7 ساعات داخل قطار 1907.. قصة راكبة علقت في الطريق بعد "تصادم الإسكندرية"
كتبت - إشراق أحمد:
تصوير - حازم جودة:
ساعتان هي ما كانت تقطعها سارة عادل يوميًا، مستقلة القطار من دمنهور إلى القاهرة حيث تعمل، تزيد عليها ساعة أو أقل في أوقات الأعطال والتأخير الذي اعتدته، غير أنه بالأمس استغرقت الرحلة قرابة 7 ساعات.
كان القطار رقم 1907 أحد القطارات، التي انطلقت في طريقها بعد حادث تصادم قطاري الإسكندرية، الذي شهدته محطة "خورشيد" ظهر أمس، مما أسفر عن مقتل 42 شخصًا، وإصابة 179 مصابًا وفق وزارة الصحة المصرية، وكذلك إرباك حركة السكك الحديدية، خاصة المتجهة إلى الوجه البحري.
حضرت سارة إلى محطة مصر، قبل ميعاد قيام قطارها في التاسعة مساء أمس، تذكرة العودة بحوزة الشابة العشرينية، الأمور تسير باعتيادية ولا سيرة عن تأثير حادث قطاري الإسكندرية. دلفت راكبة القطار الإسباني المكيف إلى عربة 6، حيث مقعدها الحامل رقم 60، لم تكن تعلم سارة حينها سوى وقوع حادث على خط قطارات الضواحي، بينما تستقل هي قطار المحافظات، الذي لم يُشر أحد من قريب أو بعيد لتوقف حركة سيره، وطمأنها التحرك وإن تجاوز الميعاد المحدد بنحو عشر دقائق.
كانت الحركة بطيئة طيلة سير القطار، لكن الشك لم يدخل للنفوس في أن رحلتهم مقدارها أكثر من 3 ساعات، حتى بلغوا محطة بنها في الحادية عشر مساءً؛ ارتبك الركاب، ومنهم سارة، نزلت من القطار المتوقف في غير محطته "ده قطر محافظات أول محطة له طنطا"، فيما شاهد البعض محصل التذاكر يخلع عنه رداء العمل ويغادر حسب قول سارة، التي أخبرها أحد العاملين بالمحطة أنه لا توجد سيارات في تلك الساعة إلى دمنهور أو الإسكندرية.
لم تجد سارة مفرًا من البقاء في قطار 1907، أملت في بلوغ طنطا علها تجد حلا "لما وصلنا لقينا القطر اللي قبلنا بتاع 8 وربع واقف على الرصيف"، صدمة استقبلتها الشابة، غادرت القطار كما فعل الكثير لركوب القطار الأخر المتوقف "كله بيفكر ولو عشر دقايق يوصل فيها بدري شوية"، لكنها لم تلحق به، ورافقت مصير الانتظار.
كلما تحرك القطار، تعلقت نفوس الركاب بمحطة قادمة، بينما يخيب الأمل بعد تجاوزها والوقوف في منطقة زراعية خالية "أنت عارف أنك هتتأخر.. وقفنا في محطات.. عندك كفر الزيات وقويسنا أو مكنتش طلعتنا أصلا"، الكلمات تدور في رأس سارة، فيما بدا الاستسلام السبيل الوحيد، وحيلة اليد في اتصال تجريه كل نصف ساعة للأم القلوق على ابنتها التي تجاوزت الساعة منتصف الليل ولم تصل لمنزلها.
داخل عربة 6، انقسم الركاب ما بين الحانقين والصابرين اضطرارًا، البعض يتصل بخطوط شكاوى سكك الحديد المدونة في القطار "واحد اتصل الموظف قال هنعمل ايه اتصرفوا" حسب قول سارة.
الوقت يمر والانهاك يكسو الوجوه "كان في أب وبنته معاه تعبانة مش عارف يعمل ايه"، الثقل يزيد على المسافرين بصحبة ذويهم، فيما لا يجد الجميع أحدا يجيبهم، تسلل لنفس سارة اليقين بأن العاملين داخل القطار على علم مسبق بالأزمة "عرفنا منهم أن قدامنا 5 قطارات واقفة زينا"، وبمزيد من الإلحاح في السؤال استقبل الركاب كلمات صادمة حال موقفهم "القطارات بتوصل دمنهور وتلف تاني فاضية مبتكملش للإسكندرية" كما تقول ابنة دمنهور.
ليس تلك المرة الأولى التي تعّلَق فيها سارة داخل قطار، قبل أربعة أشهر حدث الأمر، وتصادف أن يكون مع القطار ذاته "وصلت وقتها دمنهور الساعة 2 بليل ومعرفناش ايه السبب"، غير أن هذه المرة الأصعب "مكنش في فيش غير في الحمامات نقدر نشحن الموبايل واللي تليفونه فصل خلاص انقطع عن الناس" تقول الشابة العشرينية، بينما تتذكر تكافل الناس داخل العربات، بتبادل أجهزة شحن الهواتف، ومبادرة أخرين للاستعلام عن المشكلة، مَن يحصل على رقم سائق، وعاملين في السكك الحديد فيخبرونهم بأمر الحادث "كان في ناس كتير متعرفش أن في حادثة على الطريق".
كذلك على رصيف القطارات بدا الوضع مختلفًا عن المعتاد، أعداد الناس كبيرة مقارنة بوقت انتظارهم بعد منتصف الليل، تلملم سارة تفاصيل المشهد بعينيها عبر زجاج القطار، وبأذنيها لما ينساب بالجوار من شائعات "الناس كانت بتقول إن الجيش هيجيب عربيات وشوية وزارة النقل هتيجي توصلنا". غاب النوم عن العيون حتى وصلت الشابة إلى دمنهور.
في تمام الساعة الرابعة وخمس دقائق فجر اليوم بلغت سارة مدينتها، لكن المشهد لم ينته بالوصول، فبينما هي على أعتاب النزول سمعت عامل التكييف داخل القطار يقول "يا جماعة في حد نازل إسكندرية أصله احتمال يكمل على اسكندرية"؛ لزم البعض مكانه في القطار أملا في انتهاء الرحلة، فيما غادرت سارة إلى رصيف المحطة، الذي امتلأ بركاب قطار 1907 الراغبين في إيجاد سيارة تقلهم إلى الإسكندرية ووجدوا ضالتهم.
"لما دخلنا دمنهور، لقينا السواقين مستنيين بعربيات ميكروباص عشان تحمل الناس"، لأول مرة ترى ابنه دمنهور سيارة تستقر على رصيف المحطة، قرر السائقون أن "يسترزقوا ويحلوا المشكلة في نفس الوقت" كما تقول سارة، بينما تعدد 5 سيارات أبصرتهم. غادرت الشابة المحطة في طريق العودة لمنزلها، فيما لا تعلم أي رحلة طويلة أخرى تنتظرها وغيرها من ركاب القطارات دون أن يهتم أحد بإعلامهم بوجود أزمة مسبقًا.
فيديو قد يعجبك: