مغامرة في الظلام.. كفيفات يتسلقن الجبل بمحمية وادي دجلة (بالصور)
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
لأول مرة تسمع منة محمد، ابنة الـ34 ربيعًا، كلمة محمية، لم تدرك كهنها، طّنت الأسئلة بعقلها؛ ماذا تضم وكيف تبدو؟ لكنها كسرت استفساراتها وقالت بصوت ممتلأ وعالي "يالا أدينا هنروح ونشوف"، لترّن ضحكات 14 فتاة أخرى داخل الحافلة التي تحتضن كفيفات جمعية النور والأمل، في طريقهن إلى زيارة محمية وادي دجلة في المعادي.
طيلة شهور سعت ريهام أبو بكر لهذه اللحظة، أن تشّق طريقها نحو محمية وادي دجلة ولكن هذه المرة برفقتها فتيات كفيفات. اعتادت الفتاة الشابة على السفر، شُغفت بالسياحة الجغرافية، أن تنظم جولات في المناطق البعيدة وغير المطروقة في برامج السياحة المعتادة، تنغمس في حياة سكانها المحليين، تعرف عاداتهم، وتتذوق أطعمتهم التقليدية، فشكّلت عام 2015 شركة سياحية، وانبثق منها مبادرة رحالة، التي تُعد الجانب الخيري في مشروع ريهام إذ تنظم رحلات مجانية لمن لا تصل لهم السياحة بسبب ظروف مادية أو صحية.
"هعمل هايكينج للكفيفات"-رياضة المشي الجبلي-؛ دقّت الفكرة عقل الرحالة الشابة، طرقت موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لتبحث عن متطوعات تعين الفتيات على رحلة كهذه، فيما كان الصدى غريبًا، كيف يمكن لفاقدات البصر أن تتجول داخل محمية كل متعتها في الإبصار وإشباع الأعين بجمالها ومساحتها الفسيحة، وأن تمارس المشي الجبلي، لكن إيمان ريهام بـ"إن السفر مش حكر على حد، وإن الإنسان مش لازم يشوف المكان بعينه، ممكن بإحساسه، بقلبه، وبعقله"، فكانت رحلة اليوم.
في الثامنة صباحًا وصلت الحافلة إلى مقر دار النور والأمل بمنطقة مدينة نصر، توافدت أكثر من 20 متطوعة، إحداهن جاءت من طنطا، أخرى المنصورة، فقط لأجل تيسير اليوم على الكفيفات اليوم، وما إن صعدت الفتيات إلى الحافلة حتى تلاقت الأرواح، اختارت كل متطوعة فتاة تكون رفيقتها طيلة الرحلة.
في الطريق إلى المحمية لم تشعر الفتيات بالملل، كيف ومنة تجلس معهن؟. استعدت الفتاة الثلاثينية جيدًا لتلك الرحلة، وأولها أن تُعد قائمة بالأغاني، انغلقت "فلاشة" حمراء اللون على مصادر البهجة، أغاني ذات موسيقى صاخبة ضجّت بالمكان، عّم التصقيف والتهليل بين الفتيات، تُبادر منة بإطلاق الزغاريد، تشجع أصدقاؤها على ترديد كلمات الأغاني معها "يالا سقفوا عاوزين نتبسط في الرحلة".
لم تكن تلك الأجواء غريبة على الفتيات، اعتدن على ما تفعله منة في الرحلات طيلة 9 سنوات حين التحقت بجمعية النور والأمل، فصرن أصدقاء "وشلة كبيرة"، تصحح إحداهن الجملة "عيلة كبيرة". ذهب الرفاق إلى رحلات عدة "الأزهر بارك، وساعات نروح نصيف في بورسعيد مثلًا وكدة"، لكن فكرة الذهاب إلى محمية بدت غريبة وغامضة بالنسبة لهن "وده اللي خلانا متحمسين، عمرنا ما جربنا ده".
عام 1990 انضمت شويكار طاهر للجمعية؛ حين وصلت للمرحلة الثانوية خّف بصرها تدريجيًا، شعرت أنه يتلاشى "وبقيت بشوف النور والضلمة بس"، تذكر الفتاة الثلاثينية. حين أخبرتها إدارة المكان عن الرحلة "روحت سألت ابن أختي إيه المحمية دي، إكمنه مهندس وبيشوف فعارف"، أخبرها أنها صحراء فسيحة، ستلتقي بالنباتات النادرة "بس هتروحي تعملي إيه هناك يا خالتو؟ ده أنتِ هتزهقي". أخبرها الشاب العشريني، غير أنها أرادت أن تختبر الأمر بنفسها "صحيح مش هشوفها، بس هتعرف عليها بطريقتي".
داخل محمية وادي دجلة، المستقرة على مساحة 60 كم2، كانت تتلمّس 15 فتاة كفيفة خطواتها على الأرض غير المستوية، تشعر بتدرجات المكان بتعثرها في صخرة، أو في الهواء المُعبأ برائحة الأتربة، تنحني الفتيات لتلتقط صخور متناثرة في الأرض، يقربنها من أنفهن "ريحتها مختلفة عن الطوب العادي" تصيح آلاء، إحدى فتيات الرحلة، لترد عليها ريهام بتفاصيل أكثر عن المكان العريق، فيما تميز بداخله المتطوعات بردائهن المميز برتقالي اللون.
"يعني إيه محمية؟" تهتف ريهام في الجمع ثم تسترسل في الحكايات، المكان الفسيح ينضوي على حيوانات ونباتات نادرة، وصخور عمرها أكثر من 40 مليون سنة، بينما تشرح للفتيات يشرعن في تفقد الصخرة، يمررن أناملهن عليها بينما تُكمل الرحالة الشابة "الصخور هنا طبيعية، يعني ربنا اللي خالقها ولسة محتفظة بشكلها من لمّا ربنا خلق الأرض، عكس الصخور أو الطوب اللي مبني به بيوتنا اللي الإنسان تدخل في صناعته".
لم تظن عظيمة عادل، الفتاة الثلاثينية أن تمتلأ بتلك الطاقة، أن تغمرها المتعة في يوم اعتقدت أنه "مجرد زيارة لصحراء، يعني حاجة مملة"، بددت رفيقتها المتطوعة ذلك "الصحبة الحلوة دايمًا تفرق". قرابة كيلو مشت الفتيات حتى عرجت أقصى يمين المكان لتقترب من الجبال الممتدة على الجانبين، وما إن وصلن، حتى تلمّسن الجبل، يضعن أياديهن عليه ليمتلأن بتكوينه، فاستأنفت ريهام شرحها، ثم فاجأتهن "مين يحب يطلع الجبل".
للوهلة الأولى بدا الصمت على الجمع، دّب التردد في نفس الفتيات الخمسة عشر، ثم سرعان ما تلاشى ذلك حين شجعتهن كل متطوعة. تقدّمت عظيمة بخطواتها، طوّقت رفيقتها ريم أياديها، ثم دخلن في التجربة "دي كانت أحلى حاجة في اليوم، أكسر روتين وأطلع جبل ومخافش، حتى لو مش أعلى حاجة بس أديني عملتها".
لم تكن تجربة "الهايكينج" بجديدة على المتطوعة داليا عزام، اعتادت مُدرِسة الفنون التشكيلية على الأمر "بس أول مرة أتطوّع مع كفيفات عشان نجرب ده سوا"، حين رأت السيدة الأربعينية الفعالية على مواقع التواصل الاجتماعي انتابتها الغرابة "هنعملها إزاي"، لكن ذلك كان سبب حماسها لخوض التجربة.
خلال مرحلة صعود الفتيات إلى الجبل، أخذت تنادي داليا على آخر الصفوف تخبرهم بأن يصيحوا بأعلى صوت يمتلكن وكذلك أول الصفوف "لإن البنات مش مدركة قوي هي طلعت أد إيه كمسافة حتى لو أدركت ده بالجهد، فحبيت إنهم يحسوا ده بالأصوات"، وحين تمر سيارة تطلب منهن الاستماع لوقع خطواتها "عشان يحسوا أد إيه هي بعيد مثلًا".
كان أكبر تحدي بالنسبة لداليا كيف تغير ما اعتادت عليه ليلائم الفتيات "بطبيعة شغلي أنا بتعامل مع لغة الشكل، لكن دوري النهاردة إني أحوّل لغة الشكل لصوت"، لذا كانت المناداة حيلتها لتدرك الفتيات "أبعاد المكان، مدى الارتفاع".
حين وصلت داليا إلى الحافلة، قادها القدر بالجلوس بجوار سعيدة، إحدى فتيات جمعية النور والأمل "قعدنا دردشنا شوية، حسيت إني عاوزة أكون معاها باقي اليوم"، كيميا نشبت بين الطرفين، فطلبت الفتاة الثلاثينية من ريهام أن تُبدل أرقامها لتصبح مرافقة سعيدة "طول الطريق بخليها تلمس الأرض بإيدها، عشان تحس طريقة حفر الصخر والتغير بتاع الرمل لما ينزل سيول أو مطر ويعمل تشكيلات، أقولها ارفعي رجلك كذا خطوة أو سم عشان تدرك إحداثيات المكان اللي واقفة فيها"، فيما أخذت داليا من روح سعيدة "كفاية اسمها".
في الرحلة كان دور تقى عيسى مختلفًا عن باقي المتطوعات؛ تتلفت يمينًا ويسارًا، تتابع باستمرار الحركة الدائرة حولها، ماذا تفعل الكفيفات، كيف تساعدهن المتطوعات، تملأ عينيها بتفاصيل المكان، أحيانًا تخرج هاتفها المحمول لتلتقط صورة له، إذ قررت الفتاة العشرينية أن تطوع للمجئ ورسم سير الرحلة ونشاط الفتيات "وأديهم الرسومات دي يعلقوها عندهم كذكرى لليوم، حاجة تكون مختلفة عن التصوير".
لم تنقطع أجواء المرح عن الرحلة، في الصعود إلى الجبل تنفلت الضحكات سخريًة من بعضهن، وفي وقت الراحة لا تخفت طاقة الفتيات، يكملن المرح بترديد الأغاني أو استعادة النشاط الذي مروا به، تتبدل أمارات القلق إلى سعادة على وجوه الفتيات، فتبصر ريهام ما آمنت به "ممكن شخص يشوف المكان بعينيه لكن ميوصلوش أي حاجة من مشاعر وجمال المكان، عكس اللي حصل النهاردة، بنات كفيفات قدروا يحسوا بالمكان، يدخلوا في الأجواء بتاعته ويندمجوا، ويطلعوا مبسوطين، ده الهدف اللي كنت عاوزة أوصله، إن الناس تقدر تشوف بحاجات تانية غير العين".
فيديو قد يعجبك: