"الناس مبتغلبش".. فسحة هنيّة بأقل التكاليف
كتبت- رنا الجميعي وشروق غنيم:
تصوير- شروق غنيم:
الحياة تزداد أعباؤها، تكاد تجثم على الأنفاس، لكن "خروجة" إلى مكان فسيح قد تكون حلًا سحريًا للفرار، فرصة للانبساط واستعادة التوازن، تظل التكلفة هى العائق الوحيد أمام الأسر، غير أن "اللّمة" والخروج هو الهدف في حد ذاته. الرضا والقناعة جُزء من سيرة أسر قابلها مصراوي؛ فُسحة زهيدة الثمن في النيل قد تروي الاحتياج، أو حتى مجرد المكوث صُحبة في الشارع، الجلوس عند الكورنيش، أو النزهة داخل مساحة خضراء، يُرضيهم، ويُريح قلوبهم المُتعبة.
تتجه زينب بناظرها تجاه مياه النيل، ها هى تسرق سويعات قليلة بعيدًا عن المنزل، لا تعرف السيدة الثلاثينية أي دروب متنوعة تقودها إلى أماكن مختلفة للتنزه، معرفة محدودة نظرًا لكونها ربة منزل، لكن في المشاوير التي تقضيها لأبنائها الملاذ، "لما بوصلهم لكورس ولا درس بعرف مناطق جديدة". من هنا بدأت علاقة زينب بالأتوبيس النهري.
تستغلّ زينب ذلك الوقت في أخذ وقت مُستقطع، يدور أطفالها حولها بينما أدار سائق الأتوبيس المحرك بين محطة التحرير إلى الجامعة، في هذا اليوم الحارّ أخذت زينب تحكي مع شقيقتها التي قدمت معها للراحة أيضًا، لم يمتلئ الأتوبيس عن آخره، ظلّت هناك مساحة واسعة يلعب فيها الأطفال، يتقافزون حول مخارجه القريبة من المياه، بينما يُنادي البائع على "شيبسي، حاجة ساقعة".
لم تسمع الأم لابنين والقاطنة بمنطقة العمرانية عن الأتوبيس النهري من قبل حتى الشهر الماضي، 3 جنيهات للفرد ثمن الرحلة ذهابًا فقط، لا يُعد بالتكلفة المرتفعة بالنسبة لزينب "رجعت البيت حكيت لعيلتي عنه، بابا قالي إنه كان بياخدني أنا وأختي أيام ما كنا صغيرين". ترى الأم أن "الفسحة" داخل الأتوبيس النهري مُختلفة عن أي نزهة أخرى "بنيجي خفيف من غير أكل أو حاجة، نقعد وناخد فسحة في النيل، خروجة حنينة علينا في التكاليف وبتبسطنا".
السعادة قد تأتي في أتوبيس اقتصادي التكلفة يشّق نهر النيل بينما يأكل الأطفال أكواز الذرة. من المنيا إلى قلب القاهرة جاء علاء سعد برفقة عائلته، إذ يُحب الأماكن ذات الطابع الهادئ، كما يسرّ ناظريه مشهد المياه، يُفكّر الأب لأربعة ابناء في استغلال أجازته بأفضل طريقة، فيُحاول البحث عن الأماكن ذات التكلفة البسيطة للأسرة المكونة من ستة أفراد، فيما يفكر في وِجهتهم القادمة "هي تذكرة المتحف المصري بكام؟".
ظل المقهى الشعبي الخروجة الرسمية لعلي حسن وأصدقاؤه، لا يستقيم اليوم دون الذهاب إليها، لكن بعد ارتفاع أسعار المنتجات أصبحت رفاهية "ممكن أصرف لي بتاع عشرة جنيه لا وعلى إيه أنا وعيالي أولى بيها" يقول الرجل الذي خرج على المعاش قبل عامين "مبحبش قعدة البيت، فمفيش قدامي غير الشارع، ملك الجميع ومحدش هيدفعني فلوس على القعدة فيه".
يختار حسن شارع الألفي بمنطقة وسط البلد، يضّج بالحياة والأنوار، الحركة لا تنقطع داخله من العائلات والشباب، على جانبي الطريق تصطف المقاهي والمطاعم، فيما تستقر مقاعد منفصلة دون ملكية لأحد الأماكن، يختارها حسن ورفاقه، يذهبون مُبكرًا لضمان مقعد فارغ "ونقعد عليه ندردش ونهزر لحد وبعدين نروح".
رحلة شاقة من التجمع الخامس إلى حديقة "إبراهيم باشا"، قد تستغرق وقتًا، لكنها بالطبع بالنسبة لإبراهيم وأسرته فلن تكلف الكثير. اعتاد الأب العشريني اصطحاب زوجته وابنته إلى هنا "فيه راحة نفسية في الجنينة دي"، ينتهي الزوجان من عملهما كسائق ومدبرة منزل في التجمع، ويُحضرا تسلية اللب استعدادًا للنزهة داخل حديقة ميدان الأوبرا، بالنسبة لظروفهما المعيشية تعتبر الجنينة الأنسب لشمّ الهواء "دي أيام الواحد بيشيل فيها الجنيه فوق الجنيه عشان محدش عارف بكرة فيه إيه".
امتداد حديقة إبراهيم باشا محدود، دائرة صغيرة من الحشائش متواجدة، بالإضافة إلى ضجيج ميدان الأوبرا، رغم ذلك تجد الفتاة السودانية "رقية" السلام بالمكان، والتي جاءت إلى مصر منذ عشر سنوات للبحث عن لقمة عيش.
تركت رقية بلادها لكن تفاصيله لا تزال تلاحقها، يزداد الضغط عليها حين تتذكر ابنيها "سيبتهم مع جدتهم هناك بعد ما اتطلقت، صعب أجيبهم يعيشوا معايا التكاليف هتزيد". تقتصد صاحبة الـ31 عامًا في مصروفاتها "عشان اعرف ابعت لأهلي فلوس كويسة"، لذا حين تأتي إجازتها الإسبوعية تفكر في كيفية قضاؤه دون أن تأكل الخروجة من راتبها.
الحدائق هي الوجهة الأولى التي تذهب إليها رقية "لو شوفت أي حاجة خضرا بتبسطني"، فيما تجلس بالساعات في المكان "وبيبقى معايا لِب من البيت ولو معايا فلوس بشتري شاي"، بينما تلجأ الأم الثلاثينية أحيانًا إلى الكورنيش "لا يمكن أبقى قدامه وأفكر في حاجة وحشة"، لذا في أوقات الراحة خلال عملها كعاملة في إحدى منازل مدينتي "لما أخلص شغل أروح أقعد في الجنينة أو قدام البسين".
عند مكان مرتفع بممشى الكورنيش اجتمعت أسرة هناء، جلست الأم والابن والابنة سويًا خارج المنزل لأول مرة بعد وفاة الأب "محمد لما شافني تعبانة قالي تعالي نخرج نشم هوا"، اعتادت هناء علي ألا تخرج من منزلها بمنطقة الزاوية الحمراء للتنزه إلا برفقة زوجها "كنا بنيجي هنا سوا"، هي المرة الأولى التي تخرج فيه دونه إلي الكورنيش الذي تعودا الذهاب إليه، لا يوجد للأسرة متنفس بسيط التكلفة بالزاوية الحمراء، بالإضافة إلى أنهم لا يحبوا المنطقة المليئة بالمشاحنات والازدحام.
جهزت هناء غداء الأسرة الصغيرة، أحضرت بعض الفاكهة الطازجة وملاءة ليجلسوا عليها، أسندت هناء ظهرها للحائط ومددت قدميها مستريحة، فيما وجهت نظرها تجاه مياه النيل تنعم بنظرة لصفحة مياهه الرائقة، علّها تُهدأ ولع القلب.
الخروج من المنزل إلى مكان فسيح ضروري بالنسبة لمجدي واثنين من أصدقاؤه، يعزفون الموسيقى منذ 17 عامًا، لذا يبحثون عن أماكن ذات تكلفة مُنخفضة، تسمح لهم بالجلوس بعدد ساعات غير محدود، وألا تنزعج من الجيتار الذي يحمله اثنين منهم دائمًا من أجل التدرب على العزف.
"هيكون إيه غير الكورنيش؟". رغم الزحام يجده مجدي دائمًا المكان المُفضل، أصبح صديق للمزيكا والجيتار "باجي هنا وأول ما ابدأ أعزف بنسى كل دوشة حواليا". في المساحة المُطلة على الكورنيش تجلس عائلات وأصدقاء يستمتعون بنسيم هواء النيل، فيما يسترق إلى سماعهم موسيقى مجدي فتزداد سعادتهم، أصبح المكان هو فُسحة مجدي وأصدقاؤه، فيما يمنح المتنزهون في المكان المزيكا الرائقة.
فيديو قد يعجبك: