مستوحى من قصة حقيقية.. كيف فضح مسلسل أمريكي "ترامب"؟
كتبت-هبة خميس:
يطل ترامب على تويتر بتصريحات وهجوم؛ تارة يهاجم لاعبة كرم قدم ومرة يضع آراءه المغلفة بالعنصرية، لكن تلك التصرفات لم تكن غريبة على الملياردير فمنذ 30 عاماً لم يكن هناك تويتر ولا فيس بوك لكن الصحف والمحطات التليفزيونية كانت مفتوحة أمامه على مصراعيها للإدلاء بنفس الآراء التي لم تتغير كثيراً.
ففي عام 1989 اكتشفت المهرولة "تيريشا ميللر" مغتصبة وعلى وشك الموت وبالقرب منها حفنة من المراهقين السود التي قبض على بعضهم وقتها واتهم خمسة منهم بارتكاب الجريمة دون أدلة مادية وعلى الرغم من القبض عليهم بعيداً عن الضحية، ومع تقدم التحقيقات لفقت لهم التهمة مع إجبارهم على الاعتراف وأمليت عليهم الشهادة لتسجيل أشرطة اعتبرت وقتها الدليل الوحيد على ثبوت التهمة عليهم. فيما لم يكن ترامب بعيدا عن الصورة.
يبدأ المسلسل القصير"when they see us" الذي لا تختلف أحداثه عن الواقعة الحقيقة بأحد أيام الجمعة من عام 1989. وفد صاخب من المراهقين السود يغزو السنترال بارك يلتحق بهم أبطال الواقعة "ريموند سانتانا" "أنترون ماكراي" كيفن ريتشاردسون"،"يوسف سلام" و"كوري وايز" لاختبار تلك الطاقات المختلفة لكن بعد قليل يبدأ بعضهم في مهاجمة سائقي الدراجات ورجل أبيض فتأتي الشرطة للقبض على المشاغبين فتجد المهرولة "تيرشيا ميللر" بين الحياة والموت مغتصبة على بعد 800 متر من المراهقين المقبوض عليهم.
ما حدث بعد ذلك كان كارثياً فمفوضة الشرطة آنذاك "ليندا فيرستين" خرجت بالاستنتاج المريح بأن مرتكبي الواقعة هم المراهقين المقبوض عليهم لتبدأ بعد ذلك عملية تلفيق واسعة وتسجيل أِشرطة واعترافات لقصر تحت ظروف غير آدمية وتحت التهديد للاعتراف بالواقعة.
الوحيد الذي لم تسجل له أشرطة ولا اعترافات كان "يوسف سلام" الذي قبض عليه في يوم آخر هو وصديقه "كوري وايز" بعد احتياج الشرطة وقتها لآخرين لإكمال مسلسل التحقيق وحبك الواقعة على رقبتهم جيداً.
وبين سير التحقيقات طل علينا وجه ترامب بإعلان كبير في صحيفة يطالب فيه الولاية بعودة أحكام الإعدام ثانية ليكون المتهمون عبرة لأمثالهم.
ومن محطة تليفزيونية للأخرى يتنقل وجهه مشحوناً ضدهم وهو يقول: "لو أنني أود أن أكون شخصية أخرى لوددت أن أكون شاباً أسود متعلماً لأن الدولة من أولياتها الآن الاهتمام بالسود".
فترد والدة يوسف سلام في سؤال ساخر أثناء متابعتها للتليفزيون: أحياناً علينا أن نسأل أنفسنا متى سيلتقط بيض البشرة أنفاسهم من القمع في هذا البلد؟
ويبدو ذلك السؤال ملخصاً لاتجاه انتهكته أمريكا سياسياً لسنوات وبدا ناجحاً فكل ما هو أسود وفقير يبدو مداناً في نظر المجتمع والدولة حتى لو كان طفلاً عمره 14 عاماً.
ومن جلسة محاكمة لأخرى تم تقسيم المحاكمات على المتهمين وبوجود مجموعة ضعيفة من المحامين المدافعين عنهم مع استمرار تدليس المدعي العام وإخفاء الأدلة والتلاعب المستمر بعواطف الناس وتم توزيع أحكام عشوائية من 6 سنوات لـ14 عام للمتهمين.
ويروى المسلسل القصص تلو الأخرى، فيما كانت الأكثر تأثيرا قصة "كوري وايز" الذي لم يقبض عليه لكنه جاء إلى القسم لمساعدة صديقه "يوسف سلام" فبعد تلفيق معظم الاعترافات للأربعة مراهقين اكتشفت ليندا بوجود شيء ينقص نظريتها بثبوت التهمة عليهم فاستعانوا بكوري تحت التهديد للاعتراف على الباقين منهم مع وعود بتركه مثل الباقون.
وبعد المحاكمة الهزلية يخرج كوري بمجموعة أحكام تكفي لإيداعه في السجن فترة طويلة، وحيداً لأنه كان الوحيد بينهم من تخطى السادسة عشر.
اثني عشر عاماً قضاها كوري في أربعة سجون مختلفة معظم أيامها في الحبس الانفرادي.
ورغم كل ذلك التعذيب المتعمد في السجن لكوري إلا أنه لم يضطر للاعتراف يوماً لإطلاق سراحه لدرجة تخلفه عن حضور تلك الجلسات الصورية. ومع تمسكه بإيمانه في براءته يقابله سجين كان افتعل مشاجرة معه في سجن آخر، السجين هو "ماتياس ريسس" الذي يصل تحت صمود كوري للاعتراف بجريمته لإحساسه بالذنب؛ فهو المغتصب الحقيقي. وبعد تحليل الأدلة والاستماع لروايته تظهر براءة المراهقين الخمسة.
ومع تبرئتهم يفتح لهم المجتمع أحضانه من جديد وينالوا في قضية تعويض ضد ولاية نيويورك 40 مليون دولار، عام 2014 ولكن مع معرفة الكل بتلفيق التهم ضدهم تستمر المحققة ليندا فريستين في عنادها وتصبح كاتبة شهيرة لروايات الجريمة.
في لحظات المشاهدة الأولى نظن أن البطل في المسلسل هو المراهقون، لكن بعد لحظات من توالي الأحداث نعرف أننا أمام بطولة لا تتكرر للأمومة في أنقى صورها أمام الظلم. في السجن حينما تزور أنترون أمه يخبرها بأنه يشعر أنه مكروه فترد عليه في حوار هو الأكثر حساسية:
"أعلم أن الأمر يبدو هكذا لكنني أحبك بما يكفي لأعوضك عن حب الجميع
كل ما أفعله طوال اليوم هو محبتك
إياك أن تظن أنك وحيداً أبداً
أنا أقاسي هذا معك
إن بكيت، أبكي
إن غضبت فأنا أغضب
إن خفت. فأنا أخاف
إن تحررت فأنا حرة
أنت وأنا معاً دائماً"
استعانت المنتجة "أفا دوفنبيري" بوجوه معظمها جديد ويعد ذلك الظهور الأول لبعضهم على الشاشة، مع معايشة الأبطال الحقيقيين للواقعة في حياتهم ومحاكاة لهجة بعضهم وحتى التحدث إلى أمهاتهم لذلك خرج الممثلون بأداء مؤثر جعل الكل يتعاطف مع القضية.
يعد المسلسل من الأعلى مشاهدة في أمريكا، لذا خرج الرأي العام ضد ليندا فريستين وطالب بوقف بيع كتبها، ووقف الناشر العمل معها وأجبرت على الاستقالة من مجالس إدارة المؤسسات الخيرية التي كانت عضوة فيها، في محاولة منها للرد واستمرار ادعائها بوصم المتهمون بالتهمة لكن ذلك كان محاولة منها لإنقاذ نفسها إذا وجهت لها تهم في المستقبل بشأن تلك القضية.
أما ترامب رفض الاعتذار مراراً عن موقفه السابق بعد براءة المتهمين وبعد أن صار رئيس دولة محركاً للأشخاص والسياسات عبر تويتر .
في نهاية المسلسل يخبرنا بمصير الأبطال الحقيقيين فانتقل معظمهم من نيويورك عدا "كوري وايز" الذي أسس مؤسسة للاستشارات القانونية غير ربحية للمدانين خطأ تدعي "كوري وايز إينوسينس" ، وكما أصبح "يوسف سلام" مؤلف و متحدث عام يدعو لتغيير السياسة المتبعة في نظام العدالة الجنائية.
فيديو قد يعجبك: