إعلان

"كأني أمها".. 30 عاما من المحبة بين سيدة نوبية وشجرة جوافة (صور)

01:44 م الجمعة 22 مارس 2019

كوثر مدثر

كتب- محمد مهدي:

تصوير: جلال المسري

مَن يُخلد سير الحُب ليس المؤرخين لكنه الصدق، يمنح المُحب روحه للتجربة، يصدقها، يؤمن بأنها مكمن سعادته، فتتحول مع الزمن إلى حكاية لا تُنسى.. في منطقة غرب سهيل النوبية، ثمة رواية متداولة عن سيدة ستينية تعشق شجرتها، ترعاها باهتمام بالغ، تتحدث إليها في الصباح والمساء، تحزن حينما تُصاب بشيء، تبتهج في شهور طرحها، كأنها أم للشجرة "بعتبرها زي ابني بالظبط" تذكر "كوثر مدثر" كلماتها بينما تستعيد معنا 30عاما من المحبة مع تلك الشجرة.

صورة 1

في صيف عام 1987، كانت "كوثر" في طريقها لشراء احتياجات المنزل، أرهقتها الشمس لكنها أكملت طريقها مضطرة حتى عثرت على شجرة صغيرة، جلست أسفلها لدقائق لتلتقط أنفاسها "قولت لنفسي قد إيه الشجر حنِين على البني آدمين" فقررت أن تزرع شجرة أمام بيت الأسرة "جِبت شتلة جوافة، وزرعتها بإيدي" ضحك الجيران من فعلتها، الشجر يحتاج إلى الصبر فهل ستحتمل الانتظار لسنوات كي ترى النتيجة؟ "قولتلهم دي عشانكم، تبقى ضُليلة ليكم ونتجمع تحتها، لأني بحب الوصال والمودة".

رُزقت السيدة الثلاثينية-حينذاك- بابن لها قبل زراعة الشجرة بأشهر، أحست نحوها بمشاعر مشابهة لما يساورها تجاه طفلها، تُلقي نظرة علي كُل يوم لتطمئن على نموها، تعلو الفرحة وجهها بينما تراها تَكبر ببطء حتى جرت الحادثة المؤلمة "صحيت مرة لقيت معزة جارتنا أكلتها بعد ما خضرت شوية" صدمها الحزن كأنها فقدت عزيز، لم تكن تتوقع أن تتعلق بها بتلك الصورة "قعدت جنبها بعيط، جالي سخونية ومرضت من الزعل" حينما تعافت أعادت الشتلات المتبقية إلى الأرض في انتظار عودتها إلى الحياة مرة أخرى.

صورة 2

"بقيت أقعد جنبها عشان ميحصلهاش حاجة" تحرسها "كوثر" على مدار اليوم "أقعد جنبها في عز البرد والصيف خايفة عليها" يحاوطها الجيران بتعليقات ساخرة "إنتي فاضية؟ سيبك من الشجرة" غير أن شعور المسؤولية تجاه شجرة الجوافة جعلها لا تلتفت كثيرًا لحديثهم، مع الوقت اختفت تلك الكلمات "لما كبرت بقيت هي ملجأ الناس من الحَر".

صورة 3

مضت 3 عقود على زراعة الشجرة، توفت والدة "كوثر"، تزوج الأشقاء، مات الزوج، كَبر الابن ثم انتقل إلى بيت جديد بأسوان، اعتقد الناس أن السيدة الستينية ستصبح وحيدة، لكن ذلك لم يحدث "وحيدة إزاي وأنا معايا شجرتي؟" في الصباح الباكر تخرج من منزلها تجلس أسفل الشجرة التي صارت عملاقة "يتجمع عندي كل الجيران، نفطر سوا في الضُليلة" لا تشعر بالمل أبدًا، تبقى طوال اليوم عند الشجرة بجانب كشك صغير قامت ببنائه لبيع الحلوى.

خلال ساعات اليوم تتبدل الوجوه أسفل الشجرة، تتغير النساء والحكايات "الكُل يجي يفضفض تحت الشجرة" تحولت إلى ساحة الشكوى والدردشة والروايات الطريفة "الونسة كلها هنا" وفي ساعات خروج الأطفال من المدارس، يمر عليها الجميع، ليس فقط لشراء الحلوى "عشان يرتاحوا تحتها ويشربوا من الزير" هذا الضجيج يمنحها الاطمئنان والشعور بأنها ليست بمفردها "من غيرها كنت هأحس بالوحدة، هي اللي جايبالي الناس، بشوف الناس الكويسين بسببها".

صورة 4

لم تعد شجرة الجوافة مصدر سعادة للسيدة النوبية فقط، ذاع صيتها لدى أهالي غَرب سهيل "بتطرح مرتين في السنة، بجمع الجوافة وببعت لكل بيت نصيبه" توزع على الجميع ثمار الشجرة وما يتبقى تحتفظ به من أجل تحويله إلى عصير في شهر رمضان الكريم ليشرب منه الجيران، كما أنهم يستخدمون أوراقها في شفاء المرضى أحيانًا "بيصحوني في عز الليل عشان يطلبوا عِرق من الشجرة لأنه بيساعد على الشفا" حتى أنها تُرسل بعضا منها لمعارفها في القاهرة.

في الماضي كان القلق صديقها، تخرج كثيرًا للاطمئنان على الشجرة "مرة حلمت بواحد بيقطعها، صحيت الفجر مفزوعة وجريت عليها عشان أطمن إنها بخير" لكن تلك الأيام ذهبت دون رجعة "كل الناس بيحبوها، والأطفال بيحترموني محدش بيقربلها، اللي عايز حاجة بيخبط عليا" لكنها لا تتوقف عن عادتها اليومية بالحديث مع الشجرة "الصبح أول ما أطل عليها أقولها (يا شجرتي يا ضللتي.. ريحتك حلوة يا جوافتي) وبليل (ربنا يحرسك لحد الصبح)"، اعتاد الناس على ذلك في القرية الصغيرة.

صورة 5

"ست كوثر" كما يناديها أبناء غرب سهيل، تستقبل أسرتها أسبوعيًا، الأشقاء والابن وذويه، يرقص قلبها باللمّى غير أنها لا تنسى في تلك الساعات مراعاة الشجرة، تقضي معظم الوقت في الكلام عنها "كأني أمها" تعتقد السيدة الستينية أن حياتها ستصبح صعبة دون الشجرة "أوقات الناس تقولي هتعملي ايه لو الشجرة ماتت؟ بقولهم أنا أموت أحسن، لأني اتعودت عليها".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان