"كأنه حفلة".. لماذا يُغني ثوار لبنان "مافيا" و"بشرة خير"؟
كتبت-رنا الجميعي:
تجرى العادة في الاحتجاجات أن يكون الغضب هو لسان الحال، لكن الثورة في لبنان مُختلفة عن ذلك، فمنذ بدء الاحتجاجات، في 17 أكتوبر الماضي، والثوار يُفاجئون العالم بأغاني راقصة، حيث انتشرت فيديوهات لساحات لبنان، من مدن مثل بيروت وطرابلس، تغني "مافيا" لمحمد رمضان، "انساي" لسعد المجرد"، "بشرة خير" لحسين الجسمي، وأيضًا أغنية "فاكر لما تقولي هسيبك" لفضل شاكر، كلها أغاني يُمكن أن نسمعها في حفلة زفاف، أو نابعة من سيارة مارة بالجوار، لكن ليس من ميدان ثورة.
"حرفيًا فيه صديق قالي إنه انبسط بالميدان، كأنه في حفلة".. تبدأ قمر مصطفى حديثها لمصراوي بذلك الانطباع التي تلقته، قمر هي واحدة من المتظاهرين بساحة رياض الصلح، التي تقع في وسط العاصمة بيروت، بدأت قمر الاحتجاج قبل البداية الحقيقية للثورة بلبنان "كان بقالنا قبلها بتلات أسابيع بننزل كل نهار أحد، بس كان عددنا قليل"، حيث تعاني لبنان من أزمة خبز وبنزين وارتفاع سعر الدولار.
لكنّ زيادة الضرائب على الواتساب جاءت لتُطلق غضب اللبنانيين "نهار الخميس في 17 أكتوبر نزلنا وزاد العدد مع الوقت وبدأت الثورة".
تُدرك قمر أن اختلاف نوعية الأغاني شئ غريب، لأنها غير معتادة في أي احتجاجات سواء بدول عربية أو حتى أجنبية، فتشرح قائلة "الشعب عنّا بيمل بسرعة، وحتى ما نزهق، بدأ الشباب يشغلوا أغاني كأننا بالسهرات بتاعتنا"، فجزء كبير من حياة الشباب بلبنان هو السهر ليلًا.
معظم الفئة المشاركة في احتجاجات لبنان هي الشباب في سن العشرينيات، كما يقول داني عواد، واحد من المشاركين، وتلك الفئة هي التي حددت طابع التظاهرات "الشباب الصغار عندهم تكنولوجيا ووسائل حديثة للتعبير"، وذلك بعكس "الناس الأربعينيين التقليديين اللي بتكون الثورة عندهم يفط وشعارات".
في بداية الاحتجاجات لم تظهر تلك النوعية من الأغاني "كنا نغني أغاني جوليا بطرس الثورية، وأي أغاني تخص الثورة"، مثل "يا ثوار الأرض"، و"موطني" و"إذا الشعب يومًا أراد الحياة"، و"دائم الثورة يا قلبي"، لكن بعد ذلك صار هناك تحولًا في المزاج العام، فمن مدينة طرابلس ظهر الـ"دي جي"، وانتشر ذلك الفيديو بشكل سريع.
بدأ المتظاهرون في جلب مكبرات صوت "كل واحد من بيته بيجيب اللي بيقدر عليه"، وتارة يُشغلوا الأغاني الثورية وتارة ينقلب الغضب إلى مزاج راقص، "كمان فيه اللي كان بيجيب طبل، وفيه اللي بيرقص دبكة، كانوا عم بيعملوا جو حتى ما يزهقوا".
ترى قمر الوضع بأن المتظاهرين مدركين بأن تلك التظاهرات ستطول، لذا لم يبتعدوا كثيرًا عن إيقاع حياتهم الطبيعية " حتى صار فيه عربية بتبيع درة وعربية فيها كعك".
لكن حتّى تلك الأغاني التي تبدو عادية، وتحكى عن مشكلة عاطفية مثلًا، لكنّ لها رمزية لدى المتظاهرين "يعني أغنية انساي، نقصد بيها نكلم الأحزاب والنواب بنقولهم انسوا إننا نرجع لبيوتنا"، حتى أنهم يقصدون بأغنية "مافيا" تشبيه الحكومة اللبنانية بذلك، وبنفس الرمزية شغّل الثوار أغنية "wrecking ball" للمغنية "miley cyrus"، التي تعني الكرة المُدمرة، فمجازًا فإن الثوار هم هذه الكرة.
وبجانب تلك الأغاني فإن الثوار يعودون مُجددًا، من حين لآخر، للأغاني الحماسية وللنشيد الوطني، فيما يتذّكرون أغاني ثورية قديمة مثل "من أين لك هذا" التي ظهرت منذ عام "الأغنية دي فيها اتهام مباشر للوزرا والنواب وبدأنا نشغلها في الميدان"، كذلك أغنية "طار البلد" لراغب علامة.
وتم تأليف نشيد خصيصًا للثورة يقول فيه "من كل بيوت المنسية.. من هالعتمة جينا"، للشاعر مهدي منصور، وقد لحنه الفنان زياد الأحمدية استنادًا إلى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وقد غناه عدد من فناني لبنان.
لم يكن الفنانون بمعزل عن ذلك، فبجانب مواقفهم المؤيدة للثورة التي أعلنوها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، فإن بعضهم قد نزلوا إلى الساحات منهم المطرب سعد رمضان، وجوزيف عطية ومارسيل خليفة.
لكن عواد لا يعتقد أن الأغاني غير الثورية هي السائدة بالميدان "بنشغل أكتر الأغاني الثورية التقليدية لجوليا بطرس ومارسيل خليفة"، ويرى الشاب أن "مود" الأغاني في الليل يتحوّل للدبكة وأغاني السهرات.
هناك أغنية أخرى صار لها خصوصية بلبنان، وهي أغنية "بيبي شارك"، والتي ظهرت عام 2016، ولكنها تحولت إلى "تريند" عالمي خلال العام الحالي، فقد ظهر مقطع مصور للثوار وهم يهدئون من روع طفل، لكن الأغنية انتشرت، وتغنى بها المتظاهرون بعد ذلك في الساحات الثورية.
كل الأغاني مُتاحة لدى ثوار لبنان، فحتى الراب موجود هناك، ولكن الثوري، حيث يستحضر المتظاهرون أغاني لمطربين لبنانيين توجههم ثوري مثل "ريس بيك" و"بوناصر الطفار".
من النبطية يُشارك جهاد صالح، والتي تبعد مسافة ساعة فقط من بيروت، وتختلف فيها الأغاني عن العاصمة، فيذكر صالح أن هناك تُلعب أغاني الشيخ إمام الثورية "مثل شيد قصورك على المزارع".
وفي وسط احتجاجات لبنان لم ينْس الثوار الغناء للوطن العربي كله، فعادوا لأوبريت "الحلم العربي"، الذي صدر عام 1998، ويحكي عن الحلم العربي في إقامة وحدة العربية، وقد اشتهر الأوبريت تحديدًا بعد انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، وحتى الآذان لم يغفله ثوار لبنان
فيديو قد يعجبك: