بالصور- نساء على الطريق.. لماذا تنتشر الدراجات البخارية بين السيدات في مالي؟
كتب- محمد مهدي:
تصوير- روجيه أنيس:
صَخب، زحام شديد، تكدس للسيارات في شوارع باماكو-عاصمة مالي- لم يمنع ذلك الشابة "سنكورة تنجارا" من الوصول إلى الجامعة في التوقيت المناسب، نجحت في اختراق الجميع بمساعدة دراجتها البخارية التي تستقلها للمرة الأولى، وسط مئات السيدات اللائي يتحركن بـ"الموتوسيكلات" في الطُرقات العامة، حيث لا يقتصر الأمر فقط على الرجال في بلادهن "الدراجات البخارية مهمة بالنسبة لنا؛ لأننا نستخدمها كل يوم".. تقولها تنجارا موضحة أسباب انتشار الأمر بين النساء في باماكو.
ماذا نعرف عن مدينة باماكو؟
رغم احتكار الرجال لركوب الدراجات البخارية في عدد كبير من دول العالم، لكن الأوضاع في باماكو مغايرة، الفتيات تتعلم في سِن مُبكرة طريقة قيادة "الموتوسيكلات"، فتحرص الأسر على شرائها هديةً لهن بعد نجاحهن في الامتحانات الوطنية، أو عند بلوغهن سن الـ14 عامًا - وفق أسيتو ديجير، رئيس شبكة للصحفيين الشباب في مالي- باعتبارها وسيلة نقل مثالية في مدينة تتسم بالتكدس المروري، "أقل تكلفة من السيارات الخاصة التي لا يقدر على ثمنها الكثيرون، وأفضل من ركوب الحافلات"، كما تُقدم أحيانًا من قِبل الرجال والشباب حينما يتقدمون لخطبة إحداهن "كونها شيئًا أساسيًا في حياة النساء، يستخدمنها في أعمالهن اليومية مثل الذهاب إلى الجامعة؛ إلى العمل، وإلى الاحتفالات".
لا تلتزم النساء في "باماكو" بزي مُحدد حينما تستقل أي منهن الدراجات البخارية، فيرتدين الفساتين، أو ملابسهن التقليدية بحسب رغبتهن، ولا تواجههن تعليقات من المجتمع الذي اعتاد ذلك منذ عقود، أسباب قليلة تضطر فيها الفتيات للتخلي عن ارتداء ما يحلو لهن، "في حالة الاختناقات المرورية فقط أخشى ارتداء الفساتين"، كما تُشير تنجارا البالغة من العمر 21 عامًا، التي حصلت على دراجة بخارية بعد التحاقها بالجامعة مباشرة، وظلت رفقتها لعدة سنوات، تخرج مع صديقاتها أو تقضي مشاويرها اليومية بسهولة ويسر.
لم تَعد "تنجارا" التي درست الحقوق تمتلك الآن دراجة بخارية، اضطرت إلى التخلي عن دراجتها الخاصة، غير أنها لا تستغنى عن استقلال "الموتوسيكلات"، وصارت تلك الخطوة مُحببة إلى قَلبها، تشعر بالحرية حينما تنطلق في شوارع العاصمة، وتشعر بنسيم الهواء على وجهها؛ "لذلك أقترض من إخوتي وأخواتي دراجاتهم البخارية خلال ذهابي؛ لتسوية أعمالي "الأمر شائع؛ نظرًا لاحتفاظ كل أسرة بدراجة أو اثنتين على الأقل، "لا يخلو بيت في باماكو من الموتوسيكلات".
على جانبي الطُرق، أو فوق الجسور، أو أمام المنازل، تنتشر أنواع عديدة من الدراجات البخارية، لكن الفتيات يفضلن الحصول على الدراجات الصينية التي تُسمى جاكرتا، التي اشتهرت في بلادهن منذ مطلع الألفية الجديدة، "هذه النوعية من الدراجات النارية تحظى بتقدير كبير من النساء؛ لأنها تكمل تناغم ملابسهن نظرًا لأشكالها وألوانها".
جاكرتا.. أشهر دراجة بخارية في مالي
الحياة ليست وردية للنساء في مالي، العديد منهن يستخدمن الدراجات البخارية في أغراض أخرى بعيدة عن التنقل والترفيه، "فُرصة لهن؛ لتحقيق مكاسب يومية" وفق رئيس شبكة للصحفيين الشباب في مالي- إذ يحاولن إيجاد مصدر رزق في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، حيث وصل معدل الفقر المدقع خلال 2019 إلى 41.3%، فضلاً عن ارتفاع عجز الموازنة من 2.9 ٪ في عام 2017 إلى 4.7 ٪ في العام التالي- بحسب بيانات البنك الدولي.
محاولات يومية تقوم بها الفتيات والسيدات في باماكو؛ لتوفير الطعام لذويهن من خلال الدراجات البخارية، يخرجن كُل صباح ومعهن عدد من المنتجات، ثم يغادرن منازلهن للبحث عن زبائن على الطرقات، وداخل الأسواق "يقومن بتسويق منتجاتهن، وهن على دراجاتهن البخارية"؛ نظرا لعدم قدرتهن على الحصول على محلات أو أماكن في الأسواق، يقضين ساعاتٍ طويلةً في التنقل والتجول حتى تتمكن أي منهن من بيع أعمالها اليدوية أو المنتجات، ويُصبح الحفاظ على "الموتوسيكل" من التلف أو الضياع ضرورة قصوى في حياتهن.
لا تستطيع بعض السيدات الحصول على منتجات وأدوات من أجل بيعها إلى الزبائن؛ لضيق ذات اليد، لذلك يشترك عدد منهن في تطبيق خاص بتوصيل المواطنين أو السائحين من مكان لآخر عبر الدراجات البخارية كوسيلة تنقل أفضل وسط الزحام، يوجد تطبيق اسمه telimane"، من المعتاد أن يطلب أحد الأشخاص تلك الخدمة، فيجد فتاة أمامه جاهزة؛ لتوصيله عبر الطرقات في باماكو، "في أحد الأيام قابلت سيدة تستقل دراجة بخارية، وتعمل مع هذا التطبيق كمصدر رزق لها".
انتشار الدراجات البخارية في العاصمة المالية لا يعني أنها آمنة؛ نظرًا "لعدم توافر طُرق ممهدة كافية، عدم الالتزام بتعاليم المرور، انتشار الدواب أحيانًا في الشوارع، فضلًا عن اختفاء الخوذ الخاصة بالدراجات البخارية من فوق رؤوس السائقين"، وهو ما يجعل الفتيات في مساحة خَطر لاستخدامهن "الموتوسيكلات" في الحَركة داخل المدينة، إذ تصل نسبة ضحايا حوادث الطرق لديهن لمن هم أقل من 25 عاما إلى 60% من أعداد القتلى - وفق وزارة النقل بمالي، خاصة في الأجواء الممطرة التي تؤثر على حركة المرور.
"هناك أشخاص نادرون يحملون تصاريح للقيادة"، وهي الآفة الكبرى كما تؤكد أسيتو ديجير، في حركة المرور داخل باماكو، يمكن لأي فتاة أو شاب استقلال الدراجات البخارية قبل التأكد من قدرتهم الكاملة على قيادتها، ودون الحصول على رخصة من وزارة النقل، التي اضطرت منذ سنوات إلى تخفيض تكلفتها من 10 آلاف فرنك أفريقي إلى 4 آلاف فقط -ما يعادل 68 دولارًا أمريكيًا- لكن ذلك لم يؤتِ ثماره مع سكان العاصمة، خاصة مع عدم توافر مدارس كافية؛ لتعليم قيادة الدراجات في بلادهم.
الشعور بالحرية والانطلاق يقودان تعلق النساء في باماكو بالدراجات البخارية، الصعوبات والحوادث وأيضًا المضايقات التي يتعرضن لها أحيانًا في الطرقات من الرجال لا تمنعهن من مزاولة هواية ومهنة باتت جزءًا لا يمكن التخلي عنه في حياتهن اليومية، "سواء النساء في المدينة أو بعض القرى المجاورة" حتى أنهن يحرصن على الذهاب إلى السوق الرئيسية بالمدينة من أجل طلاء دراجاتهن بألوان زاهية، ووضع رسومات مبهجة على أجزاء الدراجة تتناسب مع ملابسهن، "الاعتناء بدراجاتهن سواء بتصميمات جديدة أو تحويل الدراجات القديمة إلى أخرى جديدة أمر مُحبب للفتيات في بلادي".
فيديو قد يعجبك: