إعلان

بعد 38 عاما من التوقف.. مصراوي يُفتش عن برنامج "من قلب إسرائيل"

01:29 م الأربعاء 06 سبتمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - فايزة أحمد:

"حتى لا نكون فئران الغابة لطالما حكم القدر علينا ألاّ نكون أسودها".. عمد الكاتب الراحل محمود عوض، لسنوات عدة وتحديدًا عقب انتهاء حرب 1973، إلى تقديم إجابات لجميع أسئلة المصريين المتعلقة بعدوهم اللدود "الإسرائيليين"، وذلك من خلال أحد البرامج الذي حمل اسم "من قلب إسرائيل"، والذي ظل يُذاع عبر "الشرق الأوسط" يوميًا، حيث أصبح بمثابة نشرة سياسية ثقافية عن ماهية هذا العدو، إلى أن توقف بإبرام الرئيس أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل.

بحلول ذكرى وفاة الكاتب الكبير، حاولنا التفتيش عن هذا البرنامج الذي أشار إليه في كتابه "من وجع القلب"، لمعرفة تفاصيله ومحتواه الذي يكشف عن الوجه الحقيقي للعدو الأوحد للعرب جميعًا، لاسيما وأن هذا البرنامج عبرت شهرته الحدود آنذاك.

لم تتعدَ مدة البرنامج الصباحي خمس دقائق، تقوم فيهم الإذاعية السابقة سوسن سامي بعرض الأسئلة الخاصة بالمستمعين الذين كانت لديهم رغبة واضحة في معرفة وفهم كل شيء يتعلق بفئة كانت الخصم الأوحد للجيوش العربية كافة، على ضيفها الدائم الذي كان في البداية أحد أساتذة اللغة العِبرية بكلية آداب جامعة الإسكندرية، إذ كان يقوم بالإجابة على هذه الأسئلة، إلاّ أنه لم يستمر طويلًا في هذه المهمة، بسبب بعد المسافة وضيق وقته، وذلك بحسب الإذاعية "سوسن سامي".

في تلك الأثناء، كان نجم محمود عوض بازغًا في سماء المحروسة برمتها، نظرًا لما حققته كتبه عن إسرائيل لاسيما كتاب "ممنوع من التداول "من شهرة واسعة، فما كان من سوسن التي سردت لـ"مصراوي" تفاصيل عملها مع عوض إلا أن "أقترحت على الإذاعة محمود عوض ليكون الضيف الرئيس في البرنامج.. فرحبوا به جدًا"، لتهم بالتحدث إليه مقترحة عليه هذا العرض، فما كان منه إلا أنه قَبَل على الفور.

بالرغم من قصر مدة البرنامج اليومي، إلاّ أن هذا لم يمنع الكاتب الذي وضع إسرائيل في حجمها الطبيعي، من تقديم إجابات شارحة كافية وافية بعيدة عن الدعاية التقليدية، وإنما اعتمدت على دراساته وأبحاثه المختلفة عن هؤلاء الذين لم يعترف بوجودهم يومًا، وذلك تفاديًا لأخطاء السابقين "آباؤنا حدثونا عن كل شيء إلا عن حجم الخطر الإسرائيلي على حدودنا".

على مدار أعوام إذاعة البرنامج، لم تتوقف سيل الرسائل التي تلقاها "عوض" من مستمعيه، الذين انقسموا إلى شريحتين: إما الشباب أو متعلمين أو مهنيين بمستوى أطباء ومحامين، وهو ما جعل تقارير المتابعة الدورية بالإذاعة تسجل أن هذا البرنامج بات من أكثر البرامج السياسية شعبية لسنوات طويلة، وفقًا لما قاله "عوض" في كتابه "من وجع القلب".

تسببت هذه الشهرة في إزعاج للإسرائيليين الذين وجدوا في هجوم "عوض" على وزير دفاعهم "مناحم بيجن" خلال زيارته للقاهرة، فرصة مواتية للإطاحة ببرنامجه، لاسيما عقب تعليقه الشهير على اقتراح وزير الدفاع المتعلق باقتراح مشروع لتوصيل مياه النيل لإسرائيل، قائلا "دي وقاحة يا مستر بيجن"، وذلك حسبما ذكر شقيقه طه عوض لمصراوي في حوار سابق.

لكن الإذاعية السابقة، رفضت التعليق على سبب وقف البرنامج وقتذاك، مبررة ذلك بأن "شيء حصل في الماضي وخلص هنستفيد إيه لما نعرف الأسباب!"، لكنها في الوقت نفسه ترى أن اتخاذ مثل هذا القرار في ذاك التوقيت كان أمرًا اعتيادًا "مصر عملت سلام مع إسرائيل يبقي إيه لازمة استمرار البرنامج!".

لم تحتفظ مقدمة البرنامج بشرائط أي من حلقاته، ولكنها رجحت "ممكن تلاقوا الشرايط القديمة في أرشيف الإذاعة"، فما كان من "مصراوي" إلاّ أن يقوم بالتفتيش عن هذا الذي يعتبر بمثابة "كنزًا"، في أرشيف الإذاعة، لطالما آمن الذي أفنى جُل حياته في جمع خيوط الكيان الصهيوني، بأنها "ليست قضية تاريخ مضى.. فالقضية ماتزال معنا حتى الآن".

توجهنا إلى السرح العتيق مبنى "ماسبيرو"، حيث "مكتبة الشرائط" القابعة بالطابق الثالث من المبنى، والتي تحتفظ الإذاعة بجميع شرائط برامجها القديمة بها.

إلى غرفة مكتبة الشرائط التي مكنتها مساحتها الفسيحة أن تضم أربعة مكاتب تلفهم الملفات البالية والأوراق التي أطبقت عليها الأتربة من كل جانب، ظهرت لنا إحدى الموظفات الموكل إليها مهمة البحث عن طريق جهاز الكمبيوتر الوحيد في الغرفة، على البرامج القديمة الخاصة بجميع الإذاعات.

هممنا بسؤالها عن برنامج الكاتب محمود عوض، لتظهر علامات الاستفهام والتعجب على وجهها جالية متسائلة "مين محمود عوض دا!" لكنها شرعت في البحث عن اسم الرجل في البرامج التابعة لإذاعة الشرق الأوسط.

استغرقت عملية البحث عن برنامج "عوض" في مكتبة الشرائط أكثر من نصف ساعة، حيث ظلت الموظفة الأربعينية تبحث باسمه حينًا، وباسم البرنامج حينًا أخر، حتى إنها حاولت البحث باسم المذيعة التي رافقته في البرنامج، إلاّ أن محاولتها جميعًا باءت بالفشل "مفيش برنامج بالاسم دا هنا!".

بينما الإذاعية هند لطفي، رئيس إذاعة الشرق الأوسط السابقة، فسرت لـ"مصراوي" أسباب اختفاء البرامج القديمة من أرشيفها، قائلة إنه من الممكن أن يكون البرنامج حُذف عن طريق الخطأ، لاسيما وأنه انتهي منذ عقود ليست بالقليلة.

لم تكن رئيس إذاعة الشرق الأوسط السابقة، على علم بهذا البرنامج من قبل "أنا محضرتش الفترة دي في الإذاعة ويصعب عليا تذكر البرنامج"، لكنها تفسر هذه الطريقة التي وصفتها بـ"عن طريق الخطأ"، بأن الإذاعة درجت على تسجيل البرامج الجديدة على شرائط البرامج القديمة "ممكن جدًا شرايط برنامج محمود عوض أتسجل عليها برامج جديدة".

بالرغم من عدم تذكر الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، أحد أصدقاء عوض المقربين، هذا البرنامج، إلاّ أنه استعبد أن تظل الإذاعة محتفظة به حتى الآن، لكن عزائه الوحيد في ذلك "محمود عوض عنده كتب كتير جدًا عن جذور إسرائيل بمثابة مراجع تاريخية ممكن الأجيال الحالية والمُقبلة ترجع لها للإفادة والتعلم"، وفقًا لما قاله لـ"مصراوي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان