إعلان

"العفو عند المقدرة".. مصري ينقذ بريطاني من السجن رغم الاعتداء عليه

08:42 م الثلاثاء 28 أغسطس 2018

شريف محي الدين

كتب- محمد مهدي:

بعد أشهر من الاعتداء عليه في مدينة دورهام البريطانية، وتداول قضيته في عدد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، طَلب الشاب المصري "شريف محي الدين" خلال الجلسة الأخيرة من المحاكمة، عدم الحُكم بسجن المتهم ومنحه فُرصة للخروج من محبسه في مفاجأة لم يتوقعها القاضي وأطراف النزاع والمتابعين للقضية.

محي الدين تحدث إلى مصراوي عن الفترة التي سبقت اتخاذه القرار الهام، سبب العفو رغم محاولاته لأشهر لوضع الجاني في قفص الاتهام، لمن تحدث من أجل الاستشارة، وكيف استعد نفسيًا لملاقاة المتهم ثم طرح قراره للمحكمة، ما جرى بينهما داخل السجن، وشعوره لحظة موافقة القاضي على خروج المتهم من السجن.

قبل أسابيع حين بدا لـ "محي الدين" قُرب إسدال الستار على القضية بحبس المتهم بالاعتداء عليه، تداعت لمخيلته كافة الأحداث منذ اللحظة الأولى حين كان يقضي وقتًا طيبًا في مدينة دورهام أواخر العام الماضي، رفقة أحد أصدقائه، قبل أن يتعرضا لسباب من أسرة، الأب يتفوه بكلمات عنصرية والابن الأصغر يهرول ناحيتهما ويعتدي عليهما مما تسبب في تعرض صديقه لإغماء قبل فرار الجناة "فضلت أفكر في أبعاد كتيرة أوي قبل ما أخد قراري الجديد".

لن يُصبح ابن النوبة سعيدًا حين ينتصر لغضبه، تحقيق العدالة هو هدفه "ودا نقدر نحقق بخسارة مادية أو بتجريم حصل أو إدانة قانونية" لكنه لا يريد سجن أحد، كان هناك حسابات عدة تشغل عقله ما بين المنطق والعاطفة، تنفيذ القانون والظروف الأسرية التي اكتشفها محي الدين بمولد ابنة للمتهم في فبراير الماضي "لحد ما رجعت كفة العفو بس باشتراطات".

لم يُشارك محي الدين أسرته وأصدقائه فيما يُفكر "هيقولوا إني مجنون بعد ما بهدلت نفسي شهور وسافرت كتير ووقفت دراستي وشغلي أسامح في الأخر" شعر بأنه سيُقابل بعاصفة من الرفض أو الاندهاش رغم شعوره بالارتياح للوصول إلى هذا القرار.

بناء على اقتراح محي الدين وموافقة القاضي، تم لقاء بينه والمتهم تحت مُسمى "الحقيقة والمصالحة" وهو اتباع لم تعهده السجون هناك منذ سنوات "المسؤولين عن الجلسات دي بلغوني إنها معجزة إن حد يطلب يقابل المتهم عشان تصالح" رتبوا موعد له، وفي اليوم المحدد وجد نفسه داخل أروقة السجن منتظرًا المقابلة الموعودة.

قَيل للشاب العشريني أن هناك غرفة مخصصة له في حالة تعرضه لانهيار عصبي أو شعوره بالسوء أثناء المقابلة "بس أنا كنت مستعد كويس وفي حالة كويسة "ثقتي كانت عالية وبتعامل بمنتهى هدوء الأعصاب، وبقول لنفسي لازم أوريله منطق القوة الحقيقية عشان يتأكد إن ممارسته للعنف نتيجتها سيئة".

في حضور منسقة من طرف المحكمة، وسيدة أخرى مسؤولة منظمة حقوقية ضد جرائم الكراهية، وشرطية من السجن، وصل المتهم وبدأ حديث محي الدين لنحو ساعتين "قولتله إنك محظوظ بوجودك في السجن، لأني لو كنت قررت أتعامل بالعنف زي ما اخترت كان زمانك بتواجه مصير أسوأ" وهو حق يراه محي الدين طبيعيًا لرد الاعتداء عليه، لكنه لم يفعل ذلك "وإني كان ممكن أبقى مكانه بس الحياة اختيارات وأفعال".

أوضح للجاني مساعيه لشهور في إدانته "عشان دا قراري وحقي، وقراري دلوقتي ممكن يخليه يكمل في مكانه أو يطلع" نصحه بضرورة الرجوع إلى طبيب مختص لمعالجة نوبات الغضب التي تنتابه وتجعله يلجأ إلى العنف "وإني مش هقبل أو أرفض الاعتذار، لكن منتظر إنه يغير حياته للأفضل".

عبرت وجوه الحاضرين داخل القاعة عن مدى تفاعلهم مع كلمات محي الدين "الشرطية دمعت من الموقف، وقالتلي إنه عمرها ما حضرت حاجة زي كدا رغم إنها بتشتغل من 23 سنة" تركت تلك الجملة أثر بالغ في نفسه "حسيت إن اختياري صح ومؤثر".

في جلسة النطق بالحُكم ألقى القاضي كلمة شديدة اللهجة تجاه المتهم "قاله إن تصرفاتك بربرية وإنك بتأثر على شكل المجتمع، واتكلم عن موقفي بطريقة كويسة وإنه فُرصة مينفعش يضيعها" كما أعلن عن العفو عنه بشرط هو الحصول على "كورس لضبط النفس" وفي حالة ارتكابه لأي مخالفة جديدة ستتم محاكمته أمام نفس القاضي على "القضية القديمة والجديدة لو تمت".

بينما يردد القاضي كلمته علت ابتسامة كبيرة على وجه الشاب النوبي "حسيت إني سعيد أكتر من المتهم وأسرته "لأني أمنت من أول لحظة إني هعرف أجيب حقي، وإني مأذتش حد رغم العنف اللي اتعرضناله" قرار حكيم سيبقى في ذاكرته لسنوات طويلة "واتبسط إن قنوات بتعلم تقارير وبي بي سي بتخطط إنها تعمل فيلم وثائقي عن القضية، لو مثال زي دا أثر في الناس هيبقى عندي بكل التعب اللي حصل".

على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أراد محي الدين نَشر المعلومة لمعارفه وأصدقائه والمتابعين للقضية "كتبت في عجالة، لأني كنت محتاج أرتاح بعدها" توقع هجوم كبير على تصرفه لكنه وجد العكس "لقيت ناس بتقول دا قرار صح" اعتبره البعض تعبيرًا عن أصالة وطيبة النوبيين وآخريين يقولون إنه تعبير عن سماحة الدين الإسلامي "وأنا شايفه إنه مزيج من كل دا، زائد مواقف مع والدتي، كانت دايمًا تقولي العفو عند المقدرة، ورغم أني مكلمتهاش أسألها عن رأيها لكن لها تأثير واضح عليا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان