إعلان

جيران وأقارب نجل "المرسي أبوالعباس" يروون شهاداتهم ووقائع يوم قتل أسرته

05:50 م الخميس 28 يونيو 2018

الضحايا

كتبت-علياء رفعت:

في شارع "الملكة" المُتفرع من "العشرين"، بمنطقة فيصل بالجيزة، كانت الأمور تبدو هادئة تمامًا يسيطر عليها الحُزن الذي ألم بالمصريين عقب خسارة ماتش مصر وروسيا في خامس أيام عيد الفطر -19 يونيو- حتى غطت الشوارع في هدوءٍ تام بعد أن انفض مشاهدو المباريات.

لكن ذلك الهدوء كسرته صرخات واستغاثات قاطني العقار رقم 10 قُرابة الثانية بعد منتصف الليل، عقب اكتشافهم مقتل سيدة وابنتيها داخل شقتهم بالدور الثالث، ليُستبدل حُزن الخسارة بحزنٍ أثقل لمقتلهم.

"اتنفضنا من أماكنا على أصوات بتقول إن في حرامي سرق شقة الأستاذ صلاح، وقتل مراته وبناته الاتنين"، تقولها "أم أحمد" إحدى سُكان العمارة والتي تقع شقتها بالدور الأول، مؤكدة أن أصوات الاستغاثة كانت تصدر من الجيران بالشارع الذين توجهوا للعمارة على الفور وهم يصرخون: "حد يتصل بالشرطة تنجدنا".

1

بالطابق الثالث كان يقف صلاح – نجل الفنان المرسي أبوالعباس - وإلى جانبه وقف أخوه "جمال" وهو يحاول أن يمنع نفسه عن البكاء رادعًا كُل من يحاول الاقتراب من مسرح الجريمة حتى لا يفسده.

"إزاي حد يفتح الشقة يلاقي مراته وولاده مقتولين وميصرخش صرخة واحدة، ده غير إن شكله مش حزين حتى في حين أخوه هو اللي ماسك دموعه بالعافية"، قالتها أم أحمد مُتعجبة مما رواه لها زوجها لدى صعوده لمسرح الجريمة، مُشيرة إلى أن تصرفات الزوج كانت غير منطقية، حسب قولها.

2

ووفقًا لمعاينة معاون مباحث بولاق الدكرور لمسرح الجريمة، عُثر على جثة الأم القتيلة "هبة"، (38 عامًا) بكدمات بالعين والصدر وبجوارها "إيشارب" داخل غرفة نومها، وابنتيها "جنة الله"،( 11 عامًا) مخنوقة بسلك تليفون، و"حبيبة" (10 أعوام) تم كتم أنفاسها بوسادة.

وكشفت المعاينة أيضًا عن وجود بعثرة في محتويات الشقة، وسلامة المنافذ كافة، دون وجود كسر في الباب أو النوافذ.

3

"كان قاعد قدام المسجد اللي جمب العمارة، وهما بينزلوا الجُثث بيشرب بيبسي، وياكل كحك ادتهوله أم أحمد، منزلتلوش دمعة وراح يطبطب على حماه، وهو بيقوله معلش وأيده كان فيها خرابيش كبيرة وحمرا.. المشهد كان غريب جدًا" قالها "محمد"، أحد سُكان العمارة الذي تُقابل شقته شقة صلاح وأسرته، مُضيفًا أن الأم وطفلتيها كن "غاية في الاحترام والأدب، عمرك ما تسمع صوتهم ولا تحس بيهم.. سِت مؤدبة وذوق، مُصلية وفي حالها، وبناتها كانوا حاجة تفرح."

4

الأمر ذاته أكدته "أم حنين"، زوجة حارس العقار، التي لازمت الأم على مدار ثلاثة عشر عامًا منذ أن سكنت السيدة بالعقار: "كانت سِت كُمل ومتطلعش منها العيبة، في حالها جدًا وحقانية.. تديك فلوس المشوار قبل ما تقضيه، وفلوس الحاجة قبل ما تعملها".

ومع تلك الصفات التي تذكرها بحق الزوجة، لم تر من الزوج ما يعيبه في التعامل معهم: "بيطلع وينزل في حاله وبيدفع مستحقات العمارة في وقتها من غير تأخير بس الله أعلم باللي جوا البيوت، منعرفوش".

لم تصدر عن الأسرة ما يشي بوجود خلافات بين الزوجين، فهم أمام الجميع "محترمين وفي حالهم"، غير أن ذلك لم يمنع وجود بعض الخلافات الزوجية العادية التي تناهت لسمع جارهم المقابل "محمد"، والذي أكد أنها لم تكن بالأمر المعتاد "كُل فين وفين لو صوتهم عِلي."

5

عقب التحريات، وفي أثناء تحقيقات النيابة، اعترف الزوج ـ بعد إبلاغه عن سرقة 320 ألف جنيه من شقته على يد القاتل ـ بقتله لزوجته وطفلتيه بحجة "مروره بأزمة مالية"، ثم عاد ليقول بأنه "رُجل عقيم لا ينجب" وأن ذلك هو ما دفعه لقتل عائلته، ولكن ذلك بدا مُستغربًا للجيران، وأهالي المنطقة لكونه يعمل بإدارة الموارد البشرية التابعة لسلسلة محلات حلويات شهيرة إلى جانب تجارته بقطع غيار السيارات بحسب ما ذكر شقيقة، وامتلاكه لسيارة ماركة kia موديل 2006 رصدها "مصراوي" مركونة بالجراج المقابل للعقار الذي يسكن به بعد تحريزها من قبل النيابة، بالإضافة إلى امتلاكه شقة "إرثًا" عن والده بمدينة نصر.

6

السيدة الخمسينية "إيمان"، زوجة خال الأم القتيلة "هبة"، قالت وهي تدمع "دي بنتي، أنا اللي مربياها، هبة ست البنات، صوامة قوامة، وطوب الأرض بيحبها ويشكر فيها. لكن هو بيضارب بفلوسه في البورصة وبيخسر وحاله مايل طول الوقت، لدرجة إنه كان بياخد فلوس من أهلها" بتلك الكلمات بدأت السيدة حديثها قبل أن تروي القصة منذ بدايتها وحتى يوم الوفاة.

7

تقول زوجة خال الضحية: "كان زميلها في الكلية وضحك عليها باسم الحب فاتجوزته.. كانت جوازة الشوم" هكذا بدأت القصة التي توالت فصولها مع مرور السنوات لتبلغ ذروتها بضرب الزوجة التي حاولت إخفاء الأمر عن أهلها واحتواءه.

وكانت أول فصول النهاية قبل أربع سنوات حين تعرف الزوج على فتاة أراد الزواج منها، وتطليق أم أولاده التي رفضت بشده خوفًا من أن يعيرها المجتمع وبناتها: "قالت له أنا مش هتطلق روح اتجوزها لو عاوز فبدأ يضيق عليها في الفلوس، ويكذب في كل حاجة حتى مرتبه، كنا بنبعتلها فلوس كل شهر، وبنحاول نقنعها بالطلاق عشان حريتها، وقلنا هنتكفل بيها وبالبنات مش عاوزين حاجة منه".

ورغم الخلافات، كانت تحاول "هبة" الإبقاء على زوجها، وأطفالها بحياة تبدو مثالية، بينما تحاول أن تخفي عن أهلها كل ما تتعرض له من إساءات زوجها حتى لا تهدم بيتها.

"مصيبتنا في هبة وبناتها كبيرة، مبقيتش تغمض لنا عين.. ده مكتفاش بإنه يقتلها هي والبنات، لكنه بيسوأ سمعتها كمان وده ميرضيش ربنا!"، تقولها "إيمان" زوجة خال هبة وهي تبكي، مؤكدة أن والدتها وشقيقتها في حالة انهيار تام منذ الحادث حتى أنهم لا ينطقون ولو بكلمة واحدة "ميكفينش فيه المؤبد.. هنرفع عليه قضية رد شرف ومش هسيب القضية تموت أبدًا"، تقولها السيدة بحسرة.

8

لم يختلف حال عائلة "هبة" عن حال شقيق "صلاح" الذي حاول حبس دموعه قائلًا: "مخدناش فيهم العزا، ومش هناخده غير لما يصدر حكم ونرجع حقهم.. دول مكنوش ولاد صلاح بس، دول ولادي ومش عارف إزاي جاله قلب يعمل فيهم كده!" قالها جمال، شقيق صلاح من الأم والذي يعمل بالمحاماة، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة مُرددًا "مكنش في أدب وأخلاق هبة وبناتها وحقهم دين في رقبتي.. مش هسيب أي حد يحاول يسوء سمعتهم".

أن يكون شقيقه هو القاتل، أمرٌ لم يتبادر إلى ذهن "جمال" ولو لحظة حين تلقى هاتفًا من صلاح في المساء، بعدما تعذر عليه أن يذهب معه لمشاهدة المباراة لتعبه، يخبره فيه أنه فتح شقته ليجدها مسروقة وزوجته وطفلتاه مقتولين "مشكتش فيه في البداية، لكن ردود أفعاله كانت غريبة ده حتى محزنش عليهم رغم إن مفيش حاجة في الكون تخلى واحد يقتل عياله حتى ضيق الحال!".

9

ازداد غضب الرجل عندما عرف أن شقيقة اعترف في تحقيقات النيابة أنه القاتل واتهم زوجته في شرفها: "أنا اللي هرفع عليه قضية رد الشرف لو كان قال كده على هبة"، يقولها جمال وهو يحاول أن يمسك بزمام غضبه، مستطردًا "هبة وولادها أحسن وأنضف الناس.. متربين ويعرفوا ربنا".

يحاول "جمال" الاستفاقة مما حدث كأنه كابوس يلازمه ليس له آخر: "مش عارف أستوعب إن البنات اللي كان نفسي أفرح بيهم عرايس طلعتلهم شهادات ميلاد عشان أطلع بيها شهادات وفاة بإيدي".

ورغم المحاولات العديدة التي يبذلها في سبيل تحمل المصاب العظيم إلا إنه يجد نفسه كُل مرة أمام سؤال واحد لا يتبدل: "مش عارف عمل فيهم كده ليه؟!.. مش هقدر أسامحه أبدًا".

10

أحوال سُكان العقار عقب الحادث مماثلة تمامًا لحال عائلة الجاني أو المجني عليهم. الجميع مصاب بحالة من الذهول، بالكاد يتحدثون إلى بعضهم البعض أو يلقون التحية كلما جمعتهم الصدف أثناء صعودهم أو هبوطهم. إلا أن "محمد" صاحب العشرين عامًا هو أكثرهم صدمةً لأنه ساعد رجال الشرطة في نقل الجثامين نزولًا لعربة الإسعاف "كنت فاكر الحاجات دي بتحصل في الأفلام بس، مش عارف أنام من ساعتها وقلبي بيتقبض كل ما أدخل العمارة، مبقيتش بحس بالراحة غير وأنا بره البيت."

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان