إعلان

بعد تكريم مؤسسة محمود درويش.. والد عهد التميمي يتحدث لمصراوي

09:37 م الخميس 15 مارس 2018

كتبت-إشراق أحمد:

كانت قرية النبي صالح تواصل مقاومتها في يوم الأرض الفلسطيني، حينها وقفت فتاة في التاسعة من عمرها، شقراء ذات شعر ذهبي، يملأ عيناها الزرقاء تحديًا ومثابرة بينما أخذت تردد على مسامع المشاركين "يا دامي العينيين والكفين إن الليل زائل.. لا غرف التوقيف باقية ولا زرد السلاسل".

لم تعلم عهد التميمي حين اختارت أبيات قصيدة "عن إنسان"، أن 7 أعوام ستنقضي على ذلك المشهد في مارس 2010، وتَحُول قضبان الاحتلال بين حضورها تكريم مؤسسة محمود درويش، الشاعر الفلسطيني صاحب تلك الأبيات الشعرية.

مساء الثلاثاء، 13 مارس الجاري، ذهبت أسرة عهد، أشقائها الثلاثة ووالدها باسم التميمي، إلى متحف محمود درويش في رام الله، لحضور حفل التكريم وتوزيع الجائزة السنوية في دورتها التاسعة. غابت الصبية التي أتمت عامها السابع عشر، في يناير المنصرف، وكذلك والدتها ناريمان المحتجزة معها في سجن "هشارون" بعدما اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء حضورها التحقيق مع ابنتها.

منذ 18 ديسمبر 2017 تبدلت حياة ابنة قرية النبي صالح –شمال غرب رام الله؛ أصبحت رمزًا لانتفاض الشعب الفلسطيني، بعدما انتشر لها مقطعًا مصورًا بينما تصفع جنديًا إسرائيليًا لإبعاده عن منزلهم، ومنعه من الصعود لسطحه لقنص المتظاهرين في القرية. فجر اليوم الثاني اقتحمت قوات الاحتلال منزل طالبة الصف الثانوي ومن وقتها وهي رهن الاعتقال.

1

أكثر من تكريم حصلت عليه عهد، طيلة تلك الشهور، غير أن منع والدها من السفر حال بين حضوره، خلاف تلك المرة من قبل المؤسسة الثقافية الفلسطينية. قبل عشرة أيام عرف باسم التميمي بأمر اختيار ابنته ضمن ثلاث شخصيات لنيل الجائزة "الروائي السوري خليل النعيمي ومسرح الحكواتي الفلسطيني"، تغلب شعور الفخر على حزن الأب "تكريم عهد تكريم للفكرة والسلوك والمقاومة" يقول والد عهد لمصراوي.

جلس الأب بين لفيف من المثقفين والشعراء والأدباء، وأقارب للأسرة من قرية النبي صالح، وفي لحظة إلقاء كلمة تنوب عن صاحبة الجائزة، قدم الوالد شقيق عهد "ما لازم نسيطر على هذا الجيل.. مشكلتنا في العالم العربي أننا نسيطر على مستقبلنا بأيدينا مبنتركش للأجيال تقدم دورها ورسالتها" كذلك يوضح باسم التميمي سبب فعله.

وقف "وعد" شقيق الصبية، الذي يكبرها بأربعة أعوام، متحدثًا بقوة لا تقل عن عهد، مستهلاً كلمته بقول "الجيل مَن يجلوا عن أرضه العدا لا من تجول بأرضه الأعداء". وأكد بلسان أخته وأسرته ما أرادوا إيصاله بأن "عهد" جزء من الشعب الفلسطيني المقاوم.

واختتم شقيق عهد الحديث قائلاً "في حضرة الغياب وسيد الحضور "درويش" الذي يقول لعهد وجيلها حاصر حصارك لا مفر ويرد عليه توفيق زياد تقدموا تقدموا كأنكم عشرون مستحيلاً. وأنا الآن بصوت عهد من سجنها على ضفاف بحرنا في قرية مهجرة مدمرة أناديكم وأشد على أياديكم لتكونوا صوت هذا الجيل من يرسم لوحة لعهد وإبراهيم أبو ثريا وفارس عودة ومن يكتب نصاً ليقول للاحتلال انقلع أو يعزف لحناَ من صوت الصفعة واللكمة والصرخة ليغني قصيدة غزل في عيني ملثمة حلوة أو ملثم مقدام" .

2

الشق المعنوي للتكريم في هذا التوقيت، مع استمرار تأجيل محاكمة عهد، كان المهم بالنسبة لوالد الصبية "هو دليل على أن شعبنا ونخبتنا ومؤسساتنا متعطشة لهذا النموذج المشتبك في حالة الهزيمة اللي بنعيش فيها"، يُرجح باسم التميمي أن ابنته لم تعلم إلى الأن بأمر تكريمها، وإن حدث سيكون صدفة عبر الراديو.

كانت الصبية تفرح بمثل تلك الفاعليات قبل اعتقالها، ليس لمجد شخصي تناله فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، بل لكونها فرصة لتوجيه رسالتها، يتذكر كلماتها في جنوب إفريقيا، العام الماضي، أثناء حضورها مؤتمر جماهيري، وقتها قالت أمام الحضور المحتشد من عدة دول "تخلصوا من ثقافة الضحية، لأننا مقاتلين من أجل الحرية ولسنا ضحايا. نحن لا نطلب لا دموع الحزن ولا نظرات الشفقة نطلب من العالم أن يقف معنا كمقاتلين من أجل الإنسان وقضيته من أجل الوطن والحرية لأن كرامتنا من كرامة قضيتنا وشعبنا".

مع حلول 18 مارس الجاري، تكون عهد أتمت ثلاثة أشهر في السجن، تلك المرة الأولى التي تغيب فيها الصبية عن منزلها وقريتها ومدرستها، ورغم مرور والد الصبية بتجربة الاعتقال لمرات عدة، وكذلك زوجته، غير أن المصاب الحالي مختلفاً؛ الصباحات باتت ثقيلة "لما تغيب الزوجة والأم والأخت والبنتن يصبح المكان بارد وموحش". دخول غرفة الصبية أو أي من أشيائها بات متعبًا.

لم تتغير الحياة وحدها في منزل آل باسم التميمي بعد سجن عهد، بل في قرية النبي صالح بأكملها "صارت في مواجهات يومية واشتباك مع المحتل ومن يوم اعتقال عهد وحتى الأن تم اعتقال 20 شاب وطفل". حملة شعواء تواجه القرية البالغ تعداد سكانها قرابة 500 نسمة، ومع ذلك لم تتوقف المقاومة، والفاعليات المنددة باعتقال الأبناء وبينهم عهد.

3

دقائق معدودة باتت تجمع الأب بابنته وزوجته أثناء المحاكمة، فالزيارة ممنوعة عنهم، وما وسيلة إلا حديث الشفاه بينما تمر الصبية مقيدة أمام والدها، لكنها مع ذلك صاحبة معنويات مرتفعة، يقول الأب إنها تداوم الدراسة لنحو أربعة ساعات يوميًا فضلاً عن قراءاتها الحرة للكتب والروايات. مع كل صورة أو فاعلية تحمل اسم عهد، تلمع عينا باسم التميمي فخرًا بابنته "أي أب يتمنى بنته تكون كعهد بهاي القدرة على مواجهة رجل مسلح أو أي حدا ممكن يعرضها للخطر".

طالما حلمت عهد بأن تحترف لعب كرة القدم، لكنها تخلت عن ذلك قائلة "إننا محرومون من الحلم لأن الاحتلال يسرق أحلامنا"، ومع ذلك لم تترك له الطريق خاليًا، تواصل دراستها حتى داخل السجن لأنها تخطط أن تدرس الحقوق كما يقول والدها، الذي يتمنى ألا تتضيع حالة الثورة بعد اعتقال عهد، متخيلاً وقوفها في حفل "محمود درويش"، وإلقائها الكلمات ذاتها التي رددتها قبل عامين أمام احتفال الجبهة الشعبية في لبنان، موجهة حديثها إلى الشعب والقيادة الفلسطينية والعربية وكل النخب، مرددة مقولة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني "إذا كنتم مدافعون ضعفاء عن القضية فالشعوب تغير المدافعين ولا تغير القضية".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان