إعلان

خاص- أزمة غذاء.. كيف أنقذت "جين" أطفال بسطاء بكينيا من "جوع كورونا"؟

11:24 م الخميس 01 أكتوبر 2020

السيدة الكينية جين كينوثيا

كتب- محمد مهدي:

تصوير:هند عنتباوي

أمام بيتها في مدينة جلجل الكينية، جلست السيدة الستينية "جين كينوثيا" شاردة الذهن بينما تُقلب بصرها نحو الشوارع الخالية بعد ساعات من تطبيق حظر التجوال عقب ظهور أول إصابة بـ "كوفيد-19" في مارس الماضي، تُفكر مليًا في كيفية توفير الغذاء لعشرات الأطفال داخل دور الرعاية المسؤولة عنه خلال تلك الأوضاع القاتمة.

وتُدير "جين" وهي إخصائية اجتماعية، مركزا لإنقاذ الأطفال اليتامى والمصابين بفيروس نقص المناعة البشري (الإيدز) في "جلجل" التي تقع جنوب غرب كينيا، على بُعد 130 كم من العاصمة نيروبي.

وفي منتصف مارس 2020، أصدر الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، قرارات مختلفة لمواجهة تفشي فيروس "كورونا" المستجد، من بينها حظر التجول الليل وإغلاق جميع المدارس، وضرورة تجنب التجمعات ومراكز التسوق، لتدخل "جين في أزمة عدم العثور على خضروات وفاكهة تكفي نحو 40 طفلا داخل المركز الذي ترعاه.

أرقام "كورونا" في كينيا

تقول السيدة الكينية المُلقبة بـ "ماما جين" في حوارها مع مصراوي: "عندما سمعنا بفيروس (كورونا) كنا مصدومين ولم نكن نعلم حينها أنه سيؤثر على هذا العدد الكبير من الناس بطريقة سيئة، بما ذلك الملجأ"

تضيف: "اكتشفنا مع الوقت عدم توافر الأسواق لدينا، ولم يعد هناك أماكن لشراء الفاكهة والخضروات، حتى الأشياء التي اعتدنا الحصول عليها يوميًا صارت صعبة المنال لأن المحلات الصغيرة أيضًا أُغلقت"

صورة 1

كان الوضع مربكًا للغاية، كما تصف ما جرى لمصراوي، بقى الأطفال داخل الملجأ لساعات أطول لتزداد الأعباء، حيث تتكفل المدارس بمنح الطلاب وجبة خلال اليوم الدراسي، وهو ما انتهى بقرارات الإغلاق، واختارت حينها "جين" البقاء بجانبهم وبث الاطمئنان في قلوبهم من خلال ابتسامتها وشرحها للمتغيرات التي طرأت عليهم.

أزمة توفير الغذاء للصغار هزت أنحاء كينيا، فعلى بُعد 8 ساعات من "جلجل" نقلت شاشات التلفزيون مأساة السيدة "باهاتي كيتساو" في مدينة "مومباسا" التي انتشر لها فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي خلال طبخها لأحجار داخل إناء في محاولة لتهدئة أطفالها الجوعى.

ونقلت وسائل الإعلام الكينية عن "كيتساو" تكرارها للأمر منذ اندلاع أزمة "كوفيد-19" حتى يخلد أطفالها الثمانية إلى النوم أثناء انتظارهم لوجبة العشاء، موضحة أن أبنائها أدركوا حقيقة الأمر وكونها غير قادرة على توفير الطعام لهم.

بدا واضحًا احتياج كينيا إلى تدخل دولي لتحسين أوضاع البلاد خلال انتشار الوباء، دفع ذلك البنك الدولي إلى الموافقة على تمويل فوري بقيمة 50 مليون دولار لدعم استجابتهم للتعامل مع الفيروس.

مساعدات البنك الدولي

وبحسب البنك الدولي، فإن التمويل يُغطي خدمات طبية متنوعة مثل تشخيص المرضى والحجر الصحي والتخلص من النفايات الطبية بجانب المشاركة المجتمعية، والسكان المعرضين للخطر في جميع مقاطعات كينيا.

وفي بيان رسمي، أوضح كارلوس فيليبي جاراميلو، المدير الإقليمي للبنك الدولي بكينيا، إن هناك حاجة خلال تفشي فيروس "كورونا" المستجد في البلاد إلى استجابة سريعة للأمن الغذائي والتغذية والتعليم.

هل يمكن ترك الأطفال لهذا المصير؟ طرأ السؤال في محادثة بين ماما جين وشريكتها "نور المناصرية" عبر الهاتف، تخوفات عديدة من نفاد الطعام داخل المركز وصعوبة توفير كميات جديدة تحميهم من السيناريوهات السيئة.

صورة 2

تتحدث "نور" إلى مصراوي قائلة: "حاولنا في البداية شراء بعض الاحتياجات لكن لم نعثر على خضروات أو فاكهة جعلنا نشعر ذلك بالتوتر خاصة أن الأطفال لديهم نظام غذائي مُحدد للحفاظ على صحتهم".

خلال فترة سابقة، لجأ المركز إلى أخصائية غذائية لوضع نظام غذائي يعتمد في الأساس على أنواع محددة من الفاكهة والخضروات بعد تعرضهم لأزمات صحية نتيجة لنقص المناعة، وهو ما ساهم في تحسين حالتهم، وفقا لنور.

بعد تفكير استغرق الكثير من الوقت، عثرت "جين" على الحل كما تؤكد لمصراوي: "تذكرت أننا نمتلك قطعة أرض صغيرة قمنا بشرائها في التسعينيات، تناقشت مع ابني على الذهاب إليها والبدء في زراعتها والاستفادة منها".

صورة 3

لم تكن الظروف ممهدة لإتمام الخطوة دون صعوبات، فالمدينة-جلجل- التي يعمل أكثر من 70 % من سكانها بالزراعة، شهدت تراجع في هذا المجال نظرًا لندرة البذور بعد إغلاق معارض البيع بسبب القيود المفروضة على التجمعات، بحسب جمعية إنقاذ البذور الكينية، المتخصصة في توفير البذور والحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي.

أزمة سماد

ويقول دانيال وانجاما، منسق جمعية إنقاذ البذور، في حوار مع مصراوي عبر الإنترنت، إن الافتقار إلى الأسواق والبذور أدى إلى تراجع المزارعين عن القيام بعملهم ولا نتوقع هذا العام محاصيل كافية.

لكن الجمعية لم تستسلم، فقد سعى القائمون عليها خلال تفشي "كورونا"، بحسب وانجما، إلى تدريب المزارعين على زراعة الخضروات والفاكهة التي يمكن أن تساعد الجسم على بناء مناعة ضد الفيروس، كما أطلقوا مبادرة لإتباع نظام زراعي موثوق لا يعتمد على الأسمدة والكيماويات.

ويؤكد وانجاما في حديثه لمصراوي على حرص الجمعية على الوصول إلى المزيد من المزارعين من خلال وسائل مختلفة مثل الإذاعة لتمرير معلومات ضرورية عن التعامل مع الأراضي خلال الوضع الجاري.

صورة 4

استقبلت ماما جين كافة النصائح باهتمام بالغ، تعاملت مع التجربة بجدية شديدة منذ اللحظة الأولى، عقدت جلسات عديدة مع "نور" وعدد من أصحاب الخبرة من داخل المدينة بجانب المسؤولين معها عن الملجأ لتحديد المحاصيل المناسبة لاحتياجاتهم.

تُشير في حديثها لمصراوي إلى قرارهم بزراعة الفول أولًا لأنه "غني بالبروتين وسريع النمو" فضلًا عن البطاطس ليضمن ذلك للأطفال كميات مناسبة من الغذاء، وهو ما سعت لإتمامه بإجراءات سريعة.

بكامل طاقتها تدعم "نور" التجربة، اتفقوا على تعيين شاب للعناية بالمزرعة كما تسرد لمصراوي، قاموا ببناء بيتا له داخل المكان ليتفرغ للمشروع، وشراء دراجة من أجله للذهاب إلى برنامج تدريب خاص بالزراعة، بدا الحماس حاضرًا والرغبة جلية في الخروج بأفضل نتيجة، كانت الأمور مُبشرة خاصة مع البدء في إعداد التُربة.

حالة من التكاتف تملكت الجميع، مشاوير يومية إلى المزرعة، عمل جاد تحت الشمس الحارقة، نظرات الأمل لا تغادر أعينهم بينما يقوم كل شخص بدوره، مخزون المركز من الطعام يوشك على الانتهاء فيما كانت قلوبهم معلقة بالأرض، ودعواتهم إلى السماء لا تتوقف، يرغبون في إشارة على نجاح الفكرة، وقد جاءت.

بعد شهرين ونصف علت صرخات الفرحة في قلب المزرعة، ابتسامة كست الوجوه بينما تدور عمليات الحصاد على قدم وساق، تقول ماما جين عن تلك اللحظة: سعيدة بما فعلناه، نجحت التجربة، صرنا الآن نأكل أكلًا صحيًا قمنا بزراعته بأنفسنا.

حصاد في زمن الوباء

تتابع السيدة الكينية: نمتلك الآن أربعة أكياس من الفول والتي بإمكانها اطعامنا لشهور قادمة، ولدينا خطة لتقسيم الأرض لجزئين الأول للخضروات والثاني للحشائش التي تتغذى عليها الماشية.

تنوي الأخصائية الاجتماعية زراعة مزيدا من المحاصيل مثل الخس والجزر والبصل، وفقا لجين، وكل ما يحتاجه الملجأ من خضروات، لتحقيق اكتفاء ذاتي للمركز حتى لا يبحثون مرة ثانية عن الطعام من الخارج.

انتهت موجة الارتباك التي حلت منذ شهور على ملجأ الأطفال، حلّ الهدوء من جديد، تفرغت ماما جين وشركائها للتخطيط إلى مستقبل المكان وكيفية الحفاظ على تلك الخطوة والاستخدام الأمثل لها، حتى أنهم حصلوا على بقرة وعدد من الدواجن لتربيتهم داخل المزرعة والاستفادة من الألبان والبيض.

اكتفاء ذاتي.. مقطع صوتي لماما جين (مدبلج)

تقول "نور" لمصراوي بحماس: "في الماضي كنا نسعى لكفالة الأطفال وتجهيز احتياجاتهم، الآن سنساعد أيضًا المزارعين في المدينة على تعلم الزراعة وحصاد المحاصيل لتحقيق الاستدامة والاكتفاء، تلك فرصة منحتنا إياها "كورونا" رغم مساويء الوباء".

وتوضح أن الخطوة القادمة ستُركز على منح مساعدات للنساء اللائي يملكن أراضي لكن تفتقد كل واحدة منهن الإمكانيات سواء المعدات الزراعية أو الأدوات اللازمة للحصاد، وسيتم تدريبهم ومنحهم نصائح بشأن أفضل المحاصيل التي يجب البدء بها.

صورة 5

منذ أيام أعلنت السلطات الكينية عن تمديد إجراءات الطوارئ في البلاد تمديد حظر التجوال الليلي بـ 60 يوما، تحسبًا للموجة الثانية من تفشي فيروس "كورونا" المستجد، فضلًا عن إلغاء السنة الدراسية لعام 2020، وإغلاق جميع المدارس إلى يناير من العام المقبل.

تلقت "جين" المعلومات الأخيرة دون شعور بالضيق، وصلت لذلك القرار منذ أيام خوفًا من تعرض الأطفال للإصابة بالفيروس في حالة عودتهم إلى المدارس مرة أخرى، في الوقت نفسه لم يساورها القلق بشأن الغذاء نظرًا لوجود الأرض والمحاصيل.

تُنهي السيدة الكينية حوارها مع مصراوي قائلة: ليس بأيدينا شيء لإنقاذ أرواح الأطفال سوى الحفاظ عليهم هنا داخل المركز، وإلهائهم بالنشاطات المختلفة وتوفير مطالبهم، نحن الآن بخير، لا نرغب في أكثر من ذلك.

صورة 6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان