عن عدم استطاعتها مقابلتي؛ لأنها تستخدم سيارتها بحرص شديد للذهاب إلى العمل، ولم يعد لديها ما يكفي من البنزين، وهو ما يقيد حركتها.

6

كان الوصول إلى قرية الشقيلاب الخور مستحيلًا، لكن الإصرار وصل بنا إلى هناك، على بعد ما يقرب من ساعة من الخرطوم شمالًا تقع قرية الشقيلاب الحسانية وبجانبها قرية الشقيلاب الخور إحدى القرى على النيل الأزرق، والتي تضررت بالكامل من الفيضان، لم نستطع الوصول إلى القرية بالسيارة فاضطررنا أن نسير مسافة ما يقرب من كيلومتر حتى نستطيع بلوغ القرية.

يشير نبيل أحد سكان القرية -ومن ضمن اللجان الخدمية والشعبية التي تساعد في عمليات الإغاثة- إلى النصف العلوي من أحد البيوت، يحاول التوضيح بيديه كيف كانت المياه تصل إلى النصف العلوي من المنزل قبل أسابيع، وأن الوصول لهذا المنزل كان يحتاج إلى مركب صيد.

انحسرت المياه تدريجيًا الآن، وتظهر بوضوح أراضٍ زراعية تغمرها المياه بالكامل وفي أحد الجوانب، يستظل عدد من الصيادين بالأشجار، متخذين قسطًا من الراحة خلال العمل على مراكبهم.

7

يمثل الفيضان للسكان مصدر ضرر كبيرًا، ولكن فترة انحسار الفيضان التدريجية هي من الإيجابيات التي يستغلها الصيادون، حيث تتجمع الأسماك بسهولة في بقعة واحدة ويسهل صيدها بشكل أسرع وبأعداد أكبر.

وكلما انحسرت المياه يومًا بعد يوم، يضطر الصيادون إلى التراجع إلى العمق مرة أخرى بعد أن كانوا من قبل أسبوعين يبحرون بقواربهم بين بيوت القرية الغارقة بحثًا عن السمك.

٦ آلاف نسمة هو تعداد سكان الشقيلاب الحسانية، انهار بشكل كامل ما يقرب من ٨٠ منزلًا، وبشكل جزئي حوالي ١٧١ منزلًا، وبطول القرية يعيش الكثير من السكان في ساحات بيوتهم في الهواء الطلق.

8

وعلى بعد كيلومترات من الشقيلاب الحسانية تستقر قرية الشقيلاب الخور، ويصل تعداد سكانها إلى ما يقرب من ٣ آلاف نسمة، انهار بشكل كامل ١٤٦ بيتًا، بينما انهار بشكل جزئي ما يقرب من ٢٣٠ بيتًا، وتم بناء مخيم كامل للسكان المتضررين في القرية.

في الطريق من مخيم الإيواء إلى بيته المهدم يصطحبنا مساعد خالد عبدالقادر أحد السكان المتضررين، رغم ما حدث لم يزل منزله يطل على أحد أجمل المناظر الطبيعية؛ شجر مميز مغروس داخل المياه، الغرباء ينظرون للأمر بإعجاب فيما تتلبس خالد حالة من الأسى.
9

"شايف المنظر جميل إزاي؟.. أهو ده دمرنا كلنا" بحزن شديد يعقب: "في ٣ ساعات بس كانت كل حاجه غرقانة ملحقناش ننقذ أي حاجة، وحتى المصطبة اللي كنا عاملينها عشان تصد المياه، المياه عدتها وغرقت البيوت برضه، أول مرة في حياتي كلها أشوف الفيضان بالمنظر ده.. للأسف منقدرش ننقل من هنا؛ لا معانا فلوس ولا إمكانيات وكل اللي في إيدينا عشان نستعد للسنة الجاية إننا نعلي المصطبة عشان المياه متعديش".

10

في طريق الخروج من القرية، تتابع الأمهات برفقة صغارهن رحلة البحث عن أي متعلقات تبقي الذكرى داخل نفوسهن قائمة دون تجريف من سيل أو فيضان يقضي على ما بقي من أثر.

11

أهاتف محمد صديقي المزارع الذي يملك قطعة أرض زراعية في نقطة الرأس عند بداية "جزيرة توتي"، وعندها تلتقي مياه النيلين الأزرق مع الأبيض، وتبلغ مساحتها ٩٥٠ فدانًا، يقول لي إنه توقف عن الذهاب إلى الأرض وهو الآن يعمل في السوق القديم في الخرطوم، حتى يستطيع تأمين "قروش" أي فلوس بالسوداني للشهر، وإنني محظوظ؛ لأنه من غدٍ سوف يكون أول يوم عمل له داخل الأرض لإعدادها للزراعة مرة أخرى بعد الفيضان؛ لأنها غُمرت بالمياه.

12

تعتبر "جزيرة توتي" مكانًا للاستجمام والاستمتاع بالنيل والسباحة لكثير من سكان الخرطوم، تتراص على شاطئها الكراسي للاستمتاع بمنظر النيل وشرب الشاي، ولكن بعد الفيضان تبدو وكأنها قد خرجت توا من الحرب، تتناثر الحجارة في كل مكان، والكراسي الملونة مبعثرة إلا أن الناس قد بدأت تعود تدريجيًا لشواطئها، للاستجمام والتقاط "السيلفي" على أنقاض الفيضان.

بعد أيام ذهبت لزيارة محمد في "جزيرة توتي"، نتحسس خطواتنا داخل الأرض الطينية، كانت الأرض الزراعية بدأت تجف تدريجيًا، بدأ في العودة إليها حتى يستطيع أن يفكر في المحصول القادم الذي سوف يزرعه.

13

حكايات الأجداد عن الفيضان حاضرة طيلة الوقت، فيما يؤكد محمد أن جده الذي يبلغ من العمر ٨٠ عامًا، لم يرَ هذا المنظر من قبل.

14

كل سنة وقت الفيضان لازم أدور على شغلانة أشتغلها لمدة شهرين لحد ما الفيضان يعدي، حتى لو الأرض مغرقتش بالكامل؛ لأني ما بعرفش أزرع في الوقت ده، وده بيبقى مدته تقريبًا شهرين، أي شغلانة ما دام هاتجيبلي فلوس هاشتغلها لحد ما أرجع لأرضي" يقولها محمد وهو ينظر إلى المدى مستمتعًا بمنظر الغروب والهدوء الشديد بعد ما جهز حجر الشيشة الخاص به، والذي يكافئ نفسه به مع كوب الشاي بعد انتهاء العمل.

15

يومان بالتمام والكمال خضناهما حتى نتمكن من تأمين بنزين للسيارة للذهاب إلى قرية "ود رملي".

علي بعد ٧٥ كيلومترًا من الخرطوم شمالا تقع قرية "ود رملي"، إحدى أكثر القرى تضررًا من الفيضان، تقع على نهر النيل بعد التقاء النيلين الأزرق والأبيض معًا.

غرقت القرية بشكل جزئي عام ٢٠١٩ أيضًا، ولكن هذه السنة غرقت بالكامل، على الطريق السريع يوجد مخيم للمنكوبين من أهالي القرية حيث يعيشون الآن، وكلما توغلت داخل القرية رأيت آثار الدمار أكثر، في العديد من القرى يعيد السكان بناء بيوتهم تدريجيًا، ولكنَّ في قرية "ود رملي" كثيرًا من السكان قرروا الرحيل إلى منطقة أبعد من النيل، فما حدث هذه السنة والسنة الماضية جعلهم يأخذون قرار الرحيل بشكل قاطع.

16

"أنا مستحيل أنقل من هنا مهما كان.. أنا زي السمك لو طلعت من المياه أموت"، يرددها ناجي (٥٥ عامًا)، الذي يعمل سائقًا فيما يستقر الأتوبيس الذي يقوده مغروس العجلات وسط الطين المتشقق، بجانب بيته المهدم وخيمة مهترئة يتحدى ناجي الظروف بفخر، موضحًا أن ارتباطه بمكانه أكبر من قدرته على رؤية حجم الكارثة أو ما قد يحدث في المستقبل من تكرار للفيضان وهدم المنازل التي يعاد بناؤها.

القرية توحي بأنها مهجورة تمامًا، وفي حالة سكون كامل، ولكن بين كل بيت وآخر يظهر عدد من الناس ينقلون أشياءهم، أو يمر ميكروباص ببطء شديد وسط الأرض غير الممهدة؛ لنقل بعض السكان وما بقي من مقتنياتهم.

17

في نهاية القرية من الطرف الآخر، إلى جوار النيل مباشرة، يجلس خلف الله جاب الله (٥٠ سنة) وسط كومة من الطوب المتكسر، وبيده فأس يكمل على ما بقي من الحوائط المتهدمة، فيما لم يقرر بعد، إذا كان سيبني بيته من جديد أم سيرحل "يمكن لو كانوا عملوا ترس بجد ماكنش الفيضان وقع بيوتنا بالشكل ده"، يقول خلف الله برضا المغلوب على أمره.

18

"الترس" هو طوق النجاة الذي يعرفه السودانيون وقت الفيضان، هو السد الذي يتم بناؤه من أجولة الرمل لمنع المياه من الوصول إلى القرى والبيوت. ولأهميته تسهم بعض المؤسسات الدولية في جزء من معوناتها الأساسية بأجولة الرمل لصنع "الترس".

19

20

برفقة "منظمة كوبي الإيطالية" إحدى منظمات الإغاثة في السودان، كانت الجولة على ٤ من قرى منطقة "جبل أوليا"، والتي تضررت بالكامل من الفيضان، وبدأت عناصر المنظمة بعمل تقييم مبدئي للخسائر والوقوف على متطلبات المكان من معونات؛ لتقييمها والشروع في العمل على المساعدة.

21

وتأجلت الجولة غير مرة، فقد كان مقررًا لها أن تتم قبل أسابيع، ولكن بسبب الدعوة إلى مظاهرات ضد الحكومة والوضع الأمني تم إلغاؤها وتأجيلها.


22

في خيمة يعلوها علامة الصليب الأحمر، يستقر موسى خليل (٣٦ عامًا) مع أسرته على بعد خطوات من منزله المهدم: "بالنسبة لي يبقي عندي غرفة واحدة قوية تتحمل الفيضان، أحسن من غرف كتير تقع كل سنة وعشان كده نفسي أبني بالمسلح"، يقول موسى لأحد ممثلي المنظمة أثناء الزيارة.

23

بين نيلين وعطشان

رغم حجم المياه الذي أحدثه الفيضان، لم تزل بعض القرى تعاني من قلة وجود مياه للشرب، في الطريق إلى قرية "مانديلا"، والتي يقطنها ٥٠٠٠ شخص تقريبًا تقف العربات الكارو، والتي تجر برميلَ صفيح كبيرًا مملوءًا بالمياه من إحدى الطلمبات استعدادًا؛ لبيعها لسكان قرى "حي مايو" -إحدى أفقر المناطق في الخرطوم- الذين لا يستطيعون الذهاب لطلمبة المياه؛ لتلبية احتياجاتهم من المياه يوميًا.

24

ففي حي يبعد ما يقرب من ٢٥ كيلومترًا من مدينة الخرطوم التي يحيط بها النيلان الأبيض والأزرق، ففي كثير من القرى لا توجد مياه، وحتى في مدينة الخرطوم نفسها يعاني الكثير من السكان من انقطاع المياه لفترات طويلة.

"إحنا كل اللي عايزينه المنظمات تصلح لنا طلمبات المياه الـ٢٦ اللي بايظين عشان بدل ما كل القرية شغالة على طلمبتين بس" يقول يوسف.

25

كل يوم وفي تمام السادسة صباحًا، يذهب يوسف أو أحد أفراد أسرته إلى إحدى الطلمبتين الوحيدتين اللتين تعملان من ضمن ٢٨ طلمبة في القرية -كلها لا تعمل- لملء احتياجاتهم من المياه في جرادل والعودة بها إلى المنزل، هذا هو حال معظم سكان القرية في الصباح الباكر أو عند غروب الشمس، ومن لا يستطيع فيضطر إلى شراء المياه من إحدى العربات الكارو التي تبيع جردل المياه بـ10جنيهات سوداني ما يعادل ١٨ سنتًا بسعر الصرف الحالي.

26
27

"ساكن بين نيلين وعطشان".. هي العبارة الأكثر تكرارًا بين السودانيين، يتحسر أهل السودان على أحوالهم، يتهامسون كيف لبلد مليء بالخيرات أن يترك مهملًا بسبب الحروب والصراعات والنظم السياسية الفاشية المستمرة لعقود طويلة، لماذا لا يتم استغلال هذا البلد وخيراته بالشكل الأمثل؟

يشير السودانيون بفخر وألم في آن لمرور نيلين "النيل الأبيض والأزرق"، ووجود موسم الأمطار في السودان، ولكن تحديات ومشاكل المياه وما يتبعها من مظاهر حياة مثل الزراعة وغيرها من الأنشطة وحتى توافر المياه في الصنابير، ما زالت مشكلات قائمة في هذا البلد الجميل.. الذي يحلم بحل معضلة الفيضان، والبحث عن تحقيق أحلام بسيطة لشربة ماء في بلاد النيل ومسكن يقيهم شر الضياع.

28

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان