إعلان

حكايات عن واحد من "المخلصين" للسينما.. محبّة "رزق الله" عابرة للسماء

04:22 م الثلاثاء 26 نوفمبر 2019

يوسف رزق الله الناقد الفني الراحل

كتبت-رنا الجميعي:

رُبما يدري يوسف شريف رزق الله أن تلاميذه ومُحبينه في ذلك العالم لا حصر لهم، وأنهم ليسوا فقط من تعلّموا مُباشرة على يد الناقد والمدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي؛ بل مُتابعيه الذين شاهدوه عبر التليفزيون، منذ أن كانوا صغارًا تتفتح أعينهم على عالم مُدهش اسمه: السينما.

تلك المحبة التي نبتت في قلوبهم، صارت لها جذورًا ممتدة صعب اقتلاعها، حتى أنها ظلّلت احتفاء المهرجان به في دورته الـ41، خلال فعالية يوم السبت الماضي، التي عُرض فيها الفيلم التسجيلي "رزق السينما"، وظهرت آثار تلك المحبة عبر جمهور عريض ملأ قاعة مركز الهناجر بدموعه وآهاته.

لم يستطع ثلاثة من مُحبي "رزق الله"، الذي رحل في يوليو الماضي عن عمر الـ77، أن يفوتهم ذلك الحدث، ضجّت عقولهم بذكرياتهم معه، يسمعون شهادات الذين عاشروه من السينمائيين، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا من هؤلاء المحظوظين، لكنهم كانوا مُدركين لصدق مشاعرهم تجاهه، هو الذي علّمهم دون لُقياه.

1

حين علمت رولا رشوان بالحدث السينمائي، أيقنت أنها لابد لها من الذهاب، لم تَنْس الشابة أن حُبها للسينما بدأ مع برنامج "نادي السينما"، الذي كان يُعرض على القناة الثانية، تلمع عيناها حين تحكي عن ذلك؛ فقد كان ذلك البرنامج بمثابة طقس مُقدس لدى عائلة رولا، حيث تتحلق الأسرة كل ليلة سبت أمام التليفزيون "كان دايمًا أستاذ يوسف ضيف أساسي في البرنامج".

فُتنت الصغيرة بذلك الرجل الذي يتكلم بنبرة هادئة مُستكينة "ورغم إني كنت صغيرة ومش بفهم في تحليل الأفلام أوي، لكن كنت أحب اشوف المعنى اللي بيتكلم عنه"، كان رزق الله هو البوابة التي أحبّت من خلالها السينما العالمية.

شعور الافتتان ذلك هو ذاته الذي أحسّه مصطفى الطيب تجاه "رزق الله"، فقد جعله يُحب الأفلام الأجنبي التي كرهها صغيرًا، حيث يُقول مُنفعلًا "أستاذ يوسف حببني في الدوا اللي كان طعمه مر بالنسبة لي"، في المرحلة الإعدادية سمحت الفُرصة للطيب بمشاهدة أفلام من حول العالم "كان أول مرة أشوف فيلم فرنساوي وأنا في إعدادي بسببه"، حينها دُهش الشاب بالنظرة التي حلل "رزق الله" بها الفيلم "وقتها اتصدمت لأني مشفتش الفيلم بالشكل ده"، كان ذلك الدافع الذي جعل الطيب يُتابع "رزق الله" أسبوعيًا، وينتبه لاسمه الذي يحتل مساحة كبيرة على شاشة التليفزيون.

حتى أنه اكتسب عادة حفظ أسماء فريق الفيلم كله "من ممثلين ومصورين والإنتاج"، لأنه لاحظ اهتمام "رزق الله" بأسماء طاقم الفيلم خلال تحليلاته الفنية.

كذلك ذهبت منة أبو زهرة إلى الحدث السينمائي، رغم أن مُدة علاقتها بـ"رزق الله" قصيرة جدًا مقارنة برولا والطيب، فمنذ أربع سنوات قادتها صُدفة عبر موقع الفيسبوك لمشاهدة مقطع من برنامج "نادي السينما"، فتذكر بملامح مبهورة "وقتها الحلقة شدتني جدا وشدني الراجل الجميل اللي كان بيتكلم"، من هُنا وجدت منة نفسها مدفوعة بالبحث وراء "رزق الله"، لم تُسعفها شبكة الإنترنت كثيرًا "البرامج اللي من التليفزيون المصري مش متوفرة أوي على النت".

2

ولكنها تمكّنت من مُشاهدة بعض الحلقات من البرامج الثلاثة، ففضلًا عن نادي السينما، رأت منة برنامجي "أوسكار" و"ستار"، ومن خلالهما تعمّقت الصلة بين الشابة وإخلاص "رزق الله" الشديد للسينما.

كان "رزق الله" يُمثّل في نفوس الثلاثة؛ الكشّاف الذي يُنير الطريق لهم، فـ"رزق الله" لم ينقطع مَدده بإنتهاء البرامج التليفزيونية، فقد أخلص حياته كُلها للسينما، وعبر تغطيته الصحفية للمهرجانات السينمائية على التليفزيون وصفحات الجرائد تتبعت رولا والطيب آثاره "كان هو الباب اللي فتح لنا عالم الأفلام في وقت مكنش الانترنت موجود فيه".

أما بالنسبة لمنة؛ فقد كان الانترنت هو السبيل الذي تعرّفت من خلاله على مجهود "رزق الله"، أحبّت كثيرًا برنامج "ستار" الذي كان يقدمه "كان بيستضيف نجوم السينما العالمية وكان بيعمل معاهم حوارات ظريفة"، كذلك قرأت العديد من المقالات عنه، وسمعت لآراء الكثير من الأصدقاء عنه، كما أنها رأته خلال الدورتين السابقتين لمهرجان القاهرة، حيث شغل رزق الله منصب المدير الفني منذ عام 2000 وحتى رحيله، لكن منة اكتفت بنظرة امتنان من بعيد.

ما إن وصل الطيب إلى الفعالية الخاصة بتكريم رزق الله، ومع رؤيته صورة الناقد الفني على بوستر الفيلم التسجيلي دمعت عيناه، وراحت ذكرياته إلى تلك اللحظة التي رآه فيها منذ ثلاثة سنوات، حيث جلس الطيب بالصف الأخير ليشاهد فيلم ضمن المهرجان، وقد كان رزق الله، الذي ناهز من العمر وقتها 74 سنة، جالسًا بنفس الصف لكن على الجانب الآخر، وقد لاحظ الشاب أنه كُلما غادر أحد القاعة ترك الباب ورائه مفتوحًا، فيقوم المدير الفني للمهرجان بنفسه ليُغلق الباب مرة تلو الأخرى "قمت وقفت جمب الباب طول بقية الفيلم، عشان لما يفتح تاني ميضطرش الأستاذ يقوم بنفسه يقفله".

ورغم أن الطيب لم يكن ضمن جماعة السينما الذين عاشروه طويلًا، لكنّه كان مُوقنًا أن "رزق الله" قد علّمه الكثير دون قصد منه "الراجل ده كان بيربيني بمواقفه، هو مؤسسة ثقافية ماشية على رجلين"، كان حُب الطيب للأستاذ يملأ قلبه حتّى أنه خلق بنفسه الفُرصة ليُعبر عن امتنانه له، حيث كان الشاب مُنسقًا بإحدى المراكز الثقافية، وقبل وفاة "رزق الله" بنحو خمسة أشهر أعدّ لقاء في محبته، وجاء لأجل رؤياه العديد من تلاميذه، ويُكمل مصطفى بتأثر "بعد اللقاء روحت عرّفته بنفسي وقولت له إني درست إعلام بسببه"، كما ذكّره بكونه ذلك الطالب الجامعي الذي طلب منه إجراء حوار صحفي معه في سنته الدراسية الأولى.

امتنان كبير جعل لـ"رزق الله" رصيد حُب لا ينتهي من القلوب، يظهر أثرُها في العديد من المواقف، ففضلًا عن حمل الدورة الـ41 لاسمه، وإصرار إدارة المهرجان على بقاء منصب المدير الفني الذي شغله لتسعة عشر عامًا مُلحقًا بإسمه، كما تم تكريمه العام الماضي في الدورة الأربعين، كذلك بانت تلك المحبة شهادات الفيلم التسجيلي الذي نفدت تذاكره، وأعيد عرضه مرة أخرى في اليوم التالي.

كان رزق الله محظوظًا، حيث فرضت عادة قبيحة آثارها في مصر، بأن النُجباء يتم تكريمهم بعد رحيلهم فحسب، غير أن رزق الله كان ظاهرة مُختلفة، فقد لمس محبّة القلوب له عبر حياته قبل وفاته، مثلما نظرت له منّة ممُتنة ذات يوم، ومثلما عبّر الطيب عن كونه السبب في دراسته للإعلام، وكما لعبت موسيقى تتر برنامج نادي السينما أصداءها خلال فرح ابنه يومًا، ومن المؤكد أنه شاهد من فوق العديد الذين التهبت أيديهم بالتصفيق بعد انتهاء الفيلم التسجيلي، ومن بينهم رولا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان