إعلان

"مسابح الدماء".. بين حرمة القانون والفتاوى وحكايات الألم النفسي

05:10 م الجمعة 01 سبتمبر 2017

كتبت – مها صلاح الدين:

تصوير- محمد البدري ومحمد حسام الدين:

لم تسلم "نيرة" بعد من الذعر الذي ينتابها كلما تذكرت ذلك المشهد، برك الدماء التي تكونت بالشوارع لم تكن فقط المشكلة، بينما منذ ما يقرب من 10 سنوات، كان الناس يتبركون بدماء الضحايا، ويلطخون بها بعضهم البعض، لم تسلم "نيرة" من عبث صغارهم، لتتحول ضحكاتها المنثورة بيوم العيد، إلى صراخ هستيري تستعيده كلما رأت مشهد الذبيح.

في الأيام الأولى من عيد الأضحى، لا يستمع أحد للفتوى الشرعية التي تتجدد كل عام، بتجريم ذبح الأضاحي في الشوارع، وترك مخلفاتها والذي يعد من السيئات العظام والكبائر الجسام، لأن فيه إيذاء للناس، وفقا لنص الفتوى المستندة على الآية القرآنية: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً".

إلا أن عكس ذلك كان يلاحق "نيرة حشمت" التي تسير في العقد الثالث من عمرها منذ الصغر، والتي كانت في "الخروف" صديقا وخل وفي يستحق الاعتناء، كما هيأ لها والداها، وفي ليلة وضحاها يتحول إلى ذبيح، دمائه مباحة أمام سكين مسنون.

لا تعترض الشابة على الأضحية الشرعية، ولا تحرم ما حلله الله، بينما ترتعب من مشاهد تفاخر المواطنين بذبائحهم، ومخالفتهم للشريعة بذبح الأضاحي أمام بعضها، والذي وصفته بالمؤذي والمخيف.

لم يتوقف الأمر مع "نيرة" في سنوات الصغر، ظل يتطور حتى وصل بها الحال أنها تمتنع عن مغادرة المنزل طوال أيام عيد الأضحى، لتترفع عن رؤية مسابح الدماء وتستنشق رائحتها، ولكنها تظل تطاردها داخل المنازل، حتى بعد أن امتنع ذويها من الذبح بأرجائه، إلا أن "لحوم العيد" عادة ما تذكرها بدماء الأضاحي، على الرغم من عدم نفورها منها في بقية أيام السنة.

تنص المادة 136 من القانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بقانون 207 لسنة 1980، على أنه "يحظر بيع وترحيل لحوم حيوانات الغذاء أو عرضها بغرض البيع قبل إجراء الكشف البيطري عليها وختمها بالختم الحكومي، وإذا اتضح للسلطة المختصة أن اللحوم المعروضة لا تحمل الخاتم الحكومي أو أنها ذبحت خارج السلخانة فعلى السلطة المختصة مصادرة تلك اللحوم واعدامها بالإضافة إلى أية إجراءات أخرى تتخذها بموجب أحكام هذا القانون".

وعلى الرغم من ندرة تفعيل هذا القانون باعتراف نواب مجلس الشعب، تم تحرير 63 مخالفة داخل محافظة القاهرة للذبح خارج المجازر. ولكن يبدو أن هذا لا يكفي لكبح جماح تلك العادة، والتي تدفع "أحمد" إلى الإكتئاب- وفقا لقوله، يرى أحمد في تصوير الأضحية أثناء الذبيح ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي أمرا مرعبا، والتجول داخل برك الدماء في الشوارع أمر يصيب بالذعر.

يؤكد دليل الاشتراطات البيئية ونقاط الذبيح، الذي أعدته وزارة البيئة، أن الدماء الناتجة عن عملية الذبح سريع التجلط ويسبب انسداد شبكات الصرف الصحي، كما أن مخلفات الذبيح المتروكة بالشوارع تحمل المسببات المرضية، علاوة على أنها مصدر دائم للروائح المزعجة الناتجة عن التحلل اللاهوائي لهذه المخلفات خاصة في الوضع الحالي، التي أصبحت فيه المجازر ونقاط الذبح ملاصقة للتجمعات السكنية.

وهو ما لا يحدث في الكويت، التي تنتقل "رنا" بينها وبين مصر، إلا عيد الأضحى بالنسبة إليها هناك أفضل، على الرغم من كونها ليست نباتية، وليست ضد عقيدة الأضاحي بالشريعة الإسلامية، إلا أنها تعتقد فيما يحدث بالشوارع المصرية أنه "حرام"، فأولى اشتراطات الذبيح في الإسلام أن الأضحية لا تعذب جسديا أو نفسيا قبل وأثناء الذبح.

إلا أن ما يحدث على أرض الواقع جعل "رنا" تمتنع عن تأدية صلاة العيد، حتى لا ترى صفوف المواشي التي تنتظر دورها أمام بعضها لتلقى نحرها، وهو المشهد المحرم شرعا.

وتابعت: " السكين المسنون والذبح في أقل وقت من قواعد الذبح الرحيم التي لا تطبق، بينما يهادي أحيانا الأب صغيره بمنحه شرف الذبح، ويمزح الجزار مع أحدهم فيعطيه هو السكين ليتم المهمة، مشاهد طالما آلمت، الصبية، وجعلتها تفر هاربة كلما لاحقها أحد لحضور الموقف، لتظل دائما هي مثارا للسخرية، ويظل هذا أحب إلى نفسها من أن تكون دموية" - على حد تعبيرها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان