مع السوريين في مباراتهم أمام "إيران".. الكرة تحمل فرحة غيبتها الحرب
كتب- محمد زكريا ومحمد مهدي:
تصوير- مصطفى الشيمي:
في الثالثة عصرًا، أمس الثلاثاء، توافد العشرات من السوريين المقيمين بمدينة 6 أكتوبر، على أحد المقاهي الكبيرة بالمنطقة، بناء على دعوة من الشاب "شاهر رجوبا" صاحب حملة فرحة سوريا "تواصلنا على مدار أسبوع عشان نجتمع في المباراة"، بالاتفاق مع صاحب المقهى "يوسف عمرين" الذي وجه العاملين إلى الاستعدادا للأمر منذ يومين "لحظتها أكون مُشجع وصاحب مكان في الوقت نفسه"، يحضر نحو 200 مُشجع، عيونهم مشدوهة إلى الشاشات الكبيرة، وقلوبهم معلقة بأقدام اللاعبين، لديهم أمل كبير في النصر والصعود إلى كأس العالم "بإذن الله المنتخب يفرح الشعب السوري".
قبل أن تبدأ المباراة، تراص المشجعون في فرح، فتيات وشباب ومسنين حملوا علم "نسور قاسيون"، الكل يملأه الأمل في الفوز بالمباراة، أصدقاء تقابلوا على مؤازرة فريق بلدهم، وعائلات اجتمعت سويًا داخل المقهى، طبول ومزامير ونيران اشتعلت بأمل الصعود إلى كأس العالم، هتافات يعرفها مشجعي الكرة "بالطول والعرض هنجيب إيران الأرض"، قبل أن يطلق الحكم صافرة بدأ اللقاء.
الكرة تتنقل بين أرجل اللاعبين، تضيع كرة خطرة للفريق السوري، يعلو هتاف المتابعين "سوريا سوريا"، يتحمس محمد أبو ذراع ويقول في تحدي "هذه الفرحة لكل من شكك في مؤازرة جميع السوريين لفريق بلدهم.. هذه رياضة"، تتجه الكرة نحو المرمى السوري، يدعو الجالسون بالستر "يا الله"، يمني ميشيل غنوم نفسه بفوز "يكون وسيلة راح ننسى الحرب، ويجتمع شمل السوريين"، قبل أن يقطع حديثه كرة خطرة على الحارس العربي.
تضيع كرة الإيرانيين، يُنزل النادل مشروبات زبائنه السوريين، ويُجهز آخر أحجار الشيشة لعشاقها، يسأل مصري يجلس بجوار "رجوبا" عن جدل السياسة، يخفض مسؤول حملة فرحة سوريا صوته ويهمس له: "هذا الحديث يخص مؤيدي ومعارضي نظام بشار الأسد، لكن هون كلنا سوريين وراء منتخب بلادنا"، تستمر المباراة دون جديد، هجمة على الفريق العربي وأخرى أمام المرمى الإيراني، قبل أن يحتسب حكم اللقاء ضربة حرة مباشرة ينفذها المهاجم السوري عمر السومة.
الدقيقة 13 من اللقاء، مازال الحسم مبكرًا، يسدد السومة الضربة المباشرة، يتصدى لها الحارس الإيراني، يتابعها تامر الحاج، يحرز هدف سوريا الأول، تخفت الأصوات في مدرجات ملعب طهران، وتزيد حدتها داخل المقهى المصري، تهتز الأرض بهتافات المشجعين "عين عين عين، المنتخب السوري في إيران مانوا هين"، يقرع لاعب دولي سوري-لم يتمكن من التواجد مع المنتخب لإصابته- طبول الفرح ويجاوره نافخ بالمزمار، ترتفع أعلام سوريا بسقف المقهى، يلتقط آخرين صورًا تذكارية توثق جمع شتته سوريا نتاج الحرب هناك، فيما تُعيد فرحة الهدف الأول ذاكرة خالد العزي إلى ما قبل العام 2011.
وقتها كان العزي يواظب على مباريات فريق الوحدة الذي يشجعه، من مدرجات ملعب العباسيين في سوريا، قبل أن تنطلق الثورة في شوارع سوريا وتتحول إلى حرب تشعبت أطرافها، يتذكر الشاب السوري تفاصيل متابعته لمنتخب سوريا في بلاده، قبل أن ينطق في كلمات تدعمها حماس المشجعين "كل العالم بيظن أن سوريا مش هتطلع العالمية.. لكن هذا تحدي، وسوريا النهاردة تقدر تقول أن بها أبطال وهتصعد كأس العالم"، قبل أن يأخذ العزي قسطًا من راحة تتماثل مع سير مباراة ملعب أزادي بطهران.
الشوط الأول يقترب من الانتصاف، يستمر "القهوجي" في السؤال عن مشروبات زبائنه بداخل المقهى، فيما يسأل سائق تاكسي مر أمامه عن سبب الجمع الغفير، يجيبه أحد الجالسين "مباراة سوريا في كأس العالم"، يهز السائق المصري رأسه في تعجب، يفتح مذياع سيارته على نغمة "والله وعملوها الرجالة"، قبل أن يسأل عن موعد مباراة المنتخب المصري مع نظيره الأوغندي، والذي حُدد موعدها بعد ساعة واحدة من اللقاء السوري، الذي لم يسفر حتى دقيقته الـ30 عن جديد.
الدقائق الأخيرة للشوط الأول، الكرة حائرة في وسط الملعب بين أقدام الفريقين، يقول خالد الخضري إن أجواء كرة القدم المصرية تتشابه مع السورية في التشجيع والحماس، وهو ما جعله يشعر بأنه يشاهد المباراة في بلاده، يقطع حديث السوري هدف إيراني في الدقيقة الأخيرة من الوقت الأصلي، يتمالك الخضري أعصابه ويكمل حديثه بتمني "في وقت مثل هذا كنت تلاقي سوريا كلها ولعة من التشجيع، مثل الأجواء التي شهدتها مصر في مباراة النهائي الأفريقي مع الكاميرون"، يحتسب حكم اللقاء 3 دقائق وقت بدل ضائع، تحرز إيران هدف ثاني غير محتسب لعدم شرعيته، يحمد الطبيب ربه ويعزي نفسه بالأمل في العودة إلى بلاده بعد أن تموت الحرب ويعم السلام على البلد الشقيق، قبل أن ينتهي الشوط الأول بالتعادل.
في الشوط الثاني، قلّ الحماس، الترقب يملأ العيون، حركة الملعب صارت بطيئة، وصوت المشجعين مال إلى الصمت، هجمة للمنتخب السوري تلوح في الأفق، ينفعل معها الجمهور، لكنها تذهب خارج المرمى، آخر تضيع بين أقدام اللاعبين، الأعصاب لا تحتمل، يحاول أحدهم منح الحضور القليل من الحماس "بإذن الله راح نكسب ونحتفل".
كأن إيران لم تضمن بطاقة التأهل إلى روسيا، ظلت تحارب بكامل طاقتها، يقف مدربهم على خط المرمى موجهًا لاعبيه، يدافعون بقوة، يهاجمون بشراسة، يتهكم أحد المشجعين "كانو عم يقولوا راح تسيب الماتش، كلام غير صحيح"، فيما يحصل المنتخب الإيراني على "أوت" على يمين مرمى سوريا، يوجهها اللاعب ناحية الـ 18، يرتبك الدفاع، قبل أن يُسددها اللاعب "سردار" ليحرز الهدف الثاني في الدقيقة 65 لأصحاب الأرض.
وجوم، في الملعب على وجوه لاعبي سوريا، وعلى ملامح المشجعين بمصر، يبدو أن الفوز ليس من نصيبهم، يضرب أحد الحضور كفا على كف "حرام تضيع فرصة التأهل"، يتسأل البعض عن نتيجة مباراة كوريا الجنوبية ومضيفه الأوزبكي "تعادل"، فيدعي ربه بالحصول حتى على نقطة لضمان فرصة التأهل في الملحق المؤهل للتصفيات.
هل انتهى حلم التأهل لكأس العالم؟ كان الأمر في يد المنتخب داخل الملعب، لا يملك الجمهور سوى الدعاء والتمنى وتشجيع فريقهم للحظة الأخيرة، لم يُسمع تشجيع داخل المقهى السوري لكن نظراتهم تتابع باهتمام شديد ما يدور في المباراة.
اقتربت المباراة من نهايتها، تمريرات خاطئة وخمول بدى واضحًا على لاعبي الفريقين، لكن لم يتسرب اليأس رغم الوصول إلى انتهاء الوقت الأصلي للمباراة، يصرخ المدرب السوري في فرقته، يلوح لهم للتقدم نحو مرمى الخصم، ينتفضوا من ثباتهم، تُمرر الكرة إلى اللاعب عُمر السوما لا يتردد لحظة عن إرسالها في الشباك بقذيفة من قدمه لينفجر الملعب. والصخب في المقهى السوري.
فرحة جنونية، يحتضن كل سوري شقيقه، هتافات نارية "إشي خيه إشي خيه .. السوري في إيران ما في زيه"، الطبول لا تتوقف، تنتهي المباراة، يخرجون إلى الشارع، يهتفون باسم بلادهم، يبكون، يقول أحد الجيران المصريين "بيستنظروا الفرحة ربنا يسعدهم".
يلتف السوريين حول بعضهم وفي المنتصف "عمرين" صاحب المقهى، يُرفع على الأعناق يرقص والدموع تنسال من عيناه، ينظر له "رجوبا" فرحًا قبل أن يقول :"فرحتنا بالمنتخب فرصة نطلع من الحزن اللي عايشينه بقالنا سنين، وقريب نرجع لبلادنا ونحتفل من هناك"، وسط دعوات جميع السوريين بفرصة الوصول إلى كأس العالم.
فيديو قد يعجبك: