إعلان

في مئوية الشيخ إمام.. عم زين وعلاء لم يتوبا عن حب "فنان الشعب"

05:37 م السبت 21 يوليو 2018

الشيخ إمام

كتب-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

أثر المُعلم يظل حيّا، يتحول لحكايات يرويها من عاصروه، كيف كان بارعا في الغناء واللحن، كيف واجه السجن بجسارة، كيف استخدم العود كسلاح فتّاك ضد السلطة. 100 عام مرّت على ميلاد الشيخ إمام، لكن ذكراه تتجدد دائما، سيرته وأغانيه باقية طالما هناك من يرويها.

أول أمس داخل بيت السناري، اجتمع محبو الشيخ المولود في 2 يوليو 1918، يرددون أغانيه، بينهم الشاعر زين العابدين فؤاد، وعلاء إبراهيم مؤسس فرقة "الأولة بلدي" لغناء تراث الشيخ.

أكتوبر 1968، كان الشيخ إمام يتأبط ذراع فؤاد، ليقوده الطالب وقتها إلى أكبر مدرج بكلية الآداب بجامعة القاهرة، قبل تلك الواقعة لم يكن الشيخ يغني أمام أكثر من خمسين شخصا كحد أقصى، لذا حينما وجه سؤالا لزين العابدين عن عدد الطلاب "قولتله أكتر من خمسين بشوية"، بعد الأغنية الأولى علا تصفيق حاد للمتواجدين في المكان "سألني تاني عن العدد فقولتله خمس تلاف طالب يا مولانا".

لثلاثين عاما، ظل فؤاد مرافقا للشيخ إمام، مُحبا لما يقدم، يتذكر بالتفاصيل كيف التقاه عام 1960 للمرة الأولى.

"سيد درويش هو السبب".. كان الشاعر وقتها طالبا في كلية الهندسة "واحد صاحبي قاللي فيه حد واخد سكة سيد درويش اسمه الشيخ إمام.. تعالى نروح نسمعه"، رويدا بدأت صُحبة الشيخ تتسع "بقينا نتجمع في بيت حد فينا كل كام شهر ويغني لينا".

بين الأبواب المغلقة تولدت أسطورة الشيخ الراحل "في منزل أحد أصدقائنا اتعاون لأول مرة مع أحمد فؤاد نجم وكانت أغنية أنا أتوب عن حبك أنا"، حدث ذلك أمام فؤاد فيما يتعلم منهم "فرق السن بيني وبين الشيخ كان خمسة وعشرين سنة".

لم يتخلف فؤاد يوما عن الوجود بجوار الشيخ، وكذلك لم يبخل بأي طريق كي يصل صوته إلى العامة "لما سبت هندسة ورحت آداب أول حاجة عملتها إني جبته الكلية"، بعد ذلك اليوم صار الشيخ إمام معروفا بين الجماهير بصورة أكبر، حتى أن الكاتب الراحل رجاء النقاش، استضافه وصديقه نجم على مدار 30 يوما في رمضان في إحدى الإذاعات.

سيرة "إمام ونجم" واصلت الصعود، لمست أغنياتهم عددا كبيرا من الناس "خاصة بعد إحباط النكسة الناس كانت محتاجة متنفس"، لكن السلطة لم يعجبها الشُهرة أو الأغاني السياسية "زي خبطنا تحت بطاطنا". عام 69 تم اتهام نجم وإمام بتعاطي المخدرات وتم القبض عليهما ثم الإفراج عنهما عقب مدة وجيزة "بس بعدها صدر قرار اعتقال ودخلوا السجن أكتر من سنة لحد ما ناصر توفي وخرجوا".

منذ أن عرف فؤاد الشيخ إمام، لم يره خائفا من الاعتقال أو التنكيل "كان عايز صوته يوصل بس"، مرّوا جميعا بأوقات عصيبة، ففي يناير 1972 وبعد أيام متواصلة من انتفاضة طلابية اعتراضا على الأوضاع السياسية، تم القبض على نجم وفؤاد، بينما بقي الشيخ إمام وحده بالخارج.

كان الاعتقال فُرصة؛ ففيما يعاني فؤاد مع قهر سجن القلعة كتب كلمات أغنية "اتجمعوا العشاق"، لم يتخيل أن تصل يوما لأبيه الروحي في الخارج "بس اتهربت بشكل ما ووصلت له وغنّاها" بعدما قام أحد زملاء فؤاد بتلقينها للشيخ.

حوالي 20 أغنية كتبها زين العابدين فؤاد للشيخ إمام، بعضها جاء في السجن أو بالصدفة، أخرى لم تتسع الظروف لتسجيلها بصوت جيد، احتفظ بها الشاعر السبعيني، وأغاني كانت عزيزة على قلبه وذهبت طي النسيان مع رحيل الشيخ إمام.

لم تنقطع العلاقة أبدا بين فؤاد وشيخ المغنيين، حتى بعدما اعتزل الأخير، لم يكن فقد البصر يمنعه من زيارة الشاعر "كان يركب تاكسي لسينما فاتن حمامة في المنيل ويوصف للسواق المكان بالظبط ويجيلي"، أما فؤاد فكان لا يتوقف عن التفكير في الحفلة التالية التي سيحييها الشيخ وكيف سيقوم هو بتنظيمها.

"آخر مرة كانت في بداية التسعينيات"، وقتها جاءت دعوة للشيخ لإحياء حفل في كندا، سافر فؤاد "حجزنا المسرح وقبضنا تمن التذاكر"، لكن ما أن عاد فوجئ بتراجع الشيخ عن قراره "خاف عشان السفر بعيد"، توقف المشروع الأخير بينهما، لكن التلميذ النجيب ظل على عهد اللقاء دائما، حتى بعدما فارق الشيخ الحياة، وهاهو يقف يُقدّم فرقة الأولة بلدي بقيادة الشيخ علاء ابراهيم، مُذكّرًا الجمهور بالمرة الأولى التي قدم فيها الفرقة بالفن ميدان، قبل أكثر من ستة أعوام من الآن .

كرّس الشيخ علاء ابراهيم حياته لأجل خاطر إمام، ظلّ يبحث عن أصوات تُخلص لتراث الشيخ منذ التسعينيات وحتى عام 2011، كانت ثورة يناير فُرصة أخرى من أجل اعادة الشيخ امام بين الجماهير، وكلما ضرب الشيخ علاء على عَوْده تذكّر صوته أستاذه يصدح مُبتهلًا وقت الفجر، حين كان إماما بمسجد مجاور لبيته في حارة خوش قدم بمصر القديمة، وفي ليلة من ليالي العيد مرّ ابراهيم بجوار المسجد بينما صوت الشيخ يزين المكان، حاول الدخول برفقة أصدقائه غير أن أعداد الناس التي ملأت المسجد لم تُمكّنه من ذلك.

طيلة 14 عام كان ابراهيم على علاقة بالشيخ، هو يده التي يتعكز عليها، وبصره الذي يرى به، وقتها كان ابراهيم مُعافى البصر في عمر الواحد وعشرين عامًا، سمع الشيخ عبر جهاز التسجيل لأعوام قبل لقائه، هام في حُب ذلك الصوت البديع، حتى شرُف بلقائه عام 1981 "ويوم ما شفته مفتحتش بقي بكلمة".

رغم بُعده عن منزل الشيخ إمام-حيث سكن بحدائق القبة- اعتاد مؤسس فرقة "الأولة بلدي" على ملازمة الشيخ، كان إمام مُحبًا للسير في شوارع القاهرة، وله مزاج في شُرب عصير المانجو عند أحد محلات الأزهر، لازال ابراهيم يتذكّر عاداته التي يحصيها؛ كان غير مُحب للسهر، وحين يحلو له سماع الأغاني يُنصت لصوت أم كلثوم، ومن الشيوخ علي محمود وزكريا أحمد.

لم يتمكّن ابراهيم من رؤية الشيخ في شبابه، حين ألّف ثنائي بديع برفقة الشاعر أحمد فؤاد نجم، يذكر مؤسس "الأولة بلدي" أن آخر الأغاني بالتعاون مع نجم هي "أهيم شوقًا"، انتاج 1984، بعدها حدثت قطيعة بينهما، وحسب ما يتذكر ابراهيم استمرت حتى رحيل امام، غير معروف متى بدأت القطيعة تحديدًا، لكنها أنهت واحدا من أشهر الثنائيات في الثقافة المصرية.

لم يُكمل ابراهيم دراسته الجامعية، اتخذ عزف العود سبيلًا له، وشكى ذات مرة للشيخ بأنه بحاجة لعود، عرض عليه إمام العود الخاص به، يحكي ابراهيم أنها صارت عادة أن يستبدل امام عوده بعود آخر جديد كل فترة "عندي آخر عود لعم الشيخ شايله ذكرى منه".

في سنواته الأخيرة، دار إبراهيم مع أستاذه جولات عديدة في محافظات مصر، في البدء اندهش كثيرًا من المحبة العظيمة لإمام "كنت متخيل إن اللي عارفينه في القاهرة بس"، لكنه وجد هيامًا بصوته في الاسكندرية وبورسعيد وغيرها "كان بس يشاور يقول جاي هنا يلاقي ألف مستنيينه"، وتحديدا يتذكر ابراهيم محبّة أهل قرية العمار بالقليوبية له "كان بيسمعوه الكل، الستات في البيوت والعيال اللي في الشوارع".

في أواخر أيام الشيخ تمنّى تسجيل تراثه كامل، قامت برعايته أسرة المستشار نور الدين العقاد "الناس كانوا بيفكروا إن الشيخ له تسجيلات في الإذاعة"، لكن الحقيقة، كما يقول إبراهيم، إن الأسرة أعدّت إحدى غرفها بشكل يُشبه الاستديو، هناك تمكّن الشيخ من تسجيل قراءاته الكاملة للقرآن وأغانيه.

وفي 5 يونيو 1995 رحل الشيخ في هدوء، لم يكن بجواره سوى "كامل" صديق عمره، يحكي مؤسس الفرقة أن عم كامل سأل إمام "تاكل بطيخ"، لكنه سمع كلمة "أي" من فم الشيخ مُتوجعًا، ذهب إليه كامل مُسرعًا، فوجده فارق الدنيا دون صخب.

فيديو قد يعجبك: