إعلان

"من النهاردة أكلنا صحي".. رحلة أمهات مع الأطفال لمستقبل أفضل

11:05 ص الجمعة 03 مايو 2019

كتبت وتصوير-إشراق أحمد:

وجدتها دينا السعيد فرصة للتنزه يوم العطلة، وبالوقت ذاته تنشد لطفليها شيئًا يتعلماه. قبل الخروج من المنزل وضعا ابنيها عمر وكريم المصاصات في جيب بنطالهما. ابتسمت الأم بينما تعرف أنهم في طريقهم لقضاء يوم يمارسون فيه الأنشطة عن الطعام الصحي والحد من تناول الأطفال للحلوى.

تحت شعار "أكل صحي" دعت آية يحيى إلى حضور الأهالي وأطفالهم لقضاء يوم -تزامنا مع إجازة عيد العمال، ليتبادلوا فيه خبراتهم ومحاولتهم في تناول أبنائهم للأطعمة المفيدة لصحتهم ونموهم، مقابل تقليل الحلوى والأغذية المضرة.

كونها أمًا لطفلة ذات ثلاثة أعوام تعلم آية حاجة الوالدين في يوم هكذا. لم تجد السيدة العشرينية ومن عاونها أفضل من الورش واللعب لجذب الأطفال، والمحاضرات لإفادة الكبار ومنحهم بعض الوقت بعيدًا عن الأبناء.

1

"عايزة الأولاد ومنهم بنتي ميحسوش أنهم لوحدهم اللي أهلهم بيخلوهم ياكلوا أكل صحي" لهذا قررت آية الخروج من دائرة الحديث الإلكتروني والبحث وحدها منذ عامين عما يفيد طفلتها "مريم"، وعملت على لم شمل مَن تعرفت عليهم خلال رحلتها لإيجاد أطعمة صحية لابنتها، معتمدة على قاعدة أساسية في التربية "مينفعش أقول للطفل على حاجة لأ من غير ما أقدم له البديل"، وعليه وفرت للحاضرين عدة بدائل، قُدمت عبر وسائل مختلفة، ووجدت سريعًا من يشاركها من مقدمي الأنشطة للأطفال.

2

داخل حديقة روضة أطفال في التجمع الخامس، كان اللقاء مع ظهر يوم أول أمس. بدأ الحماس مبكرًا؛ انطلق الصغار نحو الأرجوحة والألعاب الموجودة، فيما انقسم المشهد لعدة أركان بها طاولات ومقاعد صغيرة، منها ركن وُضع فيه ساتر خشبي لعرض العرائس.

3

يطل رأس دمى من خلف الجدار، يضحك الأطفال. ينادي سعيد العائد من العمل على زوجته سعدية، يخبرها أنه تناول طعام من الخارج والكثير من الحلوى التي يحبها، تلومه بأن ذلك سيسبب له آلام في المعدة، تنصحه أن يأكل مثلها الخضروات والطعام الصحي ويمارس الرياضة، لا يستجيب سعيد لها ويسخر منها، إلى أن يظهر له "ساركوز" بلونه الأحمر، البكتيريا السيئة التي أصابت أمعائه، ثم "فينتو"، أخصر اللون، ما التقاه بعدما عزف عن تناول الحلوى وأن يكون مثل سعدية.

4

بعرائس صنعتها يداه قبل أشهر، قدم مصطفى لاشين بصحبة سارة فوزي مسرحية للصغار فيما لم يغادر الأهل العرض، ملتمسين شيئاً من البسمة المرسومة على وجوه أبنائهم والتفاعل مع العرائس.

5

غادر لاشين العمل بالسياحة، ووجد شغفه في صناعة العرائس، حتى أنه تعلمها عبر الإنترنت. يؤمن الشاب العشريني أن الدمى وسيلة فعالة لتعليم الصغار "لما يتقال للأطفال نصيحة مباشرة بيعاندوا ومش بيستجيبوا".

ورغم أنه عرض لاشين الأول خارج نطاق الأقارب والأصدقاء، لكنه لمس الصدى بعد المسرحية؛ إذ اندفع الأطفال لإلقاء التحية على العرائس، ومنهم مَن أمسك بها، فيما لم يغادرهم رسالتها. "حبيت فينتو عشان هيخلي بطني حلوة" بصوت رقيق تقول أروى ذات خمسة أعوام بينما تتأرجح انتظارًا لبدء الورش.

ذهب الأهالي إلى المحاضرات في غرفة بعيدة عن الحديقة، تلقوا حديث عن تنظيم النوم وتحضير الطعام عبر مدربين تنمية بشرية. لقت الجلسات استحسان الحضور. "طالما في مكان بيفصلني عن الولاد ويكونوا في أمان فدي فرصة عظيمة"، تقول دينا بينما ينطلق ابنيها ما بين الألعاب والورش.

6

على خلفية أغاني استقبال شهر رمضان، حول طاولة صغيرة تحلق الأطفال، عيونهم على الحلوى الموضوعة جوارهم، لكن عائشة بهاء الدين لم تمهلهم طويلاً، تبتسم بينما تخبرهم أن المصاصات وحبات الشكولاتة وحلوى الخضمى "المارشميلو" والعلكات لن تؤكل اليوم، ينصدمون قبل أن تلاحقهم بما يدور في أذهانهم "طيب هنعمل بيها إيه؟". تسأل قبل أن تجيب "هنرسم بيها". صدمة تظهر في العيون بينما ينظرون للنماذج الموجودة على لوحة صنعتها عائشة، لتبدأ المهمة الصعبة على نفوس الأطفال؛ أن يتنازلوا بأيديهم عن حبهم "للحلويات".

7

يذهب كل من في الورشة إلى طاولة الحلوى يختار منها ما يشكل لوحته، تحذرهم عائشة من أكلها، تأتي بإحدى المصاصات ترشها ببخاخ، تخبرهم أن جميع مَن يختارونه "مرشوش". تتعالى صيحات الصغار بينما تضع عائشة المصاصة في مسحوق ملون جانب ألوان المياه والخشب المتوفرة.

استمرت تعليقات الصغار وهم يصنعون لوحاتهم، تفتعل جنى ذات العشرة أعوام البكاء بينما تحاول وضع حلوى الجيلي على ورقتها الملونة الصغيرة لصنع فانوس رمضان "مش قادرة بتعذب.. أنا بعشق الحاجات الحلوة ده مش سؤال بالنسبة لي"، فيما يقرب عبد الله رسمته من فمه قائلاً "أنا عايز أكلها".

8

تحاول عائشة التماسك من الضحك مع تعليقات الصغار والاستنجاد بها صائحين "يا ميس هيجرى لنا حاجة"، ومع استمرارهم في صناعة اللوحات، تدرك الشابة العشرينية أن فكرتها تسلك طريقها إليهم. "بنحاول نخلي وعي الأطفال أفضل"، ولأنها تخرجت في كلية التربية وتهوى الرسم، قررت توظيف ما تجيده لتعليم الأطفال.

استلهمت عائشة فكرة الرسم بالحلويات خلال لعبها مع مريم ابنة صديقتها آية، بينما كانوا في إحدى المطاعم، أمسكت الشابة أكياس السكر وأخبرت الصغيرة "إيه رأيك نلونه؟"، فخطر ببالها "طيب ما أحنا نقدر نلون أي حاجة"، فكان التنفيذ الأول للورشة مع الأطفال في اليوم الصحي.

9

مع الوقت أصبح الصغار يقبلون على الرسم، يصنعون المزيد من اللوحات، حتى أنهم يهرولون برسوماتهم إلى أباءهم وقت تلقيهم المحاضرات ليريهم إياها. فعلت سلمى بذهابها إلى والدتها شيماء الصغير "قالت لي أنا ندمانة وحاسة أني بتقطع من جوه بس انبسطت". سعدت شيماء بأن ما انتظرته من المشاركة في اليوم تحقق "أنهم يدمجوا تعليم حاجة مفيدة باللعب دي حاجة حلوة".

10

صورت شيماء رسمة ابنتها، ثم عادت للاستماع إلى المدربة هبة الشريف عن إعداد الكشري الذي تناوله الحضور اليوم بطريقة صحية؛ فبينما كانت هبة تعاني من الوزن الزائد لاسيما بعد إنجاب طفلتها الصغيرة "ريماس". لسنوات حاولت إتباع حمية غذائية، لكنها أدركت أنه ليس هناك نظام واحد يفيد الجميع، فصنعت الأم الثلاثينية "معملها" كما تصف وأوجدت البدائل. تعطي هبة الأمثلة للحضور "الدقيق ممكن استبدله. أي حاجة ممكن تتطحن زي الرز البسمتي، العدس".

11

الحرص على تجريب الأطفال وذويهم للأطعمة الصحية البديلة، كان ضمن برنامج اليوم. قدمت ريهام سمير البيتزا المصنوعة من طحين العدس، انتابتها السعادة حينما رأت استحسان الصغار لها، وتساءلت بعض الأمهات عن كيفية إعدادها، فيما استمرت سارة فوزي في تقديم كرات الشوكولاتة الصحية للأولاد. تعيد الأم الثلاثينية سؤال الصغار بعدما تختبر حبهم لما تناولوه "عجبتكم؟ عرفنا معمولة من إيه؟"، فيصيحون "تمر ومكسرات وكاكاو"، تسعد السيدة بحفظهم المكونات، مطالبة إياهم بإخبار أمهاتهم لصناعتها لهم.

تعاني عزيزة من كثرة تناول طفليها للحلوى، تحاول بكافة الطرق الحد من الأمر، لكن إلى الآن لم تفلح، لهذا وجدتها فرصة ليتعلم أبنائها بطريقة مختلفة، فيما ليس هناك مشكلة لدى إيمان فتحي في إقناع أبنائها بالطعام الصحي لكن الأزمة مع محيطها من الأسرة والأًصدقاء "أحنا مانعين الحلويات والأكل السريع بس لما نروح عند حد بتبقى مشكلة لو أخدوا واضطر أسكت"، تتذكر ابنتها رقية وهي بعمر الخامسة حينما رأت أب يجلب لصغيرته مياه غازية، وقفت الفتاة تعدد للرجل الأضرار كما أخبرتها والدتها طبيبة الأسنان.

12

ورغم اختبار إيمان لأبنائها إلا أنها أرادت بحضورها اليوم تأكيد المعنى لهم "لما تقولي لولادك أن ده وحش ويلاقوا صحابهم بياكلوه هيفضلوا يفكروا لكن هنا هيلاقوا أن في ناس كتير زيهم" تبتسم الأم ذات السادسة والثلاثين ربيعًا، بينما ترى انطلاق صغارها مرحين بين الورش.

تنتهي الطاولات الثلاثة عند هبة الشيشتاوي، تمسك المعلمة بنماذج بلاستيكية للأسنان وفرشاة، بخطوات عملية توضح للصغار كيفية تنظيف الأسنان، وكيف يبدو شكلها حينما تتلف، تدعوهم للإمساك بالأقلام لتجربة الأمر، بوضع نقاط على صورة لطفل تسميه "بندق"ـ ثم تمرر الفرشاة لكل منهم لإزالة ما يبدو "تسوس".

13

وسائل عدة تحاول بها الأمهات مقاومة تناول أطفالهم للحلوى. وصلت دينا لاتفاق مع ابنيها أن تكون مرة أسبوعيا، فيما لا تخلو محاولات خريجة العلوم من وضع حيل "جت على عمر ابني فترة كان بيقرأ المكونات لأني فهمته أن أي حاجة فيها E تبقى مواد حافظة" تضحك الأم بينما تخبر أن مثل تلك الأساليب تفلح "مبقوش يشربوا البيبسي مثلا".

فيما تعتمد شيماء الصغير على إعداد أطعمة مختلفة واستمالتهم لتجربتها، متجاوزة مقولات مثل "حرام ليه حرماهم" بتعليم صغارها حينما تفرد بهم أضرار ما قد ينجذبون له من "أكلات سريعة"، على أن تكون حاضرة دوما بالبديل.

14

تعلم الأمهات أن لا سيطرة كلية لهن على أبنائهن خارج المنزل، ولا على رغباتهم، لكنهم يراهن على زيادة الوعي لديهم، تقول دينا "فكرة أنهم يبقوا عارفين أن ده غلط لكن مش هنعمله كل يوم. لو وصلت لده هتبقى مرحلة حلوة"، فيما ترحل عزيزة وبداخلها طمأنينة بأن ابنتها فريدة ذات التسعة أعوام، أصبحت بعد ذلك اليوم تعلم أن هناك مصير آخر للحلوى غير أكلها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان